بحث متقدم
الزيارة
8147
محدثة عن: 2009/04/09
خلاصة السؤال
فی أی الموارد یکون الکذب جائزاً؟
السؤال
یعد الکذب من الذنوب الکبیرة، ففی أی الموارد یکون الکذب جائزاً؟ و هل یجوز الکذب من أجل حفظ النفس؟
الجواب الإجمالي

یحظی الصدق و محاربة الکذب باهتمام خاص فی التعالیم الاسلامیة بحیث وصف الکذب فی موارد کثیرة بانه شرّ من شرب الخمرة و لکن مع ذلک فانه اذا تسبب عدم ارتکاب الکذب فی الوقوع فی ضرر أشد من قبح الکذب مثل قتل انسان بریء او هجوم العدو علی کیان الاسلام او الاختلاف و العداء بین المؤمنین و ... فان الکذب یجوز حینئذٍ. و بالطبع فان الانسان اذا تمکّن من تجنّب الکذب عن طریق التوریة وجب علیه التوریة.

الجواب التفصيلي

یحظی الصدق و محاربة الکذب باهتمام خاص فی التعالیم الاسلامیة، یقول الامام الصادق (ع): "لا تغترّوا بصلاتهم و لا بصیامهم فان الرجل ربما لهج بالصلاة و الصوم حتی لو ترکه استوحش، و لکن اختبروهم عند صدق الحدیث و أداء الامانة"[1] أی أن صدق الحدیث و الامانة هی ملاک الحسن و الایمان للاشخاص.

و جاء فی حدیث عن الامام الباقر (ع): "ان الله عز و جل جعل للشر أقفالاً و جعل مفاتیح تلک الاقفال الشراب و الکذب شر من الشراب" [2].

و العلاقة بین الکذب و الذنوب الاخری هی ان الانسان المرتکب للذنوب لا یمکنه ان یکون صادقاً لان صدقه یتسبب فی فضیحته، فعلیه ان یلجأ الی الکذب من أجل التستر علی آثار الذنوب، و بعبارة اخری: ان الکذب یطلق الانسان و یترکه حراً أمام الذنوب، بینما الصدق یحدّده و یقیّده.[3]

و من الاضرار الکبیرة للکذب انه یتسبب فی فقدان الثقة و نحن نعلم ان أثمن شیء فی المجتمع هو الثقة المتبادلة و الاطمئنان العام، و أهم شیء یؤدی الی انعدام ذلک و زواله هو الکذب و الخیانة و الغش، و هذا الامر هو احد الاسباب الرئیسیة للاهتمام الکبیر بالصدق و ترک الکذب فی التعالیم الاسلامیة. و لکن و مع کل هذا فقد اجیز الکذب فیما اذا فرض الاضطرار (الحاجة الشدیدة) الیه فی موارد و ظروف خاصة. و لکن هذا الجواز هو بمقدار الاضطرار و مادام الاضطرار موجوداً، لا اکثر من ذلک. و المقصود من الاضطرار هنا هو الاحتیاج الشدید الی ارتکاب الکذب من اجل المنع من اضرار کبیرة مثل وقوع حیاة انسان او سلامته فی خطر او الحیلولة دون هجوم العدو علی بلاد الاسلام او المنع من وقوع الاختلاف بین الاخوة المسلمین، و بشکل عام: فی جمیع الموارد التی تکون أهمیتها اکبر من قبح الکذب.

و ینبغی هنا ذکر ملاحظة و هی انه علی الرغم من جواز الکذب شرعاً فی موارد الاضطرار و من أجل دفع الاضرار الکبیرة و غیر القابلة للتحمل، و لکن اذا کان هناک طریق یمکن دفع الضرر من خلاله من دون ارتکاب الکذب وجب اختیار ذلک الطریق. و من ذلک طریق "التوریة" و التوریة تعنی ان یکون الکلام یفهم منه معنیان احدهما هو المعنی الظاهر و الواضح الذی ینتقل الیه ذهن السامع بسرعة و الآخر معنی خفی و مستور و هو الذی یقصده المتکلم و لا ینتقل الیه ذهن السامع. فاذا اضطر الانسان من أجل دفع الضرر عن نفسه او عن مسلم آخر الی أن یرتکب اما الکذب او التوریة وجب علیه اللجوء الی التوریة.

