بحث متقدم
الزيارة
5849
محدثة عن: 2011/05/03
خلاصة السؤال
هل یعتقد الشیعة بأن النبی آدم (ع) قد خلق على ید أمیر المؤمنین (ع)؟
السؤال
هناک روایة عن أمیر المؤمنین (ع) یقول إنه قد خلق النبی آدم (ع) بیدیه و کل الناس یعتقدون بذلک. و لکنی قد سمعت قریبا بأن هذا الحدیث غیر معتبر. إذن لماذا یحمل الناس هذه العقیدة؟ أرجو أن تذکروا من نقل هذه الروایة؟ هل الراوی إنسان موثوق به أم لا؟
الجواب الإجمالي

الأمر المسلم و الثابت هو أنه جاء فی القرآن بشکل صریح و واضح أن الله قد خلق آدم بیدیه.[i] فهذه الآیة القرآنیة و محتواها مما اتفق علیه جمیع علماء الشیعة و مفسریهم و لیس فیها أی شک و ریب.

و من جانب آخر، بعد البحث فی الروایات لم نعثر على روایة تنص على المضمون الذی ذکرته فی سؤالک.

ثم لو اعتقد شخص بأن أمیر المؤمنین (ع) قام بخلق آدم (ع) بشکل مستقل فهذه العقیدة تعارض القرآن الکریم و هی شرک بالله سبحانه. و أما أن یکون أمیر المؤمنین (ع) قد خلق آدم (ع) بجسمه المادی فهذا ما ینافی الواقع، إذ تکوّن هذا الجسم المادی بعد وجود آدم (ع) و یعتبر الإمام علی (ع) أحد أولاد آدم (ع).

نعم، بما أن الله قد یخلق الأشیاء بأسبابها و وسائطها و هناک روایات تدل على وجود نور المعصومین (ع) قبل خلقة آدم (ع) فالاعتقاد بأن خلق أدم (ع) تم بواسطة نور أهل البیت (ع) لیس شرکا و لا ینافی أمهات الأصول الإسلامیة، مع أن هذا الاعتقاد لیس من ضروریات مدرسة أهل البیت فلابد من التأمل فیه و یجب أن یدرس بشکل أکثر دقة و امعاناً.



[i] ص، 75؛ " قالَ یا إِبْلیسُ ما مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِیَدَیَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالین‏".

الجواب التفصيلي

الأمر المسلم و الثابت هو أنه جاء فی القرآن بشکل صریح و واضح أن الله قد خلق آدم بیدیه.[1] فهذه الآیة القرآنیة و محتواها مما اتفق علیه جمیع علماء الشیعة و مفسریهم و لیس فیها أی شک و ریب.

و من جانب آخر، بعد البحث فی الروایات لم نعثر على روایة تنص على المضمون الذی ذکرته فی سؤالک، فإن وجدنا فی المستقبل روایة من هذا القبیل نستطیع أن ندرس سندها و إذا کان لدیک النص العربی للروایة التی تقصدها فابعثها لنتمکن من إعطاء جواب أدق عنها.

مع هذا و بنظرة عامة و بعد دراسة باقی الآیات و الروایات یمکن أن نقول: بناء على المقدمات التالیة یمکن أن یکون خلق جسم آدم (ع) الترابی بواسطة نور الأئمة (ع)، طبعا حسب رؤیة أخرى تختلف عن ما ذهب إلیه عامة الناس، و لا تتعارض هذه الرؤیة مع الآیة التی ذکرناه أعلاه:

1ـ بناء على معتقد الشیعة و کثیر من أهل السنة، لیس لله جسم حتى نستطیع أن نثبت له أجزاء و نتصوره کما نتصور باقی الأشیاء. إذن تؤول جمیع الآیات التی تحکی عن أجزاء لله بحسب الظاهر کالوجه[2] و الید[3] و الرجل[4] و العین[5] و الأذن[6] و غیرها إلى معان باطنیة کالعلم و القدرة و الوجود و غیرها. إذن خلق آدم بیدی الله سبحانه لیس بمعنى أن الله له یدان مرئیتان و قد خلقه بهما، بل المقصود هو أن الله قد خلق آدم (ع) بقدرته.

2ـ کثیرا ما ینسب الله لنفسه بعض الأعمال التی أنجزت بید الناس بحسب الظاهر، فعلى سبیل المثال یقول: "وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ"[7] مع أنا نعلم أن هذه السفن قد صنعت بید الإنسان نفسه بحسب الظاهر!

طبعا بما أن قدرة الإنسان جزء من قدرة الله، فلا یصعب فهم هذا الإسناد و النسبة. و بعبارة أخرى: إن الإنسان و کل ما یصنعه فهو من صنع الله.[8]

3ـ لقد ورد فی بعض الروایات أنه خلق نور أهل البیت (ع) قبل خلق آدم. یقول النبی (ص): "کُنْتُ نَبِیّاً وَ آدَمُ بَیْنَ الْمَاءِ وَ الطِّین‏"[9] و هناک روایات مشابهة تدل على قدم إمامة أمیر المؤمنین (ع) على خلق آدم (ع).[10] و هناک روایات کثیرة جدا تشیر إلى هذا الموضوع بمختلف العبارات.

4ـ لا شک فی أن أمیر المؤمنین أحد آیات قدرة الله سبحانه و من هنا کان أحد ألقابه "ید الله" و قد قال (ع) فی روایة: "أَنَا عَیْنُ اللَّهِ وَ أَنَا یَدُ اللَّهِ وَ أَنَا جَنْبُ اللَّهِ وَ أَنَا بَابُ اللَّهِ "[11]

فبناء على المقدمات السابقة، إذا کان هناک اعتقاد بأن النبی آدم (ع) قد خلق على ید أمیر المؤمنین (ع) فهذا یعنی أن الله قد خلق جسمه الترابی بأحد تجلیات قدرته أی بنور أمیر المؤمنین (ع) الذی قد خلقه من قبل، لا أن أمیر المؤمنین (ع) بجسمه قد قام بهذا الخلق بشکل مستقل.

طبعا لیست هذه العقیدة من العقائد الشائعة فی المجتمع و لکن إن اعتقد بها أحد فهی لا تتعارض مع أمهات أصول الإسلام و علیه فمن اعتقد بهذه العقیدة لیس کافرا أو مشرکا.

مع ذلک، الاعتقاد بخلق آدم (ع) على ید أمیر المؤمنین (ع) لیس من المواضیع التی لا یمکن إنکارها فی مدرسة أهل البیت و یمکن أن یدرس الموضوع بشکل أدق و أوسع.

و فی الخاتمة نکون ممنونین إذا أرسلت إلینا النص العربی للروایة التی أشرت إلیها فی سؤالک.



[1] ص، 75.

[2] القصص، 88؛ " کُلُّ شَیْ‏ءٍ هالِکٌ إِلاَّ وَجْهَه‏".

[3] المائدة، 64؛" بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتان‏"؛ الفتح، 10؛ " یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدیهِم‏".

[4] القلم، 42؛ " یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ ساق‏".

[5] طه، 39؛ "وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَیْنی‏".

[6] آل عمران، 181؛ " لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذین‏"؛ مجادله، 1.

[7]. إبراهیم، 32

[8] الصافات، 96؛ " وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُون‏".

[9] الأحسائی، ابن أبی جمهور، عوالی اللئالی، ج 4، ص 121، ح 200، انتشارات سید الشهداء، قم، 1405 هـ ق.

[10] المصدر نفسه، ص 124، ح 208 "کنت وصیا و آدم بین الماء و الطین‏".

[11] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 145، ح 8، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...