الفکر السیاسی للشیخ الطوسی حول الحکومة له أبعاد مختلفة:
1. أهداف الحکومة الاسلامیة: یعتقد الشیخ ان الاهداف النهائیة للحکومة الاسلامیة تشتمل علی الموارد التالیة:
الف. إستقرار النظام و الأمن فی المجتمع و الذی بدونه یعم الهرج و المرج.
ب. نشر العدالة الاجتماعیة، اذا اقیمت الحکومة او استطاع حاکم مبسوط الید و مقبول لدی الناس الوصول الی السلطة فانها ستأخذ حق المظلومین من الظالمین و تقیم العدل.
ج. استقلال المسلمین و عزتهم: بملاحظة قاعدة "نفی السبیل" التی ذکرها الفقهاء، فان الشیخ یری شمولیة هذه القاعدة حیث أجراها فی أبواب فقهیة مختلفة، و من خلالها طرح مسأله استقلال المسلمین و عزتهم.
2. صلاحیات الحکومة الاسلامیة: یری الشیخ ان للحکومة الاسلامیة صلاحیات فی بعض الموارد و هذه الموارد تتضمن الامور التالیة:
الف. بیان الاحکام و التعالیم الدینیة
ب. الاهتمام بشأن القضاء
ج. تدبیر امور الناس.
و الشیخ الطوسی مؤید لهذه الابعاد جمیعا کما یظهر من مصنفاته المتعددة.
3. الشعب و الحکومة: و فی هذا المجال یری الشیخ ان العلاقات بین الطرفین علاقة و رقابة.
للفکر السیاسی للشیخ الطوسی حول الحکومة أبعاد مختلفة:
1. الاهداف النهائیة للحکومة الاسلامیة:
تهدف الحکومة الالهیة الی أهداف و غایات نشیر الی بعضها:
الف. إقرار النظام و الأمن فی المجتمع: ان موضوع النظام و الامن الاجتماعی أمر مهم جداً و هو من الحاجات الاولیة للناس فی کل مکان و بفقدانه ینحدر المجتمع نحو الهلاک و الدمار.
و للشیخ الطوسی فی بعض کتبه عبارات تکشف عن اهتمامه بهذه القضیة حیث یری انه: فی ظل الحکومة تنقذ الناس من مهاوی الفساد و الخراب الناشئ من انعدام النظم و الامان [1].
ب. نشر العدالة الاجتماعیة: یقول الله تعالی فی کتابه الکریم: "لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ..." [2]
و علی هذا فان احد الاهداف المهمة للانبیاء و القادة الالهیین هو بسط العدالة الاجتماعیة و نشرها و الذی هو من اولی مهماتهم.
و موضوع العدالة فی المجتمع مهم الی الدرجة التی یقول رسول الله (ص) فی حدیث مشهور: "الملک یبقی مع الکفر و لا یبقی مع الظلم" [3].
و الشیخ یری انه اذا استولت حکومة أو حاکم مبسوط الید و مقبول لدی الناس، علی زمام الامور فان من النتائج المهمة لذلک هو انقاذ المظلومین من ظلم الظالمین؛ لانه بتحقق هذا الأمر سینعم الناس فی ذلک المجتمع بالسعادة و الصلاح و یبتعدون عن الفساد و الرذیلة، و اما اذا لم تکن حکومة مبسوطة الید مستولیة علی الامر فانه سوف یعم الفساد و یحصل الهرج و المرج [4].
ج: استقلال و عزة المسلمین:
من الموضوعات التی یطرحها کبار فقهاء الشیعة فی المباحث الفقهیة هی "قاعدة نفی السبیل"، فمن جانب هم یشیرون الی احترام الاسلام لاتباع باقی الادیان السماویة و یقولون: ان هناک حقوقاً لاتباع الدیانات السماویة الاخری کحقوق المسلمین، و من جانب آخر فانهم یتعرضون لأمر مهم و هو ان المجتمع الاسلامی و الحکومة المؤسسة علی أساس الاسلام، کما انها لیست ظالمة و لا یقع منها عدوان علی فرد او مجتمع، لا تخضع للظلم و لا یصح ان تخضع لسلطة الکافرین؛ و هذه القاعدة مستفادة من آیة من قوله تعالی "وَ لَنْ یَجْعَلَ اللَّهُ لِلْکافِرینَ عَلَى الْمُؤْمِنینَ سَبیلا"[5].
