یعتقد بعض المفسّرین إن لمجيء کلمة «القلب» و «البصر» في الآیة المذکورة في السؤال بصیغة الجمع، و لمجيء کلمة «السمع» بصیغة المفرد نکتة خاصة، و ذهب البعض الآخر إلی عدم وجود حکمة لهذا الاختلاف. لا بأس بالإشارة إلی بعض الآراء في هذا المضمار بمقدار ما یسمح به هذا الموجز.
لم تأت کلمة «السمع» في القرآن إلا مفردة، فلم یرد في القرآن کلمة «الأسماع» أما کلمتا «القلب» و «البصر» فقد تأتي بصیغة الجمع کما في الآیة المشار إلیها في السؤال و قد تأتي مفردة کما في قوله تعالى " و خَتَمَ عَلىَ سمَعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلىَ بَصَرِهِ غِشَاوَة".[1]
ذكر الشیخ الطوسي رحمة الله علیه في تفسیر «التبیان» نقلاً عن اللغوي المعروف أبي عبيدة، أن ذلك يعود لاسباب لغوية اقتضت ذلك حيث قال: قال ابو عبيدة: في تفسيره قوله تعالى «وَ عَلى سَمْعِهِمْ» معناه على أسماعهم و وضع الواحد موضع الجمع لأنه اسم جنس كما قال: «يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» [2] يعني أطفالا. و يجوز ان يكون أراد موضع سمعهم فحذف لدلالة الكلام عليه. و يجوز ان يكون أراد المصدر لأنه يدل على القليل و الكثي. [3]
و ذهب صاحب تفسير جوامع الجامع الى القول بان الله تعالى: وحّد السّمع لأنّه مصدر في الأصل و المصادر لا تجمع. [4]
و یمکننا أن نضیف إلی ما سبق تعلیلاً ذوقیاً و علمیاً و هو أن الإدراکات القلبیة و المشاهدات العینیة تزید بکثیر علی «المسموعات» و لذا جاءت القلوب و الأبصار بصیغة الجمع.[5]
کما یجدر إضافة هذه الملاحظة: لیس لجمع القلب و البصر و إفراد السمع من دلیل خاص و نفس الأمر بالنسبة لتقدیم القلب علی السمع، لأننا نلاحظ عکس هذا الأمر في الآیات الأخری من القرآن الکریم. إذن، فجمع و إفراد هذه الکلمات أو تقدیمها و تأخیرها هو للتنوّع في بیان المطالب.[6] لذا فلیس من اللازوم کون هذا الجمع الإفراد و التقدیم و التأخیر عن حکمة و سرّ معنیین، فنحكم بعبثية وجوده في القرآن لمجرد عدم معرفتنا بتلك النكات البلاغية و الادبية!!.
[1] الجاثیة، 23.
[2] الحج، 5.
[3] الطوسي، محمد بن الحسن، التبیان في تفسیر القرآن، ج 1، ص 64، دار احیاء التراث العربي، بیروت.
[4] الطبرسي، فضل بن حسن، جوامع الجامع، ج 1، ص 18، انتشارات دانشگاه طهران و مديرية الحوزة العلمية، قم، الطبعة الاولى، طهران، 1377 ش.
[5] وانظر:المکارم الشیرازي، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 1، ص 92، مکتبة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق؛ الدرویش، محیي الدین، إعراب القرآن و بیانه، ج 1، ص 29، دار الإرشاد، سوریة، الطبعة الرابعة، 1415 ق.
[6] الجعفري، یعقوب، الکوثر، ج 1، ص 55، بي جا، بي تا.