و فی موارد الاضطرار الی ارتکاب الکذب، لا یختلف الحال بین ان یکون الضرر متوجهاً الی الانسان نفسه او الی باقی المؤمنین.

یقول الامام الرضا (ع): ان الرجل لیصدق علی أخیه فیناله عَنت من صدقه فیکون کذّاباً عند الله و ان الرجل لیکذب علی أخیه یرید به نفعه فیکون عند الله صادقاً ".[4]

و قال الامام الصادق (ع): " کل کذب مسؤول عنه صاحبه یوماً الا کذباً فی ثلاثة: رجل کائد فی حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بین اثنین یلقی هذا بغیر ما یلقی به هذا یرید بذلک الاصلاح ما بینهما، او رجل وعد أهله شیئاً و هو لا یرید أن یتم لهم ".[5]

و قد أوصی النبی الاکرم (ص) أمیر المؤمنین علیاً بقوله: "ان الله احب الکذب فی الصلاح و أبغض الصدق فی الفساد".[6]

و بالطبع فان من الضروری مراعاة مقدار و مستوی الکذب اللازم للاصلاح، فلا ینبغی تجاوز الحد؛ لان التجاوز عن الحد اللازم قد یؤدی بالانسان الی اعتیاد الکذب، و الامام الصادق (ع) یقول: "المصلح لیس بکذاب" [7] و یفهم من الروایة المتقدمة ان اصلاح المجتمع و ایجاد الصلح و الوئام بین شخصین مسلمین لا یبرّر للانسان الکذب بلا حدود و من دون داعٍ – بل یجب مراعاة المستوی اللازم.[8]



[1] سفینة البحار، مادة (صدق)، الکافی، ج 2، ص 104، دار الکتب الإسلامیة، الطهران، 1365 هجرى شمسى.

[2] اصول الکافی، ج 2، ص 339.

[3] تفسیر الأمثل، ج 11، ص 413.

[4] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 12، ص 255 ح 16238.

[5] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 342، ح 18.

[6] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 12، ص 252، ح 16229.

[7] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 210، ح 7.

[8] لاحظ، الطهرانی، مجتبی، موقع بلاغ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