و قد تمسک الشیخ الطوسی ایضاً فی موارد مختلفة من المباحث الفقهیة بهذه الآیة و قال فی تأیید ذلک: هذا عام فی جمیع الاحکام الا ماخصه الدلیل [6].
2. صلاحیات الحکومة الاسلامیة:
ان صلاحیات أی حکومة تتحدد علی اساس طریقة تفکیر اصحابها و المسؤولین فیها. و الاسلام قد حدد أیضاً دائرة الصلاحیات للحکومة المقبولة و حکامه المبدئیین.
من هنا انطلق الشیخ الطوسی ایضاً باعتباره فقیها کبیراً فذکر صلاحیات الحکومة من وجهة نظر الاسلام و حددها و قد اتضح مما تقدم بان الشیخ یری ان الحکومة یجب ان تقوم علی اساس حاکمیة الله تعالی؛ و هذا الدور المهم یقع بالدرجة الاولی علی عاتق الانبیاء و الائمة المعصومین (ع) حیث انهم یتمتعون بخصائص تمکنهم من تربیة المجتمع الاسلامی و تنمیته و هدایته نحو القیم الدینیة. و فی عصر الغیبة ایضاً استمرت هذه القیادة فکان لفقهاء الشیعة صلاحیات خاصة و تقع علی کاهلهم مسؤولیات و مهام کبیرة نشیر فیما یلی الی بعض منها:
الف. بیان الاحکام و التعالیم الدینیة:
و هذه الوظیفة وضعت فی البدایة علی عاتق الانبیاء الالهیین و من بعدهم علی الاوصیاء و الخلفاء و هی فی زمن الغیبة تقع بعهدة الفقهاء الکبار. یقول الشیخ الطوسی بهذا الصدد: بل المقرر عندنا (الشیعة) ان وظیفة بیان الاحکام و الافتاء یقوم بها الذین وضع علی عاتقهم اصدار الاحکام و اتخاذ المواقف حول الوقائع السیاسیة و الاجتماعیة فی ز من الغیبة، و هؤلاء هم "علماء و فقهاء" الشیعة الحائزون علی هذه الرتبة و المقام [7].
ب – الاهتمام بالقضاء فی المجتمع:
القضاء و حل الخصومات لم یقع مورداً لاهتمام الاسلام فحسب بل اهتمت به جمیع مدارس الانبیاء الالهیین. و القضاء امر ضروری لحل و فصل النزاعات و الاختلافات بین الناس یقول القرآن الکریم: "یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ."[8]
فلابد من وجود جهاز قضائی عادل فی المجتمع یحمی المظلومین و یقف امام الظالمین؛ و لذا نری ان أحد المناصب المهمة و المؤثرة فی الاسلام هو منصب القضاء و الحکم، و هو ما یتحقق فی شروط خاصة و له اثار کبیرة فی النظام السیاسی و الحکومة الاسلامیة.
و قد اعتبر الشیخ الطوسی القضاء احد الواجبات التی یجب ان یتصدی لها مجموعة من الافراد الذین تتوفر فیهم الشروط، فقال فی هذا المجال: و اما الحکم و القضاء بین المختلفین فلا یجوز الا لمن اذن له سلطان الحق فی ذلک. قد فوضوا ذلک الی فقهاء شیعتهم فی حال لا یتمکنون فیه من تولیه مباشرة، فمن تمکن من انفاذ حکم او اصلاح بین الناس او فصل بین المختلفین فلیفعل ذلک.[9]
ج. التخطیط و تدبیر امور المجتمع:
ان النقطة الاساسیة و المحوریة فی وظائف الحاکم هی التخطیط و تدبیر امور المجتمع، و یشمل ذلک ما تقدم من الامور السابقة ایضاً ای ان القضاء و تعیین الاشخاص للحکم بین الناس هو احد جوانب التخطیط و الجانب الآخر له هو اجراء الحدود و تطبیق التعلیمات الالهیة و تفعیلها. لانه اذا لم تنفذ الحدود و التعزیرات فی المجتمع فان المجال سینفتح أمام المفسدین و المخربین للاخلال بنظم المجتمع و نشر الهرج و المرج فیه، اما اذا اجری القانون و الحدود فان النظام و الهدوء سیعم المجتمع.
