صحيح أن اسحاق (ع) وصف في بعض الآيات بوصف " غلام عليم" و "غلام حليم" الا ان ذلك ليس فيه دلالة على كون الذبيح هو اسحاق (ع)، و قد تعرض المفسرون لبيان هذه الحقيقة اثناء تفسيرهم لسورة الصافات الآيات 111 الى 113:" إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ" وغيرها من السور القرآنية، حيث قال صاحب الامثل:
1. تتناول هذه الآيات نعمة اخرى من النعم التي وهبها اللّه تعالى لإبراهيم (وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ).
فبالانتباه إلى الآية "فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ" يتّضح بصورة جيّدة أنّ هاتين البشارتين تتعلّقان بولدين، و بما أنّ البشرى الأخيرة وفق ما جاء في الآية تخصّ (إسحاق)، فإنّ (الغلام الحليم) بالتأكيد هو (إسماعيل) فالذين يصرّون على أنّ الذبيح هو (إسحاق) عليهم أن يعرفوا أنّهم اعتبروا الآيتين تشيران إلى موضوع واحد مع هذا التفاوت، و هو أنّ الآية الاولى بشّرت بالولد و الآية الثانية بشّرت بالنبوّة، و لكن هذا المعنى مستبعد جدّا، و الآيات المذكورة أعلاه تبيّن بوضوح أنّ البشارتين تتعلّقان بولدين.
2. إنّ بشرى النبوّة تكشف عن أنّ إسحاق يجب أن يبقى حيّا و أن يؤدّي تكاليف و مهمّة النبوّة، و هذا لا يتلاءم مع قضيّة الذبح.[1]
3. و جاء في تفسير الميزان: و اعلم أن هذه الآية المتضمنة للبشرى بإسحاق بوقوعها بعد البشرى السابقة بقوله: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» المتعقبة بقوله: «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ» إلى آخر القصة ظاهرة كالصريحة أو هي صريحة في أن الذبيح غير إسحاق و هو إسماعيل (ع) و قد فصلنا القول في ذلك في قصص إبراهيم (ع) من سورة الأنعام.[2]
4. الشاهد على كون الذبيح هو اسماعيل دون اسحاق ان الامر بعملية الذبح تم في منطقة منى و اثناء مناسك الحج و من المعروف ان اسحاق لم يكن ساكنا في تلك الارض المباركة ولا على مقربة منها، بل كان يقطن هو و أمه في منطقة الشام، و كان اسماعيل يسكن في منطقة البطحاء و مكة القريبة من تلك الاراضي المقدسة.[3]
5. الشاهد الآخر الذي يكشف عن كون الذبيح هو اسماعيل دون اسحاق أن الثاني ولد في أخريات حياة أبيه و من أم (ساره) كانت عقيماً؛ الامر الذي يكشف عن كون الامر بالذبح حدث قبل ذلك التأريخ.
[1] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج14، ص: 379، نشر مدرسة الامام علي بن ابي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421 هـ.
[2] الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 17، ص 153، سوره انعام ذيل قصة ابراهيم (ع)، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛
[3] حسيني همداني، سيد محمد حسين، انوار درخشان، ج 14، ص 58، مكتبة لطفي، طهران، 1404ق.