یمکن حصر منشأ هذا التوهم بثلاثة أمور: أحدها، اعتقاد التفاوت بین الأئمة (ع)، و الثانی، صغر سن الإمام (ع) حین تسلم مهام الإمامة، و الآخر، طول عمره الشریف.
فإذا کان سبب هذا السؤال یرجع إلى الأمر الأول فلابد من القول: إن جمیع الأئمة الإثنی عشر نور واحد باعتقاد الشیعة الإمامیة، و لا یوجد بینهم أی تفاوت بلحاظ شرائط الإمامة و شؤونها، و أنهم جمیعاً ینحدرون من الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهرة، و إنهم مطهرون منذ الولاة و حتى الوفاة و فی أمان من أی لون من ألوان السهو و النسیان و العصیان.
و إذا کان منشأ السؤال هو الأمر الثانی، فلابد من التوجه إلى أن صغر السن بالنسبة إلى الإمام لیس کصغر السن بالنسبة للآخرین، و إنه فی حصن العصمة و المحافظة الإلهیة منذ سن الطفولة، و منذ زمن البلوغ و ما بعده یکون الإمام فی أمان من کل سهو و نسیان و عصیان، و کذلک بالنسبة إلى الشیخوخة و وهن الجسم و الشرود الذهنی و التحول الروحی و النفسی الذی یصاحب طول العمر عادةً، فإنه لا یعرض على الإمام حتى لا یصاب بالضعف الجسمی و الشیخوخة التی قد توقعه بالسهو و النسیان أو تضطره إلى العصیان.
و من هنا فإن افتراض النسیان و العصیان بحق الإمام فرض خاطئ، و لم تسجل أی حادثة من هذا القبیل فی حیاة الأئمة (ع) توجب مثل هذا الوهم، إذن فمن الواجب أن لا یقاس الأئمة (ع) بسائر أفراد البشر و لا تسری علیهم أحکام سائر الناس.
خلافاً لسائر الأدیان و جمیع الفرق الإسلامیة فإن الشیعة یعتقدون بعصمة الأنبیاء (ع) التی تستوعب کل أیام حیاتهم منذ الطفولة و حتى الخروج من هذه الدنیا، و کذلک عصمة الأئمة (ع) فی تمام أدوار حیاتهم.
و المراد من العصمة هی ملکة یهبها الله سبحانه لمجموعة خاصة من الناس و تنبثق من العلم الغیبی و شهود الغیب و الإرادة القویة، کل هذه العوامل تجعل من المعصوم مصوناً و محفوظاً من أی لون من ألوان الخطأ و النسیان و العصیان فی مراحل فهم الوحی و إبلاغه و تنفیذه - سواء تلقاه بصورة مباشرة کما هو الحال بالنسبة إلى الأنبیاء (ع) أو بصورة غیر مباشرة کما علیه الأئمة (ع) - و ملکة العصمة لدى الأنبیاء و الأئمة (ع) هی التی تضمن وصول الهدایة الإلهیة إلى الناس خالصة من کل الشوائب، و کذلک إجراء و تنفیذ جمیع التفاصیل المتعلقة بهذه الهدایة، لتُهیأ الأرضیة الصالحة و إمکانیة الصعود و الترقی إلى ذروة الهرم الإنسانی. و هذا الهدف المطلوب تحقیقه بواسطة العصمة لا یتحقق، إلاّ مع وجود العصمة فی کل أدوار حیاة النبی أو الإمام (ع). و إلاّ فالخلل وارد بلحاظ البُعد الولائی و الهدایتی بالنسبة إلى النبی و الإمام، و لا یبقى له موقعه المناسب فی النفوس و لا ضمان لوصول الوحی إلى الناس سالماً و مصوناً من الشوائب، أو أنه یفسر و یبین على أساس الخطأ و الاشتباه، فلا تترتب علیه الهدایة فی مثل هذه الحالة و الإمام المهدی (عج) الذی تم إثبات إمامته بالطرق المختلفة، لیس مستثنى من هذه القاعدة، و لذلک فإمامته تستلزم عصمته فی کل مراحل حیاته منذ الولادة و حتى نهایة العمر.
و لا یبقى أی احتمال أو افتراض لوقوع الخطأ أو الاشتباه فی فکره و عمله (عج).
