(الولایة) بمعنى مجیء شیء بعد شیء آخر، من دون أن یفصل بینهما فاصل، و لازم هذا التوالی و الترتیب التقارب بین الشیئین بالنسبة لأحدهما من الآخر.
و لذلک استعملت اللفظة فی عدة معان منها: (الحب) (النصرة و العون) (المتابعة و اقتفاء الأثر) (القیادة و الإدارة).
(الولایة التکوینیة) بمعنى إدارة الموجودات فی العالم و عالم الخارج و التصرف العینی فیها، و هی منحصرة ابتداءً و بالذات فی (الله) سبحانه، و ثانیاً و بالعرض بالأنبیاء و الأئمة المعصومین (ع)، کما تسند إلى الإنسان الکامل.
(الولایة) صیغة عربیة مأخوذة من لفظ (ولى) و معناها فی اللغة العربیة مجیء شیء بعد شیء آخر من دون أن یفصل بینهما فاصل، و یلزم من مثل هذا الترتب و التوالی القرب بین الشیئین. و من هنا فقد وردت هذه الصیغة بأوزان مختلفة (بفتح الواو و کسرها) و استعملت فی عدة معان منها (الحب)، (النصرة و الإعانة)، (المتابعة و اقتفاء الأثر) (القیادة و الإدارة)، و إن ما یناسب (الولایة التکوینیة) من المعانی المتقدمة هو المعنى الأخیر، فالولایة التکوینیة تعنی إدارة و تدبیر شؤون الموجودات فی العالم، و عالم الخارج و التصرف العینی فیها، و هذا الأمر ینحصر (بالله) أولاً و بالذات، و بالأنبیاء و الأئمة المعصومین (ع)، و الإنسان الکامل ثانیاً و بالعرض.
و هذه القاعدة یمکن ملاحظتها فی نهج القرآن الکریم لدى معالجته لکثیر من الموضوعات من قبیل العزة، و القوة، و الشفاعة.
و نجد أن الله سبحانه یقول فی أحد المواطن بخصوص الولایة: «فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُّ» فالله هو الولی الحقیقی بالنسبة إلى الإنسان و العالم[1]، و لکننا نجده فی عین الوقت یقول تعالى: {النَّبِیُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[2]، و یقول «إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَ هُمْ رَاکِعُونَ»[3] و هذه الآیة تثبت الولایة لله و للرسول (ص) و لأهل البیت (ع).
و هنا نقول إن معنى هذه الآیات لا یدل على أن للإنسان عدداً من الأولیاء المختلفین المتفاوتین، أحدهما الله تعالى، أو أعلاهما الله، و لکن معناها و بلحاظ التوجه إلى الآیة التی تحصر الولایة بالله «فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِیُّ» هو أن الولی الحقیقی و بالذات هو الله سبحانه، و إن النبی الأکرم (ص) و الأئمة من أهل بیت العصمة و الطهارة (ع) أولیاء بالعرض، و إنهم مظهر ولایة الله تعالى، و بتعبیر القرآن اللطیف هم الأدلة و المظاهر للولایة الإلهیة.[4]
و القسم الثانی من السؤال مختص بما هو المراد من الولایة التکوینیة المنسوبة إلى الأئمة (ع)؟
و قبل الشروع بالإجابة عن هذا السؤال نرى من اللازم التذکیر بنقطتین:
1- إن الإنسان یحتل موقعاً ممتازاً بین الموجودات فی هذا العالم لا یدانیه مرتبةً حتى الملائکة المقربین. لأن الإنسان یتمتع بقوى و استعدادات کامنة إذا ما اکتشفها و سعى جاداً فی تنمیتها و تربیتها للتحول من القوة إلى الفعل، فإنه یرتقی إلى مرتبة خلیفة الله فی أرضه و یبلغ مقام أشرف مخلوقات الله تعالى.
2- إن الله تعالى فتح الطریق لکل الناس من أجل الوصول إلى مرتبة ولایته «أَلا إِنَّ أَوْلِیَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ» و عرف هذه الطرق من طرق أخرى تعریفاً جیداً.
و من خلال ملاحظة هذین المطلبین یمکننا أن نصل إلى نتیجة مؤداها: إن الأئمة المعصومین (ع) تمکنوا من الإمساک بالأسباب فی السیر فی طریق الله من خلال تغذیة القابلیات و الاستعدادات و کسب المعارف الإلهیة العالیة حتى وصلوا إلى الإیمان الکامل و مرتبة الیقین و بذلک سلکوا السبیل إلى بلوغ مقام الولایة الإلهیة، و الأثر المبارک المترتب على ذلک، إن الحق تعالى أفاض من ولایته التکوینیة على هذه الذوات المقدسة. و صحیفة أعمال المعصومین (ع) شاهد على أن العبودیة و الارتباط الدائم بمبدأ الکائنات تعالى و امتثال أوامره تتصدر لائحة أعمالهم بشکل مطلق، و هکذا فقد تحولت أرواحهم بواسطة إکسیر العبودیة إلى موجودات تنفث الروح فی نظام العالم «بکم یمسک السماء أن تقع على الأرض».[5]
و ینقل عن الإمام المجتبى (ع) أنه قال: «من عبد الله عبّد الله له کل شیء».[6] و قد جاء فی الحدیث القدسی: «عبدی أطعنی حتى أجعلک مثلی»[7]. «یا ابن آدم أنا غنی لا أفتقر أطعنی فیما أمرتک أجعلک غنیاً لا تفتقر یا ابن آدم أنا حی لا أموت، أطعنی فیما أمرتک أجعلک حیاً لا تموت، یا ابن آدم أنا أقول للشیء کن فیکون أطعنی فیما أمرتک أجعلک تقول للشیء کن فیکون».[8]
إضافة إلى هذه الروایات الحدیث المعروف بحدیث قرب النوافل المذکور فی أصول الکافی، فمجموع ذلک یوضح لنا بما لا شک فیه أن المعصومین (ع) تمکنوا من الوصول إلى سر الولایة التکوینیة.
«بیمنه رزق الورى، و بوجوده ثبتت الأرض و السماء».[9]
النتیجة: بعد أن حصل المعصومون (ع) على الولایة التکوینیة الإلهیة، فإنهم تمکنوا من الإمساک و السیطرة على جمیع الموجودات، و إنها جمیعاً تحت نظر هؤلاء العظماء، و إن ظهور الکثیر من المعجزات و خوارق العادة الصادرة منهم و الخارجة عن دائرة الحصر کلها تؤید هذه الحقیقة التی لا تقبل الإنکار.
[1] الشورى، 9.
[2] الأحزاب، 6.
[3] المائدة، 55.
[4] ولایت فقیه "ولایة الفقیه"، جوادی آملی، عبدالله، ص 122 و 123 و 129.
[5] الزیارة الجامعة.
[6] تفسیر الإمام العسکری، ج1، ص327.
[7] أسرار الصلاة، ج1، ص4 (المقدمة).
[8] بحار الأنوار، ج90، ص376، باب 24، علة الإبطاء فی الإجابة...؛ إرشاد القلوب، ج1، ص75، الباب الثامن عشر وصایا و حکم بلیغة...؛ عدة الداعی، ص310، فصل..... ص،307.
[9] مفاتیح الجنان، ص85، دعاء العدیلة.... ص، 84.