لابد من الاشاره -قبل اي شیء- الی إن سبب اعتناق المنافقين الإسلام آنذاک کانت المصالح الدنيوية والمادية، حیث انهم کانوا یرضون اذا أعطوا شيئًا من الصدقات او بیت المال، وإذا لم یعطوا شیئا کانوا یفتحون أفواههم بالشكوى والتذمر والسخرية، وربما کانوا یظهرون غضبهم ببعض اعمالهم. فلو كان إيمانهم بنبي الإسلام(ص) عن صدق، لکانوا مستسلمین وخاضعین لله تعالی ولرسوله، ولقبلوا أن الصدقات واموال بیت المال للمعاقين في المجتمع کالفقراء والمساکین وکذلک للمصالح العامة ونحو ذلك، والله تعالى هو العالم بحاجات الناس الحقيقية.[1]
جاء في القرآن الكريم في الآية 58 من سورة التوبة:
«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ».
وجاء فی ذیل هذه الآیة فی بعض التفاسیر انه بینما کان النبي(ص) یوزع اموالا -من الغنائم أو الصدقات- اذ جاءه شخص من قبيلة "بني تميم" يُدعى "ذو الخویصرة" -وهو في الحقيقة مؤسس الخوارج- فقال: اعدل يا رسول الله! قال النبي: ويلک ومن يعدل إذا لم اعدل؟! قال عمر، ائذن لی فیه فأضرب عنقه! قال النبي(ص) دعه! فإنّ له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرمية. في هذا الوقت نزلت الآية السابقة وحذرت عن مثل هؤلاء الناس.
يقول الکلبي: نزلت هذه الآية فی «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» وهم المنافقون ومنهم رجل اسمه أبو الخویصرة الذي قال للنبي(ص) لم تقسم بالسویة فنزلت هذه الآية في ذمه وادانته.[2]
ویقول ابن زيد: قال المنافقون إن محمدا لا يعطي هذه الغنائم إلا لمن يحبه وانه يتصرف بإرادته ولا یؤثر بها الا هواه، فعندها نزلت هذه الآية.[3]
وجاء فی تفسیر القمي: لما وصلت اموال الزكاة إلى المدينة جاء الأثرياء وکانوا یعتقدون أن رسول الله(ص) سيفرقها بينهم. ولکن عندما وزعها علی الفقراء بدأوا في الانتقاد.[4]
يجب القول؛ ان بعض المنافقين الأثرياء کانوا دائما یحبون أن يحصلوا على جزء من الزكاة والغنيمة؛ واذا لم يكن لهم شيء منها یستنکرون عمل النبی(ص) ویقولون: ما هذا التقسیم؟ بالطبع، كان انتقادهم فقط بسبب انهم لم یعطوا شیئا.
روی عن الإمام الصادق(ع) ان أكثر من ثلثي الناس مصداقا لهذه الآية.[5] أي أن معظم الناس على هذا النحو، إذا حصلوا على فائدة مادية من الإسلام، تراهم راضین عن هذا الدين، ولكن إذا لم تصلهم منفعة، یسخطهم ذلک ویرتفع صوتهم بالانتقاد.
علی ایة حال، فإن المنافقين الذين اعتنقوا الإسلام للحصول علی منافع مادية کانوا لم یطیقوا العدالة لذلک اتخذوا موقفًا ضد النبي(ص) في الأمور المالية.
ونظراً لشأن نزول الآية المذكورة، فإن المنافقين هم الذين کانوا ینتقدون رسول الله(ص) في تقسیم الصدقات. ویتضح من الآية التالية (وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) أنهم كانوا ينتقدون النبي(ص) ویلمزونه فی قضیة الصدقات وذلک بعدما لم یعطهم النبی(ص) شیئا منها بسبب عدم استحقاقهم او لسبب آخر.[6]
[1]. المدرسی، سید محمدتقی، تفسیر هدایت، ج 4، ص 173، مشهد، مؤسسه القدس الرضوی، الطبعة الاولی، 1377ش.
[2]. الواحدی النیشابوری، اسباب النزول، ترجمة، ذکاوتی قراگزلو، علیرضا، ص 131، تهران، نشر نی، الطبعة الاولی، 1383ش.
[3]. الطبرسی، الفضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص 63، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش.
[4]. القمى، على بن ابراهيم، تفسير القمي، تحقيق، الموسوى الجزايرى، سید طیب، ج 1، ص 293، قم، دار الكتاب، الطبعة الرابعة، 1367ش.
[5]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، محقق، مصحح، الغفاری، علی اکبر، الآخوندی، محمد، ج 2، ص 412، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[6]. الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 9، ص 310، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق.