علی الرغم من أن کثیراً من النساء المسلمات یسترن وجوههن باختیارهن و یحبّذن مزید الحجاب، و لکن یری أکثر علماء الدین إنه لا یجب تغطیة الوجه. و إضافة الی ذلک فإننا نری أن الحبّ الناشئ من الرؤیة الظاهریة لوجه الطرف المقابل و الذی لم تؤخذ فیه المعاییر المهمة الاخری فإنه لا یدوم کثیراً عادة، فإن هذا الحب یزول بزوال الجمال أو بمشاهدة من هو أجمل و قد یتحوّل الی کره أحیاناً! و للشباب فی البلاد الإسلامیة طرق أفضل لاختیار الزوج المناسب و منها الاقتراح من قبل الوالدین و الاختیار النهائی من قبل الشاب نفسه.
أما من الناحیة الفقهیة فقد اجاز الشرع للشاب ان ینظر للمرأة التی یرید الزواج منها، فبعد ان یصفها له الاهل او الاصدقاء و یقرر خطوبتها و ینوی الزواج منها یبیح له الشرع النظر لها و الحدیث معها فان اعجبته تزوجها و الا فلا.
یمکن تقسیم هذا السؤال الی عدة أقسام:
1. هل أن النساء المسلمات ملزمات بستر وجوههن؟ و نتیجة ذلک لا یتمکن الولد من رؤیة المرأة التی یرید الزواج منها؟
2. هل أن رؤیة الجمال الظاهری فقط یمکنه أن یکون سبباً مناسباً للحب المتبادل بین الشباب؟
3. هل أن الشباب المسلمین یتزوّجون علی أساس اختیار أبویهم فقط؟
و نتعرض الآن للبحث فی هذه الموارد بنفس هذا الترتیب:
1. یجب أن نعلم أنه بمراجعة الآیة 59 من سورة الأحزاب و التدبّر فیها سوف نصل الی هذه الحقیقة و هی إن علة تشریع الحجاب و فلسفته هی تحقیق الحمایة للنساء من أذی و ضرر بعض أشرار الرجال، و لیس هو تقییداً و تحدیداً لهن. و بعبارة اخری: الحجاب هو علامة العفاف و لیس علامة الانزواء.[1]
و علی هذا الأساس فإن النساء المؤمنات یسعین فی مراعاة هذه التوصیة القرآنیة، و کثیر منهن و خصوصاً النساء المتزوجات یحتطن فی هذا المجال و یسترن وجوههن أیضاً. و دراسة مجموع الآیات و الروایات تعطی أن مثل هذا الاحتیاط لیس واجباً و لازماً، و إنه یجوز للنساء المسلمات إظهار وجوههن و أیدیهن إلی ال المعصمین بشرط أن لا یکون فیها زینة واضحة.[2]
و علی هذا فلیس هناک أی منع من أن یتمکن الأشخاص المسلمون و المؤمنون من مشاهدة الطرف المقابل فإذا قبلوا بالشکل الظاهری للبنت یتقدّمون لخطبتها بعد السؤال عنها.
و أن النبی الأکرم(ص) أجاز للشابات الحضور فی صلوات عید الفطر و الأضحی فربما رزقن بنصیب مناسب.[3] و قد فسّر بعض علماء الدین هذا الرزق بالزواج.[4] و بملاحظة نص الروایة و مضمونها فإنه یستبعد أی تفسیر آخر لها، بل یحتمل أن یکون هذا التفسیر هو جزء من الروایة بأن یکون الإمام الصادق(ع) فهم ذلک من کلام النبی(ص). و علی هذا فیمکن أن نستنتج من ذلک أن الإسلام لا یعارض حضور الالنساء العفیفات فی الاجتماعات التی تسهل فی زواجهن. و علی هذا الأساس نلاحظ أن النساء لم یمنعن حتی من الحضور فی الشوارع و الأسواق، و لکن أمرن أن یمشین فی جانب الطریق و ذلک علامة علی العفة و الوقار.[5]
و بناء علی هذا فإنه یمکن للشباب و الشابات فی المجتمعات الإسلامیة أن یتعرّفوا علی بعضهم البعض و یتزوجوا ثم أن الشاب إذا عزم علی الزواج من بنت بعد السؤال عنها و لم یکن قاصداً لللّهو و التلاعب فإنه یمکنه قبل وقوع الزواج أن یری البنت مرة ثانیة بشکل أدقّ و أکثر حریّة لکی لا یکون له عذر بعد الزواج فی أذی زوجته.[6]
2. یجب الالتفات الی أن الجمال الظاهری و رغم إنه یمکن أن یکون أحد دوافع الزواج و لیس فی الإسلام أی منع من أن یکون الجمال دخیلاً فی تعیین الزوجة، و لکن یجب أن نعلم بأن السیرة الإنسانیة و الأخلاق الحسنة هی فی دیننا أهم کثیراً من الوجه الجمیل. و بناء علی هذا فلا ینبغی أن نعدّ الجمال الظاهری هو السبب الأساسی فی الحب. و قد اعتبر النبی الأکرم(ص) من طرق السعادة فی الدنیا و الآخرة الحصول علی زوجة عفیفة مؤمنة.[7] و حذّر أصحابه من الزواج بالنساء الجمیلات اللواتی نشأن فی بیئة غیر مناسبة.[8] و قال أیضاً: "من تزوّج امرأة لا یتزوجها الّا لجمالها لم یر فیها ما یحب و من تزوجها لمالها لا یتزوجها إلّا له وکّله الله إلیه فعلیکم بذات الدین".[9]
و کذلک فقد أکّدت الروایات علی أن من تزوّج امرأة لجمالها رأی فیها ما یکره.[10] و من الطبیعی أن تکون الرغبة الناشئة من جمال الوجه فقط معرّضة للزوال برؤیة وجه أجمل و یحل محلها الکره و البغضاء، أو أن الزوجة الجمیلة إذا فقدت جمالها لأحد الأسباب التی یمکن أن تقع فی حیاة کل إنسان فلا یکون لها حینئذٍ مکانة و منزلة.
