ان دخول الجنة و الخلاص من النار یقوم على دعامتی التقوى و العمل الصالح، و ان الشیعی انما یدخل الجنة فیما اذا توفر على الخصیصتین المذکورتین، او انه یوفر الارضیة المناسبة لتناله الشفاعة، و لایکتفی باتخاذ التشیع شعاراً و ستاراً فقط. و بعبارة اخرى، لا یکتفی بالانتماء الظاهری و العنوانی فقط، بل لابد من ان یقرنه بالتقوى الواقعیة و العمل الصالح.
و بالنسبة الى اتباع الدیانات السماویة الاخرى، فانهم قبل مجیئ الشریعة الاسلامیة الغراء کانوا ملزمین بالعمل وفقاً لما جاءت به شریعتهم و دینهم، فان عملوا بذلک و التزموا به فان مصیرهم الجنة، و لکن بعد بعثة النبی الاکرم (ص) انحصرت المقبولیة بالدین الاسلامی، الاسلام الواقعی الذی تجلى فی مدرسة أهل البیت (ع).
بالطبع ان الآیات و الروایات اشارت الى نکته مهمة، و هی: ان المستضعفین و هم الذین لم تتوفر لهم امکانیة الوصول الى مصادر الارشاد و معرفة الحقیقة کما ینبغی، و لم تتوفر لهم امکانیة الهجرة الى سائر البلاد الاسلامیة للتزود بالمعرفة، و مع ذلک بقوا محافظین على فطرتهم النقیة و عملوا وفقا لها، فانهم ستشملهم الرحمة الالهیة انشاء الله تعالى[i]. و من الواضح ان مصداق المستضعفین لا ینحصر بالجاهل القاصر بل یشمل الاطفال- الذین یموتون قبل بلوغ سن التکلیف- و المجانین و...
من هنا نعرف ان اکثر الناس من الناجین انشاء الله تعالى بلطفه و منّه تعالى، الا المعاندین و المخاصمین للحق بعد ان اتاهم، او المقصرین و المتساهلین فی تحصیل المعرفة بالرغم من امکان وصولهم الیها و تعرفهم علیها.
ان دخول الجنة لایتم عبر الادعاء او مجرد الانضمام تحت عنوان ما، بل ان دخول الجنة یحتاج الى رکنین اساسیین و ملاکین حقیقیین هما" الایمان" و"العمل الصالح"،[1] من هنا کل من حمل معه من الدنیا هذا الزاد و هذا المتعاع، فانه من الفائزین فی الآخرة و انه ممن یرد الجنة و انه سیجد ابوابها امامه مشرعة، و اما من جاء خالی الوفاض من ذلک الزاد فان مصیره الى النار، الا اذا کان من المستضعفین الذین تشملهم الرحمة الالهیة الواسعة، او ان یکون ممن شملته شفاعة الشافعین.
یشیر القرآن الکریم الى هذا المعنى قائلا: « إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ الَّذینَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصَّابِئینَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُون».[2]
فالآیة المبارکة تؤکد ان مجرد التعنون بعنوان النصرانیة او الیهودیة و غیرها من العناوین لایکفی للدخول الى الجنة، بل تؤکد الآیة على ان ملاک الدخول هو "الایمان" و العمل "الصالح".
من هناک یکون اتباع ای دین من الادیان مشروط بان لا یکون هذا الدین منسوخا من قبل الدین السابق، فان اتباع النبی موسى (ع) و السیر على نهجه، انما یکون مشروعا مادام النبی عیسى (ع) لم یبعث بعد، و هکذا اتباع عیسى (ع) یکون مشروعا ما لم یبعث النبی الاکرم (ص)، فبعد بعثته (ص) و نسخه للادیان التی سبقته لا یجوز التعبد بها و العمل على طبق شریعتها.