  • ما هو المقصود مِن الصّدّیقین فی سوره النّساء؟
    4587 التفسیر 2015/06/10
    قال تعالى فی کتابه العزیز: "وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِکَ مَعَ الَّذینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقینَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحینَ وَ حَسُنَ أُولئِکَ رَفیقاً".[1] وقد تعرّض المفسرون لبیان المراد من الآیة المبارکة منهم السید الطباطبائی فی تفسیره حیث قال: ...
  • کیف یستطیع الإسلام أن یحل جمیع المشاکل؟
    6323 الفقه 2010/10/21
    لقد صدرت أحکام الإسلام و أوامره من قبل الله العلیم الحکیم و تستطیع أن تحلّ مشاکل البشریة جمعاء، لکن بشرط أن یعمل الناس جمیعهم بکل هذه الأحکام. الیوم، ورإن أصبح زواج الشباب یواجه مشاکل عدیدة، إلا أن حلّ هذه المشاکل أمر ممکن قطعاً، و ذلک بشرط ...
  • لماذا یُعطی الولد الحاصل من الزواج الموقت الی الأب؟
    6153 الحقوق والاحکام 2009/07/09
    الزواج الموقت زواج میسّر لمن لا یستطیع الزواج الدائم و قد شرع من قبل الله تعالی من أجل حِکم عدیدة منها منع الانحرافات الجنسیّة و آثارها السیئة، و لهذا السبب فإن الشارع المقدّس لم یجعل فی هذا الزواج بعض الأحکام الخاصة بالزواج الدائم. و قد حددّ الإسلام من البدایة مصیر ...
  • ما هو حکم النظر الی صور النساء المتبرجات من غیر المسلمات؟
    5821 الحقوق والاحکام 2008/10/13
    لیس حکم النظر الی صورة المرأة الأجنبیة هو نفس حکم النظر الی نفس المرأة الاجنبیة و بناء علی هذا، فاذا لم یکن النظر لأجل اللذة و لم یکن خوف الوقوع فی الذنب و لم تکن الصورة لإمراة مسلمة یعرفها الناظر فلا اشکال فیه.و من الضروری أن نعرف بانه و ...
  • ما هو حکم الاستمناء؟
    6240 الحقوق والاحکام 2008/09/14
    هذه المسألة ینظر لها من اکثر من زاویة، ان هذا الفعل فی نفسه محرم شرعاً و لاینغبی للانسان المسلم القیام به لما فیه من الاضرار الروحیة و النفسیة. هذا اولاً. و ثانیاً: ان مجرد تنظیف القضیب لایکفی لاداء الصلاة او الصیام، بل ینبغی على الانسان اذا مارس العادة السریة لیل ...
  • فی حالة کونی مریضاً، و أتقاضى مصروفی الیومی من والدی، و لا أملک مالاً آخر لأدفع الکفارة التی بذمتی، فهل تبقى الکفارة واجبة فی ذمتی؟ و کم هو مقدار الکفارة لهذه السنة؟
    4982 الحقوق والاحکام 2011/08/20
    على أساس فتوى الفقهاء فإن الذی یترک الصوم الواجب فی شهر رمضان عامداً و من دون عذر فإنه مخیر بین ثلاثة أنواع من الکفارة:الأول: علیه أن یعتق رقبة، و حیث لا وجود لرقیق فی هذه الأیام فإن، هذا النوع من الکفارة لیس له مصداق متحقق فی الخارج.الثانی: أن ...
  • هل ان ابقاء العلکة تحت اللسان فی اثناء الصلاة فیه اشکال؟
    4817 الحقوق والاحکام 2009/11/11
    یقول الإمام الخمینی(قد) و باقی المراجع العظام:ابتلاع اجزاء الطعام المتبقّیة فیما بین الأسنان لایوجب بطلان الصلاة، و لکن إذا بقی القند أو السکّر و ما شابه ذلک فی الفم و ذاب بالتدریج اثناء الصلاة فابتلعه فإن فی صلاته اشکالاً.[1]
  • لماذا تخصصون المراد بکلمة (القربى) فی الآیة 23 الشورى هم أهل البیت (ع)؟
    7154 الکلام القدیم 2007/07/03
    فی کل جملة و مقطع کلامی إذا کان مراد المتکلم غیر معروف من خلال الکلمات و الألفاظ التی یستعملها فی کلامه فیصار إلى القرائن لتحدید مقصود الکلام. وفیما یتعلق بالآیة (23) من سورة الشورى «قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَى» فإن القرائن و الدلائل ...
  • هل تجوز الإباحة بالرؤى و الأحلام التي تتعلّق بالأموات و غيرهم؟
    5105 النظری 2012/03/12
    هناك تأكيدات و إيعازات تدل بشكل عام على عدم التكلّم بالرؤى و الأحلام إلا للأفراد المؤمنين الصّالحين، و ذلك لتقسيم الأحلام و الرؤى إلى عدة أقسام، كما و إنها تحتاج إلى تعبير صحيح و لا يمكن الحكم عليها ببساطة. و من الثابت في الشريعة الاسلامية ...
  • أین دفنت السیدة زینب (س)؟
    6468 تاريخ بزرگان 2010/12/21
    هناک ثلاثة احتمالات فی محل قبر السیدة زینب (س): المدینة و الشام و القاهرة. و یوجد لکل واحد من هذه الاحتمالات من یتبناها و له أدلة على نظریته. حتى و إن لم یمکن البت فی تشخیص محل قبر السیدة زینب علیها السلام، یمکن القول بأن الأماکن ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279533 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257493 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128268 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113441 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89073 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59964 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59653 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56933 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49931 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47247 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...