2ـ إن موسى (ع) یخاطب العبد الصالح فی الآیة 73 من سورة الکهف بقوله (لا تؤخذانی بما نسیت) فهل هناک تبریر و توجبة لنسبة النسیان إلى موسى قبال أوامر هذا المعلم الإلهی، فهل یعد هذا من العصیان و المخالفة؟ لأنه اشترط على موسى شرطاً عندما صحبه کما فی قوله تعالى: (فإن اتبعتنی فلا تسألنی عن شیء حتى أحدث لک منه ذکراً) و لکن موسى اعترض علیه کما فی قوله: (قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شیئاً إمرا) و قد اعتذر موسى من هذا الاعتراض و کانت حجته النسیان.
إن الکلام عن عصمة الأنبیاء و الرسل و حدود هذه العصمة له تاریخ قدیم بین العلماء و المفکرین من ذوی الاهتمام بالشأن الدینی، إن بعض الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع یمکن الحصول على أجوبتها من خلال مراجعة بعض الموضوعات المنشورة فی هذا الموقع و کمثال على ذلک المواضیع و الأسئلة التالیة 916 (الموقع 997)، 1013 (الموقع: 1070)، 3394 (الموقع: 3670) و 12779 (الموقع: 12497). أما فیما یخص النسیان الذی ذکره موسى (ع) أثناء اصطحابه للعبد الصالح الذی یقول أغلب المفسرین أنه الخضر (ع) فهناک عدة آراء من جملتها:
1ـ إن هذا المقدار من النسیان من طبائع البشر و یمکن أن یبتلى به الأنبیاء فی بعض الموارد (کما جاء فی الرأی الذی نسبتموه إلى الشیخ الصدوق).
و هذه النظریة سواء قبلت أو ردت لا یوجد فیها ما ینافی عصمة الأنبیاء من الذنب، لأن مثل هذا النسیان لا یعد ذنباً على وجه القطع و الیقین.
2ـ إن بعض المفکرین لا یفسرون النسیان فی هذه الآیة بمعناه المتعارف و إنما یقولون أنه بمعنى صرف النظر[1]. و هذه النظریة تقول أن موسى علیه السلام لم یبتلى بالنسیان، و إنما واجه حوادث لیس لها تعلیل و تبریر أراد أن یعلم ما هی أسبابها و قد رجح العلم بأسبابها و مبرراتها على الوفاء بالعهد الذی قطعه للعبد الصالح فی بدایة صحبتهما. و نحن نعلم بحسب التعالیم الدینیة أنه إذا تزاحم موضوعان أحدهما مهم و الآخر أهم فإن الأولویة و الترجیح یکون من نصیب الأهم.
و من الجدیر بالذکر أن صحبة هذین العبدین الصالحین بتمام وقتها لا یوجد فیها موقف عملی من جانب موسى (ع) إزاء ما فعله صاحبه من الأعمال ذات الظاهر غیر المقبول، و بقیت ردة فعله فی إطار طلب التوضیح و ذکر الأسباب، مع العلم أن موسى (ع) کانت له مواقف عملیة فی وجه ما کان یعتقد و یقطع بأنه من الظلم، کما هو الحال فی موقفه المعروف إزاء مقتل الرجل القبطی.