لم تأت جملة " سیقولون لله" الا فی سورة المؤمنون و بالنحو التالی:
1. «سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَکَّرُونَ».[1]
2. «سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ».[2]
3. «سَیَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ».[3]
و لمّا کان الکفّار و المشرکون أشدّ خوفا من الیوم الآخر و ما فیه من هول الحساب و عدل الکتاب، تذرّعوا بالأوهام لتسویغ إعراضهم عن الحقّ و تمسّکهم بالباطل.
و لهذا سدّدت الآیات القرآنیة ضربة قویّة إلى هذا المنطق الواهی من ثلاث طرق: بتذکیرها الإنسان بمالکیة اللّه لعالم الوجود المترامی الأطراف[4]، و ربوبیته له[5]، و سیادته علیه[6]. و یستنتج- من جمیع الأبحاث- قدرة اللّه و سهولة المعاد علیه سبحانه، و أنّ عدالته و حکمته تستلزمان أن یعقب هذا العالم عالم آخر و حیاة أخرى. و ممّا یلفت النظر أنّ القرآن یأخذ من المشرکین اعترافا بکلّ مسألة، فیعید کلامهم لیثبت إقراره.[7]
و الملاحظ فی الآیات المبارکة أنه جاء بعد السؤال و الجواب فی الآیة الاولى جملة " أفلا تذکرون" و بعد السؤال و الجواب فی الآیة الثانیة " أفلا تعقلون" و بعد السؤال و الجواب فی الآیة الثالثة " فأنّى تسحرون"، ففی الآیتین کان الاستفهام بالهمزة و فی الآیة الثالثة کان الاستفهام بکلمة " أنّى" بمعنى "کیف" الا أن جمیع تلک الاستفهامات تندرج تحت نوع واحد هو الاستفهام التوبیخی.[8]
و المتأمل فی هذا التدرج یکتشف نکتة بلاغیة دقیقة جداً تتمثل بالتدرج فی التوبیخ و التخویف و هذا ما اشار الیه بعض المفسرین عند تعرضه لتفسیر سورة المؤمنون قائلا: و رتب هذه التوبیخات الثلاثة بالتدریج فقال أولا: "أفلا تذکرون"، ثم قال ثانیا: "أفلا تتقون"، و ذلک أبلغ، لأن فیه زیادة تخویف، ثم قال ثالثا: "فأنى تسحرون" و فیه من التوبیخ ما لیس فی غیره "وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ" یعنی فیما ینسبون للّه من الشرکاء و الأولاد، و لذلک ردّ علیهم بنفی ذلک إ"ِذاً لَذَهَبَ کُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ" هذا برهان على الوحدانیة.[9]
تحصل أن الترتیب المذکور و الانتقال المناسب فی التوبیخ من مرحلة الى أخرى أشد توبیخا یکشف عن الاسلوب البلیغ للقرآن الکریم الذی یراعی البعد النفسی و الروحی للمخاطب و ینتقل معه بالامور بطریقة تجعله یشعر بقوة الدلیل القرآنی و عظم منطقه من جهة و رصانه اسلوبه من جهة أخرى، فلم یبق أمامه الا التسلیم إن کان ممن یستمع القول فیتبع أحسنه و لم تلوث فطرته بالعناد و الجدال و الخصام.
[1]. المؤمنون، 85.
[2]. المؤمنون، 87.
[3]. المؤمنون، 89.
[4] "قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَ مَنْ فیها إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" المؤمنون، 84.
[5] " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظیم"، المؤمنون، 86.
[6] " قُلْ مَنْ بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْءٍ وَ هُوَ یُجیرُ وَ لا یُجارُ عَلَیْهِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُون"، المؤمنون، 88.
[7] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج10، ص: 491، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421 هـ.
[8] انظر: الصافی، محمود بن عبد الرحیم، الجدول فی اعراب القرآن، ج 18، ص 201 – 203، دار الرشید، مؤسسة الإیمان، دمشق، بیروت، الطبعة الرابعة، 1418 ق؛ درویش، محیی الدین، اعراب القرآن و بیانه، ج 6، ص 538 و 539، دارالارشاد، سوریه، الطبعة الرابعة، 1415ق.
[9] انظر المصدر السابق299؛ و انظر: کتاب التسهیل لعلوم التنزیل، ج2، ص: 56، لابن جزی الغرناطی محمد بن احمد، شرکت دار الارقم بن ابی الارقم، بیروت، 1416 ق، الطبعة الاولى، تحقیق: الدکتور عبدالله الخالدی.