اختلفت کلمة المفسرین فی هذه القضیة الى عدة اقوال و نظریات :
فذهب البعض الى انها بستان و جنة من جنان الارض.
و ذهب الفریق الآخر الى ان جنة آدم تقع فی السماء السابعة لا فی الارض، و استدل على ذلک بکلمة الهبوط التی وردت فی الآیة.
و ذهب فریق ثالث الى ان جنة آدم هی نفس الجنة الموعودة.
اما الرأی الرابع فیرى انها لیست جنة من جنان الارض و لا هی الجنة الموعودة بل هی الجنة البرزخیة التی تقع ما بین الدنیا والآخرة، و نحن نرى ان هذه النظریة تجمع بین الآیات و الروایات المختلفة فی هذا الباب و انها موافقة للخصائص و الاوصاف المطروحة فی المتون الدینیة.
جاء فی القرآن الکریم قوله تعالى :«و قلنا یا آدم اسکن انت وزوجک الجنة»[1]
و الجنة: الحدیقة، و هی بستان ذات شجر و نزهة، و جمعه جنات،[2] و « جنات عدن» التی وردت فی القرآن تعنی الحدائق او البساتین دائمة السکن، جنات إقامة و خلد،[3] وبما ان البستان یکون مغطى عادة بالاشجار من هنا اطلق علیه لفظ الجنة.
والجنة هی افضل مکان فی العالم طیب ماؤها وهواءها و دائمة النعمة ومزینة یدخلها الصالحون بعد الموت فیخلدون فیها.[4]
اما بالنسبة الى الجنة التی اخرج منها آدم(ع) بعد ان وسوس له الشیطان فقد اختلفت کلمة المفسرین على عدة اقول:
فذهب بعضهم الى انها جنة من جنان الارض و انها بستان من بساتین الدنیا، و قد دعموا رأیهم هذا بمجموعة من الادلة منها:
1. لو کانت جنة آدم هی الجنة الاخرویة فهذه الجنة لا مجال للشیطان لدخولها و الوسوسة فیها فلا یتعرض آدم لتلک الوساوس، و بما انه تعرض للوسوسة اذا هی لیست الجنة الاخرویة.
2. ان من یدخل جنة الخلد لایخرج منها بصریح قوله تعالى: «وما هم منها بمخرجین».[5]
3. ان ابلیس لما تمرد على الامر الالهی بالسجود لآدم (ع) وقع موقع اللعن و الغضب الالهی و من الواضح ان من یقع موقع اللعن و الغضب الالهی لا سبیل له لدخول جنة الخلد.
4. من المسلّم به ان الله تعالى خلق آدم فی الارض و لا یوجد عندنا دلیل على ان آدم (ع) قد انتقل من الارض الى السماء.[6] و بالنتیجة ان الجنة التی اخرج منها آدم لم تکن سماویة او جنة الخلد.
و فی بعض الروایات الواردة عن طریق أهل البیت (ع) تصریح بهذا المعنى کالروایة الواردة عن الامام الصادق (ع) حیث سئل عن جنة آدم (ع) فاجاب قائلا:
«جنة آدم من جنان الدنیا، تطلع فیها الشمس و القمر، و لو کانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا»[7].
و ذهب فریق آخر من المفسرین الى انها نفس الجنة الاخرویة داعمین کلامهم بالدلیل التالی: قال الفخر الرازی: ان هذه الجنة هی دار الثواب و الدلیل علیه أن الألف و اللام فی لفظ الجنة لا یفیدان العموم لأن سکنى جمیع الجنان محال، فلابد من صرفها إلى المعهود السابق و الجنة التی هی المعهودة المعلومة بین المسلمین هی دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إلیها.[8]
و یظهر من کلام الامام امیرالمؤمنین (ع) انه یؤید هذا الرأی حیث قال فی نهج البلاغة:
«فاغتره عدوه نفاسة علیه بدار المقام و مرافقة الابرار».[9] فدار المقام هی نفس « دار الخلد» وهی الدار التی یسکنها المؤمن دائما و هی جنة الخلد التی یسکنها الصالحون و المحسنون.
ثم یضیف أمیر المؤمنین (ع) قائلا: «و وعده المرد الى جنته»[10] ای ان الله تعالى وعد آدم (ع) انه سیعیده الى جنته مرة أخرى، و ظاهر کلامه (ع) ان الله سبحانه سیعید آدم (ع) الى نفس المکان الذی اخرج منه اوّلاً، و من المعلوم ان المکان الذی یرجع الیه آدم (ع) فی نهایة المطاف هی جنة الخلد.
اما اصحاب الرأی الثالث فقد ذهبوا الى: أن تلک الجنة کانت فی السماء السابعة و الدلیل علیه قوله تعالى: «اهْبِطُوا مِنْها» [11]، ثم إن الإهباط الأوّل کان من السماء السابعة إلى السماء الأولى، و الإهباط الثانی کان من السماء إلى الأرض.[12]
النظریة الاخرى حول هذا الموضوع و التی نرى انها النظریة المناسبة هی کون جنة آدم (ع) هی جنة برزخیة، فقد جمعت تلک النظریة بین الآیات و الروایات المختلفة، و کان الدلیل الذی استندوا الیه هو:
اوّلا: ان الالف و اللام فی لفظ «الجنة» هی للعهد لا للجنس و لا للاستغراق.