اضف الى ذلک انه لا یکفی صرف ادعاء "التبعیة" او الاقتداء، بل لابد من "الایمان" و ان "الایمان" بدون التزام باللوازم العقائدیة و العملیة و الاخلاقیة لایعد ایمانا واقعیا. من هنا یکون لازم الایمان بموسى (ع) هو اتباع النبی او الانبیاء الذین جاءوا من بعده، و هکذا یلزم ذلک لمن اتبع عیسى (ع) فان علیه ان یلتزم بنبوة النبی الموعود الخاتم (ص)، کما ان الایمان بنبوة النبی الاکرم (ص) تستلزم التسلیم الخالص و الانقیاد التام لاوامره و نواهیه و وصایاه التی من جملتها التسلیم بولایة أمیر المؤمنین و الائمة من ولده (ع) واحدا تلو الاخر، و ما لم یحصل هذا الانقیاد التام لم یتحقق الاتباع و التسلیم الواقعی و لم یحصل صاحبة على شرف الفوز بالجنة.[3]
و بعبارة اخرى، انه بعد بعثة النبی الاکرم محمد(ص) تنحصر المشروعیة و المقبولیة فی الدین الاسلامی فقط[4]، و ان الاسلام بلا ولایة لایکون اسلاما واقعیا و لا ایمانا کاملا بالله و رسوله و الیوم الآخر، فلا ینال صاحبه جواز الدخول الى الجنة و الفوز بالرضوان، من هنا یکون الطریق الموصل مباشرة الى الجنة هو طریق التشیع فقط، مع التاکید على ان مجرّد ادعاء التشیع و المشایعة لأهل البیت لایکفی فی النجاة، بل لابد من الایمان الواقعی و الحقیقی و المشایعة الواقعیة بکل ما تعنی کلمة المشایعة و العمل الصالح حتى یتمکن من دخول الجنة او یکون مؤهلا لنیل الشفاعة.
لکنّ المستضعفین و هم (الجاهلون القاصرون و الاطفال و المجانین و...) الذین لم یتسنى لهم الوصول الى الحقیقة، فانهم مرجون لامر الله تعالى و شمولهم برحمته تعالى، و انهم مستثنون من القاعدة السابقة.[5]
و هنا نود الاشارة الى بعض الامور المهمة و هی:
1- الجاهل القاصر، هو الانسان الذی لم یصله الحق و لم تتسنى له امکانیة الوصول الیه هذا من جهة، و من جهة ثانیة انه لم یقصر فی طلب الحقیقة (یعنی انه قاصر غیر مقصر) فلا ذنب علیه، لانه و طبقا لهذا الفرض لم تتم الحجة الالهیة علیه، و ما دامت الحجة لم تتم علیه لایؤاخذه الحق تعالى بما فعل.[6]
اذاً یمکن- على اقل التقادیر- ان نتصور ثلاث طوائف تقع تحت عنوان الجاهل المقصر، و هم:
الف) الذین یعیشون فی اجواء و محیطات لا تسمح لهم بالوصول الى الحق او وصول نداء الحق الیهم.
ب) المستضعفون فکریا، و هم الذین لایتمکنون من ادراک الحقائق و ان بضاعتهم من الاستعداد الفکری محدودة.
ج) الواقعون تحت الجهل المرکب و انهم متیقنون بان (الف هو ب)، و ان یقینهم ناتج من خلال سعیهم و مثابرتهم و ان کان فی الواقع ان (الف لیس هو ب).
اما المقصر الذی یبتلی بالعذاب الالهی فهو من عرض علیه الحق و رفض الانصیاع له و القبول به عن عمد و علم، و انه اعرض عن الحق مع استطاعته الوصول الیه و لکنه قصر فی ذلک و اهمل الوصول الیها.
