تحضیر الأرواح و الاتصال بها أمرٌ ممکن أی أنه لیس محالاً بنظر العقل، و من الممکن أن یوجد شخص له القدرة على الاتصال بروح شخصٍ ما. و لکن الظاهر أن هذا الأمر لا یتم إلا لأولیاء الله و فی بعض الأحیان یکون ممکناً بالنسبة للذین یمارسون الریاضات العنیفة التی یجهدون بها أنفسهم. و حیث إن المنافقین بشکلٍ عام هم أناس متکبرون و أنانیون و أسرى الأهواء و النزوات النفسیة، أو أنهم غیر قادرین على ممارسة الریاضات النفسیة الشاقة و غیر الشرعیة فلیس بإمکانهم أن ینجزوا مثل هذا الأمر.
و على فرض امتلاکهم للقوى الشیطانیة، فذلک لا یعنی أنهم قادرون و بشکلٍ مطلق على التأثیر على الآخرین من دون قید أو شرط، و لم تتمکن أی قوة من الوقوف بوجههم، أو عدم وجود طریقة للدفاع.
إن تحضیر الأرواح و الاتصال بها أمرٌ ممکن، أی أنه لیس محالاً فی نظر العقل، و من الممکن وجود شخص قادر على الاتصال بروح شخصٍ ما.[1] و لکن کیف یتم مثل هذا الأمر، و هل یمکن أن یتم تحضیر الأرواح مع حضور بعض الناس، هذا ما لا علم لنا به.
و بالنسبة إلى کیفیة القیام بمثل هذا العمل، فالظاهر أنه غیر ممکن إلا لأولیاء الله، و لیس من الممکن القیام بهذا العمل عن طریق العلوم التجریبیة و لأجل إیضاح المسألة بشکل أکثر یمکن الإشارة إلى بعض النقاط:
1ـ إن الإنسان یتکون من بعدین الجسم و الروح، أما الجسم فإنه یفنی و یتحول إلى تراب بعد الموت، و أما الروح فإنها تعرج إلى عالم الملکوت لتخلد هناک و تبقى فی عالم البرزخ حتى یوم القیامة، و حیث إن الروح لیست بموجود مادی فلا تحدها الحدود التی تعد من حیثیات المادة، کما هو الحال بالنسبة لشعاع الشمس الذی یخترق الزجاج أو الغیوم لینفذ داخل المنازل دون أن یشکل الزجاج أو الغیوم حاجزاً تحول بینه و بین حرکته التی تبعث الحیاة فی کل مکان.
2ـ و طبقاً للآیات و الروایات[2] الکثیرة فقد تم إثبات حقیقة مؤداها إمکانیة الاتصال بالأرواح، و الحدیث معها و أنها تسمع الخطابات الموجهة لها کالتلقین مثلا ...، و قد اشارت الروایات الی ان الرسول الله قد تحدث مع قتلى قریش الذین ألقوا فی القلیب، حیث خاطبهم قائلاً: «لقد کنتم جیران سوء لرسول الله» و حین اعترض عمر بن الخطاب على ما کان یفعل رسول الله نهره الرسول قائلاً: «مه! یا ابن الخطاب فوالله ما أنت بأسمع منهم».[3]
و کذلک خاطب أمیر المؤمنین (ع) الأموات حین رجوعه من حرب صفین.[4] إذن فأصل الاتصال بالروح أمر غیر قابل للإنکار، و المؤید لذلک أن کل واحد منا قد حصل له الاتصال بالأرواح لمرات عدیدة فی عالم النوم و قد نکلمهم و احتمال أن یزودونا بالأخبار عن حوادث تقع فی المستقبل، و هذه جمیعها شواهد على إمکانیة الاتصال بالأرواح و إحضارها.