ثانیا:ان المراد من جنة آدم لا هی الجنة الاخرویة ولاهی جنة من جنان الدنیا، بل هی جنة بین الدنیا والآخرة؛ یعنی انها تحمل من جهة بعض صفات و احکام الجنة الاخرویة کالنشاط الدائم و خلوها من التعب و النصب و الآلام و الجوع و العطش و الحر و البرد، و من جهة اخرى تحمل بعض صفات جنان الدنیا من قبیل عدم المصونیة من الشیطان و وساوسه، و ذلک لان الشیطان و ان کان ممنوعاً علیه دخول جنة الخلد الاّ انه غیر ممنوع من دخول الجنان المثالیة و البرزخیة.[13]
و الجدیر بالذکر انه و طبقا لهذه النظریة یمکن توجیه الروایة الواردة عن الامام الصادق (ع) و کذلک یمکن توجیه الادلة التی ساقها اصحاب النظریة القائلة بان جنة آدم جنة ارضیة بالنحو التالی:
الف: ان لفظ الدنیا لایرادف کلمة الارض، و ان الموجود السماوی الذی لایکون فی الارض و ان هبط الى الارض فانه مصداق للموجود الدنیوی، من هنا یکون مصطلح الموجود الدنیوی شاملا للکائن السماوی ایضا، فما ورد فی الروایة من التعبیر بان «جنة آدم من جنان الدنیا» یراد به الدنیا التی هی فی مقابل القیامة الکبرى و التی تشمل البرزخ أیضا.
ب: ان طلوع الشمس و القمر الملازم لحدوث ظاهرة اللیل و النهار یمکن الوقوع فی غیر القیامة الکبرى؛ یعنی ان الموجود الذی هو لیس من نوع القیامة الکبرى و انه من النوع البرزخی یمکن ان تحدث فیه ظاهرة اللیل و النهار.
ج: صحیح ان خروج آدم (ع) من الجنة المعهودة یکشف عن کون تلک الجنة لیست هی جنة الخلد التی تقع فی القیامة الکبرى، و لکنه لایدل فی نفس الوقت على کون تلک الجنة من جنان الارض المادیة، کما ان الخروج من البرزخ امر معقول و غیر مناف للقرآن.
د: ان الموجود البرزخی یمکن تقسیمة الى البرزخ النزولی و البرزخ الصعودی. فاذا کانت جنة آدم هی الجنة البرزخیة فهذا لایعنی حصر البرزخ بکونه المرحلة التی تقع ما بعد الموت و قیام القیامة الکبرى.[14]
ه: ان الحیاة فی جنة و بستان من بساتین الدنیا لایعد مقاماً سامیاً حتى یتصور الهبوط و السقوط منه.
و: ان الاوصاف التی ذکرت للجنة من قبیل خلوها من المتاعب الداخلیة کالجوع و العطش و المتاعب الخارجیة کالحر والبرد لا ینسجم مع الجنة الدنیویة.[15]
و اما جواب النظریة القائلة بان جنة آدم (ع) هی نفس الجنة الاخرویة فیمکن رده بالنحو التالی:
اوّلا: ان جنة القیامة لیست من سنخ عالم المادة، بل هی من سنخ عالم المثال بل اسمى منه، و ان آدم (ع) مخلوق مادی خلق من تراب و انه من عالم المادة، فلا تناسب بین عالم المادة و عالم المثال حتى یتمکن آدم (ع) من العیش فی جنة الخلد ببدنه المادی، فان جنة القیامة فوق عالم المادة و ان الانسان ینتقل الیها بعد التکامل و الانتقال من عالم الطبیعة[16].
ثانیا: ان الجنة الاخرویة هی جنة الخلد و ان من یدخلها لا یخرج منها.
ثالثا: ان الجنة الاخرویة لیست محلا للمعصیة و التمرد و انها حسب التعبیر القرآنی لیس بدار لغو،قال تعالى: «لا لغو فیها و لا تأثیم»[17].
ان هذه النظریة لا تتنافى مع کلام الامام امیر المؤمنین (ع) و ذلک لان الوعد بالعودة الى مکانه«و وعده المرد الى جنته» قد یراد به الجنة البرزخیة التی یطویها الانسان فی سیره النزولی و یعبرها فی سیره الصعودی قبل جنة اللقاء الاخرویة.
[1] البقرة،35.
[2] لسانالعرب، ج 13، ص92 .
[3] مجمع البیان، ج5، ص 76.
[4] معین، محمد، فرهنگ معین"معجم معین"ج1،مصطلح الجنة.
[5] الحجر، 48.
[6] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.
[7] تفسیر نور الثقلین، ج1، ص62.
[8] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.
[9] نهج البلاغة،الخطبة الاولى.
[10] المصدر.
[11] البقرة، 38.
[12] تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص3.
[13] جوادی آملی، عبد الله، تفسیر تسنیم، ج3، ص331-332.
[14] جوادی آملی، عبد الله، تفسیر تسنیم، ج3، ص356-357. راجع نفس المصدر ص 332- 333، للاطلاع على کیفیة دخول آدم (ع) ببدنه الطبیعى الى الجنة البرزخیة.
[15] لمزید الاطلاع على هذا الموضوع انظر: تفسیر المیزان، ج1، تفسیر الآیة، و تفسیر القرآن الکریم، الملا صدرا، ج3، ص80-84، تسنیم ،ج3، ص339-357.
[16] طرحت فی بیان المعاد الجسمانی- و الذی یظهر من مجموعة من المتون الدینیة- مجموعة من النظریة و التوجیهات من قبل المفکرین المسلمین فذهب الملا صدرا الى ان جسم ذلک العالم یتناسب مع ذلک العالم. یمکن معرفة تفاصیل ذلک من خلال الرجوع الى المصادر الخاصة.
[17] الطور، 23.