یتمثل الوجه المشترک للحکومات الدینیة فی احیاء و تحقق القیم الدینیة التی هی بدورها أمور فطریة؛ فعندما وثق الشعبان التونسی و المصری بان الاسلام قادر على مواجهة الطواغیت و اقامة نظام بدیل یقوم على القیم و المعاییر الالهیة و یستطیع تلبیة المتطلبات الاقتصادیة والسیاسیة و... نهضوا بثورتین کبیریتن متأسین بالشعب الایرانی الذی حقق ذلک قبل ثلاثة عقود لاقامة حکومة تحیی فی المجتمع فطرة البحث عن الله تعالى و عبادته، فرسالة الثورة رسالة الفطرة.
عندما انطلقت شرارة الثورة الاسلامیة فی ایران عام 1342 هجری شمسی و نهض الشعب فی الخامس عشر من شهر خرداد، ثم توالت الاحداث التی قدم خلالها الشعب و المجاهدون و الثوار الکثیر من الشهداء و المفقودین، کان البعض یتساءل: هل الشعب مؤهل فی ذلک الوقت للخضوع لحکومة دینیة؟ و هل الدین یستطیع تشکیل حکومة دینیة فی تلک الظروف تلبی متطلبات الجماهیر؟ و قد اجابت الثورة الاسلامیة لاحقا عن تلک الاسئلة حیث اثبتت عملیا خلال اکثر من ثلاثة عقود جدوائیة الدین من جهة و استعداد الشعب للخضوع لحکم الدین من جهة اخرى، فلم تبق حاجة الى مثل تلک التساؤلات النظریة و التشکیکات التی لا مبرر لها؛ و ذلک لان الثورة الاسلامیة اثبتت بما لا یقبل الشک أن الدین مؤهل لتشکیل حکومة تقوم على اسسه، و قد عرض الشعب الایرانی نموذجا جیدا للحکومة الدینیة على مدى اثنین و ثلاثین عاما یمکن أن یعد قدوة لسائر الشعوب الاسلامیة، تلک الحکومة التی تقوم على اساس القیم و المعاییر الدینیة، و هذه تجربة رائدة فی هذا المجال.
ثم إن الشعب الایرانی کان و ما یزال توّاقا للثورة و الحکومة الاسلامیة و قد نزل الشعب بقوة الى الساحة لمواجهة الطغیان الشاهنشاهی و توفیر الارضیة المناسبة لعودة الامام الخمینی (ره) من منفاه شامخا منتصرا بتوفیق من الله و دعم الشعب الثائر و التفافه حول قیادته لیتعاضد الشعب و الحکومة فی تشکیل الحکومة التی تنسجم مع میولهم الدینیة و الاخلاقیة، و ما زالت و لله الحمد العلاقة بین الشعب و القیادة على اشدها.
و عندما تحدث الامام الخمینی (ره) ذلک الوقت مع الشعوب الاسلامیة فی مصر و تونس، کان من الصعب على الکثیر تصدیق ذلک و هل یعقل لمثل هذه الشعوب الثورة و تغییر حکامها!! الا اننا نشاهد الیوم الواقع اثبت احقیة رأی الامام و ثقته بالشعوب و أن الشعوب اذا ارادت شیئا حققته.
فقد امتازت الحکومة التونسیة على سبیل المثال من بین الحکومات الاسلامیة بکونها الرائدة فی محاربة الدین و هی من أوائل الدول التی تصدت للحجاب و الاذان و المظاهر الدینیة الاخرى فی الادارات و المراکز التربویة، ففی الوقت الذی کانت فیه " الزیتونة" تعد من المدارس الاسلامیة المهمة فی شمال افریقیا نرى التراجع القهقری وصل الى الحد الذی تعطل فیه صلاة الجماعة ظهرا فی ذلک المسجد الکبیر تحت ذریعة انشغال الناس باعمالهم و وظائفهم. و الادهى من ذلک أن الحکومة سخرت بعض المفکرین[i] من تلامیذ و خریجی تلک المدرسة الدینیة و تحت لباس الدین لطرح النظریات و الافکار المضادة للدین و المشوهة لصورته الحقیقیة.
و من هنا کان کل شیء فی تونس یتحرک بالاتجاه المضاد للدین و کانت الکلمة الفصل للعلمانیین و اللیبرالیین، حیث فتحت ابواب الفساد على مصراعیها لتجرف الشباب المسلم مع تیارها القوی و الجارف و من خلال نظریاتها الباطلة تحت شعار التنویر الدینی، بالاضافة الى الشدة و العنف التی یمارسها النظام مع مخالفیه و القبضة الحدیدیة التی یحاول امساک الامور بها. و فی مثل هذه الظروف العصیبة و العسیرة جدا استطاعت تونس أن تنفض عنها غبار الذل و تنهض فی وجه الطغیان و عنجهیة النظام لتتظاهر فی بادئ الامر أنها داعیة الى الاصلاح السیاسی و الاقتصادی فقط، و لکنها تضمر فی اعماقها و باطنها حرکة دینیة انطلاقا من ثقتها بان الاسلام یمتلک القدرة الکافیة على تلبیة الحاجات الاقتصادیة و السیاسیة و.... التی تکفل للشعب سعادته و استقلاله. و هذه الحرکة فی الحقیقة تعد اقتداء بالثورة الاسلامیة حیث استطاعت الثورة أن توصل رسالتها الى تلک الشعوب و تتخطى الحدود من دون أن ترسل دعاتها و المبلغین لتلک المناطق، و هذا هو الذی عناه الامام الخمینی (ره) عندما قال بان ثورتنا قد صدرت الى العالم، لان رسالة الاسلام رسالة الفطرة. فالثورة الاسلامیة استطاعت أن تعید للشعوب ثقتها بنفسها و أنها تقدر على ازاحة الطواغیب و العملاء کما استطاع ذلک الشعب الایرانی قبل ثلاثة عقود. و قد شاهدت تلک الشعوب مدى الاستقلالیة و التطور الذی حصل فی الساحة الایرانیة بعد انتصار الثورة الاسلامیة و مدى التراجع و الخضوع و التبعیة للاجنبی من قبل حکوماتهم و قادتهم، الامر الذی جر على تلک الشعوب انواع الذل و الهوان، و من هنا نفضت عن نفسها غبار الذل لتقول للعالم نحن قادرون باسلامنا ان نعید الحیاة الى بلداننا و ننشر القیم السامیة فی أوساطنا.
لمزید الاطلاع انظر عنوان:
الفرق بین الحکومة الاسلامیة و الجمهویة الاسلامیة.
[i]لیس هؤلاء من المفکرین الاسلامیین حقیقة کما یقول سماحة السید القائد ، و انما هم ممن تقمص هذا العنوان کذبا و احتیالا.