یطلق "الظن" على الاحتمال القوی کما أن "الوهم" یطلق على الاحتمال الضعیف و "الشک" على تساوی الطرفین. و مما لا شک فیه أن حسن الظن یعد إحدى صفات المؤمنین الحمیدة، و لکن السؤال المطروح هنا: هل یمتدح حسن الظن دائماً أم هناک موارد لا یصح حسن الظن فیها؟ لاریب هناک حالات لا یصح فیها حسن الظن، من قبیل: 1) الحالات التی یوجد علم و یقین؛ 2) غلبة الفساد على المجتمع؛ 3) فی بعض الموارد الخاصة کالحرب و الامور التی تتعلق بالشـأن العام، و من الواضح أن القضایا التی تتعلق بفترة رحیلة النبی الأکرم (ص) و ما تلاها من الحوادث و قضیة خلافة أمیر المؤمنین (ع) قضایا محوریة و مهمة فی مصیر المسلمین الدنیوی و الاخروی على السواء، فمن غیر المحبذ للانسان فی مثل هکذا أمور خطیرة جداً أن یعمل الظن فضلا عن أن یحسن الظن!!
یطلق "الظن" على الاحتمال القوی کما أن "الوهم" یطلق على الاحتمال الضعیف و "الشک" على تساوی الطرفین[1]. و مما لاشک فیه أن حسن الظن – کما جاء فی متن السؤال- یعد إحدى صفات المؤمنین الحمیدة، و قد ورد الحث علیه و النهی عن سوء الظن فی القرآن الکریم و فی الاحادیث الواردة عن المعصومین علیهم السلام، قال تعالى فی کتابه الکریم: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم"[2] و فی آیة أخرى: "و یُعَذِّبَ الْمُنافِقینَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِکینَ وَ الْمُشْرِکاتِ الظَّانِّینَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْء".[3] کذلک وردت روایات کثیرة تحث على حسن الظن بالله تعالى و بالمؤمنین.[4]
لکن السؤال الأساسی المطروح هنا: هل یحسن الظن دائماً و فی جمیع الشروط و الحالات؟ و هل یعتبر العقلاء حسن الظن أمراً ممدوحاً مطلقاً؟
للاجابة عن السؤال لا بد من معرفة مجال و دائرة حسن الظن لنمیز بین الممدوح منه عن غیره.
حالات حسن الظن المذموم:
1. مع وجود العلم و الیقین
کما مر فان الظن یعنی الاحتمال القوی و لیس هو الوهم أو الشک، فاذا ما استعمل الظن بمعنى الاحتمال القوی الذی یکون فی مرتبة ما قبل العلم و الیقین، هنا یستطیع الانسان أن یحسن الظن أو یسیء الظن ما دام الحالة النفسیة عنده لم تصل الى حد الیقین و العلم، فاذا وصلت الى تلک المرحلة الوجدانیة حینئذ لامجال للظن مطلقاُ.
فاذا شاهد الانسان من أخیة المؤمن عملا ما أو سمع منه کلمة معینة فما دام لم یعلم بمرادة الاصلی منها فحینئذ ینبغی أن یحمل ما شاهده و ما سمعه على أحسن وجه، لکن لو تیقن بمراده فلا مجال للظن هنا حتى یحمله على الوجه الحسن.
بعبارة أخرى: مع تحقق العلم و الیقین ینتفی موضوع الظن. و قد ورد فی الروایات الاشارة الى هذا المعنى، فقد روی عن الامام أَبی عبد اللَّه الصادق (ع) أنه قال: قال أَمیرُ المؤمنین (ع) فی کلام له: "ضعْ أَمر أَخیک علَى أحسنهِ حتَّى یأتیک ما یغلبک منهُ و لا تظننَّ بِکلمة خرجت من أَخیک سُوءاً و أَنتَ تجد لها فی الخیر محملا" [5]
2. غلبة السوء و استیلاء الفساد
من الموارد التی یذم فیه حسن الظن هی فیما اذا عم الفساد و غلب السوء فی المجتمع. فاذا عاش الانسان فی مجتمع هذه صفته حیث یغلب علیه حب الأنا و اتباع الشهوات و التلهف نحو السلطة و الهیمنة على مقالید الأمور فهل یا ترى یحبذ العقلاء حسن الظن هنا، و هل یمکن للانسان أن یحسن الظن أساساً؟!.
روی عن الإمام أمیر المؤمنین (ع) أنه قال فی تحدید الموقف فی مثل هکذا مجتمع: "إِذَا استَولى الصَّلاحُ على الزَّمان و أَهله ثمَّ أساء رجلٌ الظَّنَّ برجل لمْ تظهرْ منهُ حوبةٌ فقد ظلَم و إِذا استولى الفسادُ على الزَّمان و أَهلهِ فأَحسنَ رجلٌ الظَّنَّ برجل فقدْ غرَّرَ".[6]
3. حالات و موارد خاصة
هناک حالات و موارد خاصة لا یحبذ فیها حسن الظن کما فی: حالة الحرب، المحاکم و القضاء، القضایا التی تتعلق بمصیر الناس و الکیان الاجتماعی و...
ففی الحرب لا یصح حسن الظن بحال من الاحوال حتى لو کان الخصم على ظاهر الاسلام، و کذلک لا یحق للقاضی أن یحسن الظن بالمتخاصمین أو باحدهما بل لا بد من إعتماد الأدلة و البراهین و الشواهد من دون إعمال أحکام مسبقة، و کذلک فی الحالات التی لا تتعلق بالامور الشخصیة للفرد و إنما تتعلق بمصیر المجتمع و مصیر الملایین من الناس فحینئذ لا یصح للمتصدی أن یبدی بلاهة و سذاجة فی الحرکة و الاعتماد على حسن الظن الذی لا مجال له هنا قطعاً؛ بل لا بد أن یصدر عن یقین و علم و إطمئنان قلبی.