و من الممکن أن تکون تجربة المفسر الکبیر السید محمد حسین الطباطبائی و أخیه العلامة السید محمد حسن إلهی الطباطبائی من أفضل المؤیدات لهذا الأمر، حیث أحضر روح أمه و أبیه و استمع منهم إلى تقریر مفصل عن ذلک العالم.[5]
3ـ کما توجد مسألة غیر قابلة للإنکار أنه ـ و فی بعض المواطن ـ یقوم الجن أو الشیاطین بوضع أنفسهم مکان شخص معین، فیخدعونا بذلک (کما ینقل ذلک فی بعض مجالس تحضیر الأرواح)، و علیه فلا یمکن أن یکون کل اتصال بالأرواح أمراً واقعیاً و صحیحاً و إن بعض المواطن هی محض ادعاء و کذب. کما یوجد احتمال قائم و هو وجود أشخاص من أهل الحیلة و المکر، إما أن یکونوا قادرین على تسخیر الجن، أو حتى بالاستفادة من قوة التخیل فیقومون ببعض الأعمال التی توهم بأنهم یحضرون الأرواح، و لابد للإنسان الذکی الفطن أن یحذر مثل هؤلاء و یتجنب خداعهم.
4ـ مع أن تحضیر الأرواح أمر له حقیقة، و لکن لابد من الاعتقاد بأن مثل هذا الأمر لا یتم إلا بواسطة أناسٍ لهم مجاهدات و ریاضات فی طریق تهذیب النفس و السیطرة علیها حتى یتسنى لهم الوصول إلى هذه المرتبة، و أما إذا کان الوصول إلى هذه المرتبة یأتی عن طریق تحمل الترویض و المکابدة غیر الشرعیة فإن هذا الطریق لا اعتبار له و لا یمکن الاعتماد على أصحابه فی هذا المجال.[6]
و على أی حال فبالنسبة إلى حصول المنافقین على مثل هذه الإمکانیة فمن الممکن القول: أنه بلحاظ توجهاتهم الفکریة و الأخلاقیة التی غالباً ما تکون على أساس التکبر و الأنانیة «خصوصاً أولئک الذین أصبحوا عملاء و أبواقاً للسیاسة الأمریکیة» فإنه من غیر الممکن أن یتوصلوا إلى مثل هذه القوة، إلا أن یحصل لهم تغییر جوهری فی وجودهم، و فی مثل هذا الفرض فلا یمکن عدهم من المنافقین و الکاذبین المناوئین للشعب و للجمهوریة الإسلامیة، و أما إذا ما تمکنوا من الحصول على قدرة شیطانیة مخادعة فهذه مما یمکن إبطال مفعولها.
کما أن بعض الأشخاص حاولوا أن یلحقوا الضرر بالنبی (ص) بواسطة العین و الحسد، فوردت الأذکار و الأدعیة فیما یخص دفع هذه القوى.
للاطلاع أکثر یمکن الرجوع إلى المقالات:
1ـ الاتصال بموجودات العوالم الأخرى السؤال 1327 (الموقع: 1746).
2ـ اتصال الإنسان بالجن، السؤال 606 (الموقع: 663).
[1] مکارم الشیرازی، ناصر، إعادة الأرواح "احضارالارواح"، ص63 و 130.
[2] مثلاً، کما خاطب صالح أرواح قومه، سورة الأعراف، الآیة 77-79، أو کما تحدث شعیب مع أرواح الموتى، سورة الأعراف، الآیة 85-93، و کذلک خطاب النبی (ص) لأرواح الأنبیاء، سورة الزخرف الآیة 45.
کما تکلم فی البقیع مع الأموات، انظر: طبقات ابن سعد، ج2 ، ص 204؛ سیرة ابن هشام، ج 1، ص 453.
و قال أمیر المؤمنین(ع) حین رجوعه من صفین، عندما أشرف على القبور بظهر الکوفة: «یا أهل الدیار الموحشة، و المحال المقفرة، و القبور المظلمة. یا أهل التربة، یا أهل الغربة. یا أهل الوحدة یا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، و نحن لکم تبع لاحق. أما الدور فقد سکنت، و أما الأزواج فقد نکحت، و أما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندکم. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم فی الکلام لأخبروکم أن خیر الزاد التقوى». نهج البلاغة الخطبة 130، انظر: السبحانی، جعفر، أصالة الروح.
[3] بحار الأنوار، ج 6، ص 254، طبعة الآخوندی.
[4] حسینی الطهرانی، معرفة المعاد، ج 2، ص 242.
[5] حسینی الطهرانی، محمد حسین، مهرتابان، «فی حیاة العلامة الطباطبائی».
[6] انظر الموضوع: الارتباط بموجودات العوالم الأخرى السؤال 1327 (الموقع: 1746).