و بناء علی هذا فلا یمکن اعتبار الجمال هو المعیار الوحید الذی الذی تقوم علیه رابطة الحب بین الشاب و الشابة، بل توجد معاییر أهم بکثیر من ذلک مثل المستوی العلمی و النجابة الاسریة و العفة و ... و الاهتمام بما یمکنه أن یحقق زواجاً أکثر نجاحاً.
3. و فیما یتعلّق بما قیل من أن الشباب فی البلدان الإسلامیة لا یستطیعون اختیار زوجاتهم بل علیهم أن یخضعوا لما یختاره أبواهم، فینبغی القول: إن المتعارف حالیاً فی بلدنا و بعض البلدان الاخری أن الوالدین یختاران بنتاً لولدهما ثم تتمّ مراحل الزواج اللاحقة. و هذه لیست قضیة فرضها الإسلام علی المسلمین بل هو عرف نشأ علی مدی الزمان، و لهذا فلا یمکن أن تنسب نقاط قوته و ضعفه الی الإسلام، و لیس هناک أی مانع أیضاً من أن تکون القضیة معکوسة أی یختار الطرفان (الشاب و الشابة) شخصاً للزواج ثم یتخذان القرار النهائی بعد استشارة الأبوین.
و مع ذلک فإنه ینبغی الانتباه لهذه الملاحظة و هی أنه حتی فی أمر انتخاب الزوجة من قبل الوالدین لا یکون الاختیار بید الوالدین، بل إنهما یستعینان بتجاربهما و بما یعرفانه من میول ولدهما و رغباته فیقترحان شخصاً علیه، و لکن الذی بیده القرار النهائی هو الأبناء حیث إنهم بعد رؤیة الطرف المقابل و الحدیث معه و دراسة نقاط القوة و الضعف یتخذون قرارهم، و علی هذا الأساس یکون الوالدان فی هذا النظام مقترحین و لیسا منتخبین.
و یبدو أن مثل هذا العرف هو الاسلوب الأمثل حتی فی عصرنا الحالی فی أکثر الموارد من أجل الشروع فی حیاة مشترکة، حیث إنه قد لوحظ فی هذا الأسلوب توافق الزوجین و کذلک دعم و اسناد الأبوین، مما یؤدی الی استحکام البناء الاسری.
و فی الختام من الضروری ذکر هذه الملاحظة و هی أن الله تعالی قادر و بسهولة علی أن یوقع المحبّة فی قلوب الزوجین اللذین یقدمان علی الزواج علی أساس التعالیم الدینیة بعد التوکّل علیه سبحانه.[11]حتی لو لم یکن بینهما سبق معرفة أحدهما بالآخر قبل الزواج، لأن الرغبة و الحب الحقیقی إنما یظهر بعد مضی فترة من الحیاة المشترکة و تتضح الأخلاق و الخصوصیات الحقیقیة لکل من الطرفین الی الطرف الآخر، و إلّا فقبل الزواج أو حتی فی أوائل الحیاة المشترکة یتصرّف کلا الطرفین بطریقة لا تلفت الطرف المقابل الی خصوصیاته السلبیة. و بعبارة اخری: تحصل بینهما علاقة و حب مصطنع و کاذب یکون مهدّداً بالزوال فی أیة لحظة. و الإسلام لا یرتضی مثل هذه العلاقة المتزلزلة، بل هو یرید إنشاء اسرة یکون فیها خیر الدنیا و الآخرة لکلا الزوجین.
أما من الناحیة الفقهیة فقد اجاز الشرع للشاب ان ینظر للمرأة التی یرید الزواج منها، فبعد ان یصفها له الاهل او الاصدقاء و یقرر خطوبتها و ینوی الزواج منها یبیح له الشرع النظر لها و الحدیث معها فان اعجبته تزوجها و الا فلا
[1] یمکنکم فی هذا المجال مطالعة السؤال 1560 (الموقع: 1980) و 6175 (الموقع: 6571) أیضاً.
[2] مطالعة السؤال 1560 (الموقع: 1980) تطلعکم علی معلومات أکثر فی هذا المجال.
[3] الشیخ الطوسی، تهذیب الاحکام، ج 3، ص 287، ح 14، دار الکتب الاسلامیه، تهران، 1365 هـ ش. فی الروایة "للنساء العواتق".
[4] المحدث النوری، مستدرک الوسائل، ج 6، ص 145، ح 6656، مؤسسه آل البیت، قم، 1408 هـ ق؛ المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 87، ص 374، موسسه الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق و ... .
[5] الشیخ الطوسی، الامالی، ص 660 – 659، ح 1364، النشر دار الثقافة، قم، 1414 هـ ق.
[6] حر عاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 87، باب 36(فی هذا الباب روایات متعددة)،و لمزید الاضطلاع انظر سؤال رقم3825(الرقم فی الموقع4066) بحث النظر الی المرأة التی یرید الزواج منها.
[7] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 35، ح 24963.
[8] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 100، ص 237، ح 38.
[9] نفسه، ج 20، ص 50، ح 25007.
[10] نفسه، ج 20، ص 53 – 52، ح 25014.
[11] الروم، 21، "و جعل بینکم مودة و رحمة".