و القضایا التی تتعلق بفترة رحیلة النبی الأکرم (ص) و ما تلاها من الحوادث و قضیة خلافة أمیر المؤمنین (ع) قضایا محوریة و مهمة فی مصیر المسلمین الدنیوی و الاخروی على السواء، فمن غیر المحبذ للانسان فی مثل هکذا أمور خطیرة جداً أن یعمل الظن فضلا عن أن یحسن الظن!!
نحن أیضاً نتمنى أن تکون الحوادث التی وقعت فی الصدر الأول ناشئة عن سوء فهم و أنها من قبیل الاجتهادات الخاطئة، و لکن القرائن و الشواهد الکثیرة لا تسعفنا هنا، بل إنها تظهر لنا عکس تمنیاتنا تماماً.
فهل القوم لم یطلعوا على القرآن الکریم و لم یقرأوا قوله تعالى: "و ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدیدُ الْعِقاب".[7] أو قوله عز من قائل: " النَّبِیُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنینَ مِنْ أَنْفُسِهِم".[8] و قوله تعالى: "و ما ینطق عن الهوى* إن هو الا وحی یوحى".[9]
فمع کل هذه التأکیدات القرآنیة و غیرها، أ لیس من الأمثل بالقوم أن یلبوا طلب النبی الأکرم (ص) – إحتراماً له- و یاتوا بالدواة و الکتف؟ و هل یمکن أن یصدق الانسان أن کل ما حدث إنما صدر عن سوء فهم و طیب سریرة؟
ثم لماذا لم یحسنوا هم الظن برسول الله (ص) و نسبوا الیه "الهجر"[10]؟! لماذا لم یقولوا: إن النبی (ص) سیکتب أمراً مهماً لصالح الأمة؟ هذه التساؤلات و عشرات غیرها تثار هنا.
فاذا کان النبی الاکرم (ص) کان قد عین علیاً علیه السلام ( وهو کذلک) خلیفة من بعده فلماذا لم یحسنوا الظن بهذا الانتخاب و بقیادة الامام أمیر المؤمنین (ع)؟
یقول أمیر المؤمنین فی معرض وصفه لتلک الاحداث: " أَما و اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلانٌ وَ إِنَّهُ لیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى....".[11]
فکیف یمکن ان نحسن الظن فی مثل هکذا مواقف؟ و قد اعترف بعض الکتاب من أهل السنة بأن علیاً علیه السلام امتنع عن بیعة ابی بکر مدة من الزمن. فمازال الجسد الطاهر للنبی الاکرم (ص) مسجى على الفراش لم یدفن بعد حتى تسارع القوم الى سقیفة بنی ساعدة وعقدت البیعة للاول و مازل علی مشغولا فی تجهیز النبی ودفنه!! و قد تخلف عدة من الصاحبة و کبار القوم عن البیعة منهم: العباس بن عبد المطلب، الفضل بن العباس، الزبیر بن العوام، خالد بن سعید، المقداد بن عمرو، سلمان الفارسی، ابو ذر الغفاری، عمار بن یاسر، البراء بن عازب و ابی بن کعب و التزموا جانب علی علیه السلام.[12] و نقل البلاذری مبایعة علی علیه السلام قائلاً: لما ارتدت العرب، مشى عثمان إلى علیّ. فقال: یا بن عم، إنه لا یخرج أحد إلیّ. فقال: هذا العدو، وأنت لم تبایع. فلم یزل به حتى مشى إلى أبی بکر>[13]
فهل هؤلاء لم یسمعوا أمر رسول الله (ص) بحسن الظن؟!
و هل مع هذا التاریخ الموجود یبقى مجال لحسن الظن؟
لمزید الاطلاع انظر:
سؤال رقم 6278 (الرقم فی الموقع: 7204) ( سند حدیث الدواة و القلم).
السؤال 3672 (الرقم فی الموقع: 4089) (المنع عن کتابة وصیة النبی ص).
[1] القرشی، سید علی اکبر، قاموس القرآن،ج 4، ص 273، دار الکتب الاسلامیة،طهران،1371 هجری شمسی.
[2] الحجرات،12.
[3] الفتح، 6؛ وانظر: فصلت،23.
[4] انظر: الکلینی، الکافی، ج2، ص362.
[5] الکافی، ج2، ص362.
[6] نهج البلاغة، صبحی الصالح، ج 1، ص 489، الکلمات القصار، رقم 114،انتشارات اسلامی، طهران، 1370هجری شمسی.
[7] الحشر،7.
[8] الاحزاب،6.
[9] النجم، 3-4.
[10] حیث قال احدهم مقولته المعروفة النبی یهجر.
[11] نهج البلاغة، خ3، المعروفة بالشقشقیة.
[12] السیوطی، تاریخ الخلفاء، ص 62، نشر دار الفکر، لبنان ؛ تاریخ الیعقوبی، ج 2، ص 124-125؛ الطبری، تاریخ الامم والملوک، ج 2، ص 443، طبعة استقامة ، القاهرة؛ مسند احمد، ج3،ص156 (الهامش)،نشر دار الصادر. نقلا عن السؤال 1530 (الرقم فی الموقع: 3692).
[13] البلاذری، انساب الاشراف، ج 1، ص 587.