صحيح ان معرفة الذات الالهي و كنهها من الامور المستحيلة على الذهن البشري، و ان الانسان مهما أوتي من قوة ادراكية لا يمكنه معرفة كنه تلك الحقيقة المقدسة؛ الا ان هناك مجموعة من الطرق يمكن اعتمادها في الوصول الى اصل وجود الباري تعالى و التقين بوجوده المقدس، و يمكن تصنيف تلك البراهين و الطرق بالنحو التالي:
1. الطريق العقلي، كبرهان الامكان و الوجوب و غيرهما من البراهين العقلية.
2. الطريق التجريبي المتمثل ببرهان النظم.
3. طريق القلب المتمثل ببرهان الفطرة.
و من اسهل الطرق و افضلها برهان الفطرة (معرفة الله تعالى من طريق القلب)، و ذلك عندما يرجع الانسان الى نفسه يرى نفسه في غنى عن سائر البراهين و الادلة العقلية منها و التجريبية، و ان طريق القلب كاف للاذعان بتلك الحقيقة المقدسة و الوصول الى ديار المحبوب.[1]
الامر الآخر أن تقرير برهان الامكان – مختصراً- يتمثل بالخطوات التالية: لا شك بوجود اشاء في الخارج. و تلك الموجودات إن كانت واجبة الوجود ثبت المطلوب و أنه توجد اشياء واجبة بذاتها، و إن كانت ممكنة الوجود، فلما كانت الممكنات محتاجة الى علة، و مع الاخذ بنظر الاعتبار استحالة التسلسل و الدور، فلابد من توقف السلسلة عند موجود غير محتاج في وجوده الى علة تخرجه من العدم الى الوجود، و هذا ما يعبّر عنه بواجب الوجود (و هو الله تعالى).[2] إذن مستند هذا البرهان يقوم على الاستقلالية وعدم الاستقلالية او الاستقلال الوجودي و التبعية. و بعبارة أخرى: الوجود من وجهة نظر الحكمة المتعالية ذو نوع خاص من المراتب التشكيكية؛ و أن حقيقة الوجود أمر واحد بسيط لكنه مشكك بالأشدية و الأضعفية و التقدم و التأخر، و الوجود المحض منحصر بالباري تعالى، و لا نعني بالوجود المحض مفهوم الوجود في مقابل العدم، بل الجوهرة و سر الاسرار لوجود جميع الموجودات متعلق بالوجود المحض الذي هو اشد درجات الوجود و ان جميع الكمالات متمركزة فيه.
و بهذا نعرف ان الوجود في الحكمة المتعالية ليس مجرد مفهوم، بل الحقيقة المشككة الجامعة لكل الكمالات فيها و من تلك الكمالات العلم و النظم و الحكمة و...
أضف الى ذلك ان الحكماء الاسلاميين قالوا في اثبات علم الباري تعالى: " أن ذاته المتعالية حقيقة الوجود الصرف البسيط الواحد بالوحدة الحقة الذي لا يداخله نقص و لا عدم فلا كمال وجوديا في تفاصيل الخلقة بنظامها الوجودي إلا و هي واجدة له بنحو أعلى و أشرف غير متميز بعضها من بعض لمكان الصرافة و البساطة فما سواه من شيء فهو معلوم له تعالى في مرتبة ذاته المتعالية علما تفصيليا في عين الإجمال و إجماليا في عين التفصيل".[3]
اما السؤال عن اثبات علم الله تعالى فيما اذا اعتمدنا في اثبات وجوده البراهين الوجودية كبرهان الامكان و الوجوب؟[4]، و ما هي العلاقة بين الوجود و العلم؟ فهذا ياتي من باب الخلط بين منهج المتكلمين و منهج الحكمة المتعالية في اثبات وجود الله و علمه تعالى. فلابد في الاجابة عن السؤال المطروح من الانطلاق من فهم الحكمة المتعالية و تلقيها لكل من مفهومي الوجود و العلم الالهي معاً.
[1] مقتبس من السؤال رقم 479.
[2] مقتبس من السؤال رقم 479.
[3] العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، نهايةالحكمة، ص 289، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.
[4] من البراهين المعتمدة في اثبات علم الله برهان النظم المنطلق من النظم الحاكم على عالم الوجود و الكاشف عن علم منظمه سبحانه. الا ان الامر يختلف في برهاني الامكان و الوجوب فلابد من تقرير وجود علمه تعالى بصورة أخرى.