2- من الامور التی ینبغی الالتفات الیها هی؛ ان الایمان و الکفر لیست عملیة فکریة و علمیة صرفة، بل تتدخل فیها مجموعة من الافکار و السلوکیات، من هنا نرى القرآن الکریم یلفت نظرنا الى ذلک حیث یقول: «ثُمَّ کانَ عاقِبَةَ الَّذینَ أَساؤُا السُّواى أَنْ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ وَ کانُوا بِها یَسْتَهْزِؤُن».[7]
اذن یجب القول: اذا کان الانسان منزها عن السلوکیات المنحرفة و الاعمال الدنیئة و کان بعیدا عن التعصبات الحزبیة و التأثر بالمسائل السیاسیة او الفئویة، و تجنب ما یستقبحه العقل، و فی نفس الوقت اعمل کل جهده و سخر قواه للوصول الى الحق و الحقیقة و معرفة الباری تعالى او معرفة المذهب الحق، کنه لم یوفق للوصول الیه او انه قد وصل الى ما یخالف ذلک مما یؤدی الى الشرک بالله و العیاذ بالله، مع هذا یکون مثل هذا الانسان و طبقا للعدل الالهی غیر مؤاخذ من قبل الباری تعالى.
بالطبع ان هذا الکلام یتصور طبقا لمنطق العقل، و اما طبقا لمذهب القرآن الکریم فقد وعد الله تعالى الساعین و العاملین بالهدایة و الرشاد قال تعالى: « وَ الَّذینَ جاهَدُوا فینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنین».[8]
3- اشارت الروایات الاسلامیة الى مصیر الاطفال الذین یتفون فی سن الطفولة بالنحو التالی:
الف) اطفال المؤمنین:
1- انهم یعطون فی البرزخ الى ابراهیم و سارة (ع) او الى السیدة فاطمة الزهراء (ع) لیتعلموا و یتکاملوا من الناحیة الروحیة و المعنویة.
2- جاء فی ذیل تفسیر الایة 21 من سورة الطور انهم یلحقون بآبائهم المؤمنین لیکونوا سببا لسعادتهم و هنائهم
«إِذَا مَاتَ طِفْلٌ مِنْ أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِینَ نَادَى مُنَادٍ فِی مَلَکُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَدْ مَاتَ فَإِنْ کَانَ مَاتَ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَیْتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ دُفِعَ إِلَیْهِ یَغْذُوهُ وَ إِلَّا دُفِعَ إِلَى فَاطِمَةَ (ع) تَغْذُوهُ حَتَّى یَقْدَمَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَیْتِهِ فَتَدْفَعُهُ إِلَیْهِ »، و فی روایة اخری: «عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى یَدْفَعُ إِلَى إِبْرَاهِیمَ وَ سَارَةَ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِینَ یَغْذُوَانِهِمْ بِشَجَرَةٍ فِی الْجَنَّةِ لَهَا أَخْلَافٌ کَأَخْلَافِ الْبَقَرِ فِی قَصْرٍ مِنَ الدُّرِّ فَإِذَا کَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ أُلْبِسُوا وَ أُطِیبُوا وَ أُهْدُوا إِلَى آبَائِهِمْ فَهُمْ مُلُوکٌ فِی الْجَنَّةِ مَعَ آبَائِهِمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ)».[9]
ب) اطفال الکافرین و المنافقین:
1- ورد فی تفسیر قوله تعالى: «یطوف علیهم ولدان مخلدون»،[10] عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع) أَنَّهُ قَالَ: «الْوِلْدَانُ أَوْلَادُ أَهْلِ الدُّنْیَا لَمْ یَکُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ فَیُثَابُونَ عَلَیْهَا وَ لَا سَیِّئَاتٌ فَیُعَاقَبُونَ عَلَیْهَا فَأُنْزِلُوا هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ»، و عنِ النَّبِیِّ (ص) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِکِینَ؟ فَقَالَ: «خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ الْوِلْدَانِ خُلِقُوا لِخِدْمَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ».[11]
2- بعض الروایات ترکت علم حال هؤلاء الاطفال الى الله تعالى، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الْوِلْدَانِ؟ فَقَالَ:« سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ الْوِلْدَانِ وَ الْأَطْفَالِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا کَانُوا عَامِلِینَ».[12]
3- عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: «... إِنَّهُ إِذَا کَانَ یَوْمُ الْقِیَامَةِ أُتِیَ بِالْأَطْفَالِ وَ الشَّیْخِ الْکَبِیرِ الَّذِی قَدْ أَدْرَکَ السِّنَّ وَ لَمْ یَعْقِلْ مِنَ الْکِبَرِ وَ الْخَرَفِ وَ الَّذِی مَاتَ فِی الْفَتْرَةِ بَیْنَ النَّبِیِّینَ وَ الْمَجْنُونِ وَ الْأَبْلَهِ الَّذِی لَا یَعْقِلُ فَکُلُّ وَاحِدٍ یَحْتَجُّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَیَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَیْهِمْ مَلَکاً مِنَ الْمَلَائِکَةِ وَ یُؤَجِّجُ نَاراً فَیَقُولُ إِنَّ رَبَّکُمْ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَثِبُوا فِیهَا فَمَنْ وَثَبَ فِیهَا کَانَتْ عَلَیْهِ بَرْداً وَ سَلَاماً وَ مَنْ عَصَاهُ سِیقَ إِلَى النَّارِ ».[13] و بالطبع ان هذا الحکم یشمل المجانین و الذین ماتوا فی الفترة (عدم الحجة او الفترة بین النبوتین) و الذین لم تتم علیهم الحجة.