من جوانب تدبیر الامور و مصادیقه هو الجهاد و المواجهة مع الاعداء، یقول الشیخ الطوسی: جهاد العدو و الدفاع عن الناس هو أحد وظائف الامام (ع) و صلاحیاته [10]. فاذا هجم العدو الباغی علی البلاد الاسلامیة وجب علی الجمیع الدفاع و لا یشترط حضور الامام (ع) [11].
و من جوانب التخطیط الاخری تنظیم الاقتصاد و البناء المالی للنظام السیاسی، لان المصادر المالیة و توزیعها هی من القضایا الاساسیة فی کل نظام و حکومة، و قد ذکر فی الفقه الشیعی بعض الموارد؛ مثل الزکاة و الخمس و الجزیة و الانفال و غیرها باعتبارها مصادر مالیة فیجب علی القائد و زعیم المجتمع الاسلامی ان یتصدی لجمعها و توزیعها فی محلها المناسب.
3. الناس و الحکومة
فی الحکومة الدینیة التی تقوم علی اساس التعالیم السماویة و الالهیة و التی یجب فیها تنفیذ قوانین الدین و مقرراته، یبرز دور الامة و الرقابة بین الامة و القیادة، فمن جانب فان القائد یستشیر الامة فی الامور المتعلقة بالمجتمع ثم یقرر ما یراه مناسباً. و من جانب آخر فان افراد المجتمع یراقبون عمل الحکومة و یقدمون لها الاقتراحات و الانتقادات البناءة.
و قد ذکر الشیخ الطوسی فی کتابه الکلامی (تلخیص الشافعی) اولاً المنافع التی تحصل علیها الامة بسبب وجود الامام و القائد ثم شرح وظیفة الامة فقال: انتفاع الناس من الامام علی ثلاثة انواع: فمنه ما یکون بالفعل الالهی، و النوع الآخر ما یقوم به الامام، و الثالث ما یقوم به الناس أنفسهم، اما الفعل الالهی فهو ان الله اوجد الامام و مکنه من العلوم و المعارف و اعطاه الامکانیات اللازمة لممارسة هذا الدور و منحه المنزلة العظیمة ثم کلفه بتحمل هذه المسؤولیة الخطیرة. و النوع الثانی الذی یتحقق من قبل الامام، هو تقبل هذه الوظیفة و تهیئة النفس و توفیر الارضیة المناسبة للقیام بهذا الامر المهم. و النوع الثالث یعیّن دور الامة فی هذا المجال. و الشیخ الطوسی هنا یعتبر الناس مکلفین بتمکین الامام و توفیر الظروف اللازمة لاستقرار قدرته السیاسة لیتمکن الامام من مباشرة تدبیر الامور [12].
و من المفید هنا التعرض لبحث الامر بالمعروف و النهی عن المنکر فی ظل آراء الشیخ الطوسی و لکنا آثرنا عدم ذکره رعایة للاختصار.
[1] الشیخ الطوسی، الاقتصاد الهادی، ص 183.
[2] الحدید، 25.
[3] الشیخ المفید، الامالی، ص 310.
[4] الاقتصاد الهادی، ص 183.
[5] النساء، 141.
[6] الشیخ الطوسی، المبسوط، ج 2، ص 167، الخلاف، ج 3، ص 188.
[7] تلخیص الشافی، ج 1، ص 131.
[8] ص 26.
[9] الشیخ الطوسی، النهایة، ص 301.
[10] الرسائل العشر، ص 112.
[11] البسوط، ج 2، ص 8.
[12] الفکر السیاسی للشیخ الطوسی، ص 96، نقلا عن تلخیص الشافی، ج 1، ص 106.