إن إدراک مقام الإمام المهدی و منزلته بشکل عام، و علمه و عصمته على وجه الخصوص أمر بعید المنال، و علیه لابد من الاعتراف بالعجز، و الامتناع من قیاسه بالناس العادیین، یقول الإمام علی (ع): "إن أمرنا صعب مستصعب، لا یحمله إلاّ عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإیمان، و لا یعی حدیثنا إلاّ صدور أمینة و أحلام رزینة".[1] و یقول کذلک: "لا یقاس بآل محمد (ص) من هذه الأمة أحد، و لا یسوى بهم من جرت نعمتهم علیه أبداً. هم أساس الدین و عماد الیقین"[2]. و یقول الإمام الرضا (ع) ضمن حدیث طویل: "إن الإمامة أجل قدراً و أعظم شأناً و أعلى مکاناً، و أمنع جانباً و أبعد غوراً، من أن یبلغها الناس بعقولهم أو ینالوها بآرائهم، أو یقیموا إماماً باختیارهم.... أتظنون أن ذلک یوجد فی غیر آل الرسول محمد (ص).... ضلت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و خسئت العیون، و تصاغرت العظماء، و تحیرت الحکماء، و تقاصرت الحلماء، و حصرت الخطباء، و کلت الشعراء، و عجزت الأدباء، و عییت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضیلة من فضائله، و أقرت بالعجز و التقصیر".[3]
إن افتراض وقوع الخطأ و النسیان و العصیان، إما فی طفولة الإنسان الذی ما زال غیر متقدم فی مسألة العلم و الإرادة، فینتابه الزلل بسبب الجهل و الضعف، و إما أنه یقع فی المرحلة الوسطى من عمر الإنسان نتیجة لضغط المیول و الشهوات و الغرائز و تغلبها على العقل و الإرادة، و إما أن یقع فی مرحلة الشیخوخة و الضعف و الوهن. فی حین أن الإمام (ع) مصون و محفوظ من قبل الله فی کل هذه المراحل الثلاث حتى یتمکن من أداء دوره فی الإمامة و قیادة الأمة على أکمل وجه، فالإمام مصحوب بالعلم الإلهی الوافر و الإرادة الإلهیة منذ طفولته و حتى نهایة عمره، و لذلک فإن استلام الإمام المهدی (عج) مقالید الإمامة فی أیام طفولته (5 سنوات) لا یستلزم وقوعه فی الخطأ و الاشتباه فی مرحلة ما قبل البلوغ.[4] و کذلک فی مرحلة البلوغ و حتى الکهولة فإنه فی حفظ الله و رعایته حیث یتمتع بالعلم الیقین بالمبدأ و المعاد و الإرادة القویة الثابتة، و بذلک فلا یرتکب أی خطأ أو عصیان على نحو العمد أو السهو.
کما أن تجاوز عمره الشریف الألف عام لا أثر له على قواه العقلیة و الروحیة و الجسمیة، و قد ذکرنا أنه لا یصح أن یقاس بالآخرین، إضافة إلى الأحادیث الکثیرة التی تدل على أن الإمام (ع) فی زمن ظهوره (و إن تأخر مئات السنین) یظهر فی سن الأربعین، بهیئة الشباب ملیئاً بالحیویة و النشاط.[5]
و کذلک بالنسبة للسیرة و التاریخ و التقاء بعض الناس بالإمام (عج) الشریف فی زمن الغیبة الکبرى، لم یسجل أو ینقل مورد یدل على صدور الخطأ أو الاشتباه عنه بلحاظ العمد أو السهو، فلا یبقى موضوع للإجابة عن هذا الافتراض و هذا التساؤل، و على أساس ما تقدم فإن احتمال مثل هذا الأمر محال.
و فی الدعاء المأثور عن الإمام الرضا (ع): (اللهم ادفع عن ولیک...)، نقرأ: «... فإنه عبدک الذی استخلصته لنفسک و ارتضیته لنصر دینک، اصطفیته بعلمک، و عصمته من الذنوب، و برأته من العیوب، و أطلعته على الغیوب، و أنعمت علیه و طهرته من الرجس، و نقّیته من الدنس. اللهم! فإنا نشهد له یوم القیامة، و یوم حلول الطامة، أنه لم یذنب ذنباً، و لا أتى حوباً، و لم یرتکب معصیة و لم یضع لک طاعة، و لم یهتک لک حرمة، و لم یبدل لک فریضة، و لم یغیر لک شریعة، و أنه الهادی المهتدی».[6]
و کذلک بالنسبة لجمیع الأئمة (ع)، فبعد الشهادة بالتوحید لله عز و جل و بالنبوة لمحمد (ص)، ندلی بالشهادة لهم على الوجه التالی: (أشهد أنکم الأئمة الراشدون، المهدیون، المعصومون، المکرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون، المطیعون الله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بکرامته، اصطفاکم بعلمه، و ارتضاکم لدینه، و اختارکم لسره، و اجتباکم بقدرته، و أعزکم بهداه.... و رضیکم خلفاء أرضه... عصمکم الله من الزلل، و آمنکم من الفتن، و طهرکم من الدنس، و أذهب عنکم الرجس و طهرکم تطهیرا).[7]
المصادر:
1- الحرانی، ابن شعبة، تحف العقول.
2- السید الرضی، نهج البلاغة، ترجمة محمد الرشتی.
3- الصافی، لطف الله، منتخب الأثر.
4- القمی، الشیخ عباس، مفاتیح الجنان.
5- کیاشمشکی، أبو الفضل، ولایت در عرفان" الولایة فی العرفان".
6- مختاری مازندرانی، محمد حسین، امامت و رهبرى" الإمامة و القیادة".
[1] نهج البلاغة، ترجمة محمد الدشتی، ص 373، خ 189، بند 4، بتصرف.
[2] المصدر نفسه، خ2، ص45.
[3] أصول الکافی، ج1، باب نادر جامع فی فضل الإمام و صفاته؛ تحف العقول، کلام الإمام الرضا (ع).
[4]انظر: مواضیع ذات صلة: السؤال 285 و السؤال 1067.
[5] الصافی، لطف الله، منتخب الأثر، ص351-352.
[6] القمی، الشیخ عباس، مفاتیح الجنان، دعاء إمام الزمان (عج).
[7] المصدر نفسه، آخر مفاتیح الجنان، الدعاء فی غیبة إمام الزمان (عج).