علّة کل موضوع لموضوع آخر متعلقة بخواص الموضوع الأول، فإذا تغیّرت هذه الخواص بطرق طبیعیة أو اعجازیة فمن الطبیعی سوف لا یکون الموضوع الأول علة للثانی. فنار إبراهیم قد تغیّرت بالاعجاز الإلهی و تبدّلت إلی "برداً و سلاما" فلذلک فقدت خواصها الاولی. فعلی هذا الأساس لا یبقی مجال للتعجب بأن إبراهیم لماذا سلم و لم یحترق بالنار التی کانت ناراً و تحوّلت إلی "برداً و سلاماً".
قبل الجواب الفت انتباهکم الی موضوع ثابت من الناحیة العلمیة: کلنا نعلم أن "الماء" فی ذاته عدو "للنار" و یُمکنه أن یکون أفضل آلة للقضاء علی النار، لکن نفس هذا الماء المکوّن من عنصری الهیدروجین و الاوکسجین إذا فکّکناه الی عنصریه المکونة له بواسطة (الکلتالیزور) فیصبح اما هیدروجین الذی ینفجر بتماسه بالنار أو إلی اوکسجین الذی یزید فی إضرام النار، و هذا یعنی أن مفعول هذین العنصرین یکون مخالفاً لمفعول الماء المرکب منهما تماماً و هذا الموضوع لا ینافی أصل العلیة أبداً.
بعد التدقیق بالمثال المشار إلیه، و بعد الالتفات إلی أن العلم الیوم أثبت علی الأصل المسلّم به و هو "ان المادة و الطاقة لا تعدم أبداً و إنما تبدّل دائماً من حالة إلی حالة" یمکن القول: ان إمکان تبدیل الطاقة الموجودة فی النار الی مادة لیس محالاً من الناحیة العلمیة و ان أمکن اعتباره محالاً عادیاً، اذ فی حالة الطبیعیة لا یُمکن تبدیل النار الی الورود و الریاحین بسرعة اذ أن هذا الأمر غریب و بعید عن الذهن البشری، لکن و بما أن هذا التغییر و التحویل لیس محالاً علمیاً فلیس بعیداً علی البشر أن یتمکن من هذا الأمر فی المستقبل و یقوم به. نعم، ان قدرات الإنسان فی تبدیل الطاقة إلی مادة فی ذلک الوقت محدودة جداً، و لعله لم یکن بإمکانهم استخراج مقدار قلیل جداً من المادة من الطاقة إلا بمدة طولة.
أما الله سبحانه فیستطیع بقدرته المطلقة أن یحوّل و بسهولة حجماً کبیراً من الطاقة و بطرفة عین إلی أی مادة یشاء، و هذا ما کان فی قصة حرق إبراهیم الخلیل (ع) حیث تحوّلت نار نمرود إلی روضة و ریحان فی مدة قلیلة جداً، و هذا الأمر لا یوجد أی خلل فی أصل العلیة. حیث أن النار المحرقة هی التی لم تفقد خواصها الخاصة بها، و لکن عندما تتبدل إلی روضة و ریحان و تفقد خواصها الحارقة، فلا عیب إذا لم تُحرق ما یُرمی بها عندئذٍ. و هذا الأمر کمثال الماء المذکور فی الجواب الاجمالی فالماء لا یُطفئ النار و یقضی علیها إلا إذا حافظ علی ترکیبه من الاوکسجین و الهیدروجین و بنسبة معینة.
لکن ما إن تغیّر هذا الترکیب و تحلّل الماء إلی عنصریه کل علی حدة فعندئذٍ لیس فقط لا یُطفیء النار بل یتحوّل إلی مادة تزید فی إضرام النار و شعلته و إلتهابه. و هذه الموارد کلها لیست مستحیلة من الناحیة العقلیة، سوی أن قدرة البشر فی أدائها أو فی سرعة هذا الأداء محدودة. لذلک إذا حدثت أمام البشر، سیطلق علیها إسم "الإعجاز" أو "المعجزة".
و یحتمل ایضا ان الله تعالى قد وضع مانعا و حاجزاً بین النار و بین ابراهیم (ع) فمع وجود المقتضی للاحراق کان لوجود المانع الاثر فی عدم الاحراق کما لو قربنا الورقة المبللة من النار فان النار عندها قابلیة الاحراق و لکن لما وضعنا الماء على الورقة صار مانعا عن تحقق فعل النار. و لا تنافی حینئذ قطعا بین عمومیة قانون العلیة وعدم الاحراق.