4- یرى بعض المتکلمین ان اطفال المشرکین و الکافرین لایدخلون النار و لا الجنة و انما یوضعون فی مکان یطلق علیه الاعراف،[14] لایعذبون و لا یتنعمون.[15]
قال العلامة الطباطبائی بخصوص الاطفال و المجانین: و الآیات- کما ترى- تشتمل على العفو عنهم و التوبة علیهم و لا مغفرة فی مورد لا ذنب هناک، و على عذابهم و لا عذاب على من لا تکلیف له، غیر أنک عرفت أن الذنب و کذا المغفرة و العقاب و الثواب ذوات مراتب مختلفة: منها ما یتعلق بمخالفة التکلیف المولوی أو العقلی، و منها ما یتعلق بالهیئات النفسانیة الردیئة و أدران القلب التی تحجب الإنسان عن ربه، و هؤلاء و إن کانوا فی معزل من تعلق التکلیف المتوقف على العقل لکنهم لیسوا بمصونین من ألواث النفوس و أستار القلوب التی یحتاج التنعم بنعیم القرب، و الحضور فی ساحة القدس إلى إزالتها و عفوها و الستر علیها و مغفرتها.
و لعل هذا هو المراد مما ورد فی بعض الروایات: «أن الله سبحانه یحشرهم- ثم یخلق نارا و یأمرهم بدخولها فمن دخلها دخل الجنة- و من أبى أن یدخلها دخل النار».[16]
[1] البروج، 85.
[2]البقر، 62؛ المائدة، 69؛ الحج،17؛ و انظر: المیزان، ج1، ص192-196.
[3] عناوین ذات صلة، الشیعة و الجنة. رقم السؤال 428 (۴۴۹ الموقع).
[4] آل عمران، 81-91.
[5] النساء، 97-99.
" [6]ما کنا معذبین حتى نبعث رسولا"، الاسراء،15. ومن الطبیعی ان المراد من بعثة الرسول هو اتمام الحجة و لیس مجرد الصدور، بمعنى انه یبعث الرسول من جهة و هذا الرسول یوصل الرسالة الى الناس من جهة ثانیة حتى تتم الحجة، و اما مجرد بعثة الرسول المجردة عن اتمام الحجة فلیست هی المرادة قطعا.
[7] الروم، 10.
[8] العنکبوت، 69.
[9] بحارالأنوار، ج5، ص294.
[10] الواقعة، 17.
[11] بحارالأنوار، ج5، ص291.
[12] بحارالأنوار، ج5 ،ص292.
[13] بحار الانوار، ج6، ص292،ح14؛ وج5، ص295، ح22، و ص290،ح3.
[14] ذکر العلامة الطباطبائی مجموعة من الادلة على ان المراد من الرجال على الاعراف ( ونادى اصحاب الاعراف رجالا یعرفونهم بسماهم) لا یراد به المستضعفون ، لمزید الاطلاع انظر: المیزان الجزء 8، تفسیر الآیة.
[15] بحار الانوار،ج5، باب 13، ص298.
[16] تفسیر المیزان،ج6،ص373