إن اجتناب المحرمات و العمل بالتکالیف الشرعیة و الاخلاقیة و التحرک فی دائرة التشریعات على مستوى العلاقة مع الله و النفس و الناس و الطبیعة و... تعد أسمى انواع الریاضة التی ترسخ القیم المعنویة فی النفس البشریة و تخرج القوى الکامنة فیها من مرحلة القوة الى مرحلة الفعلیة و تجعلها تنظر بنور الله تعالى؛ و ذلک لان الانسان إما ان یسعى وراء المادیات او الروحانیات، و لاریب أن التعالیم الدینیة قد وفرت له الطریق الامثل للتعامل مع الدائرتین بلا تفریط او افراط، فمن أراد الخروج على هذه التعالیم و رسم لنفسه طریقا خاصة غیر الطریق الالهی فلا ریب انه یسیر على منهج خاطئ سیؤدی به فی نهایة المطاف الى الضیاع و الانحراف بل قد یوقعه فی الکفر الصراح. و من هنا نرى الشریعة الاسلامیة رسمت طریقا للریاضة الصحیحة لا یخرج عن دائرة العبودیة و التقوى و الورع و رعایة الآداب و السنن الالهیة، شریطة ان تقترن مع تقرب العبد بجمیع تلک التشریعات و حرکاتها و سکناته الى الله تعالى، و قد وقفت موقف الضد مما یسمى بالریاضة او الرهبنة التی تخرج الانسان عن الاعتدال و التوازن و تجعل منه إنساناً لا یعی مسؤولیته الاجتماعیة و السیاسیة و الفردیة و.... بل تخلق منه إنساناً منزویاً یعیش الخرافة و السذاجة و...
جاء فی اللغة رُضْتُ المُهْرَ أَرُوضُه ریاضاً و ریاضةً، فهو مَرُوضٌ، و ناقةٌ مَرُوضةٌ، و قد ارْتاضَتْ، و کذلک روَّضْتُه شُدّدَ للمبالغة؛ و ناقةٌ رَیِّض.[1] و «ارْتَاضَ-ارْتِیَاضاً [روض] المهرُ، و ارتاضتِ ألقَوافی الصّعبة لِلشّاعِر.[2] و فی الاصطلاح تعنی – لدى بعض الفرق العرفانیة الهندیة و غیرها- القیام بالاعمال الصعبة و أخذ النفس بانواع الاختبار و المشاق و الاعمال الصعبة بطریقة مبرمجة و باختیار من السالک لتحصل النفس فی نهایة المطاف على قدرات ما ورائیة. فاذا وجد شخص ما لا یمیل الى الطعام و الى اللذائذ و یتحمل الصعاب بطبیعته و....فهذا خارج عن موضوع الریاضة المصطلحة عندهم، و لا یشمله عنوان الریاضة الاختیاریة.
و من الواضح أن الاسلام لا یحث مریدیه على طلب القدرة و الهیمنة سواء کانت مادیة أم ذهنیة أم روحیة، و لیس هدف الانسان القدرة و الهیمنة، و الا لکان ذلک نوعا من الشرک، بل قد یکون احیاناً عین الکفر " تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذینَ لا یُریدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقینَ".[3] و إن کان مخالفة النفس و ردعها من الانجرار وراء الملاذ و الاهواء النفسیة، یعد من الامور المستحسنة و من القیم التی حث علیها الشارع المقدس. فمن الضروری الالتفات الى ان حبائل الشیطان و مکائده قد تطال الامور الحسنة و الخیرة فیدخل على الانسان من خلالها، و یجر الانسان الخیر و طالب الصلاح الى العجب و الغرور و غیر ذلک.
من هنا، لا سبیل للخلاص من حبائل الشیطان الا سبیل التوحید و الاخلاص له سبحانه. و الشریعة هی عین آداب و أحکام الاخلاص و التوحید و طاعة الرسول و الامام (ص) التی تردع النفس من الانجرار وراء الخدع و الحیل الشیطانیة و النفسانیة. و لهذا نرى الاسلام یقف موقف الضد من الریاضة غیر الشرعیة؛ لانه دین العقلانیة و المعرفة و العشق الربانی النقی لا الکهانة و الشعبذة و علم الارواح و...
إن اجتناب المحرمات و العمل بالتکالیف الشرعیة و الاخلاقیة و التحرک فی دائرة التشریعات على مستوى العلاقة مع الله و النفس و الناس و الطبیعة و... تعد أسمى انواع الریاضة؛ و ذلک لان الانسان إما ان یسعى وراء المادیات او الروحانیات، و لاریب أن التعالیم الدینیة وفرت له الطریق الامثل للتعامل مع الدائرتین بلا تفریط او افراط، فمن أراد الخروج على هذه التعالیم و رسم لنفسه طریقا خاصة غیر الطریق الالهی فلا ریب انه یسیر على منهج خاطئ سیؤدی به فی نهایة المطاف الى الضیاع و الانحراف بل قد یوقعه فی الکفر الصراح، و قد اشار الى هذه الحقیقة أمیر المؤمنین (ع) حینما قال: " الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمٍ کَالسَّائِرِ عَلَى غَیْرِ طَرِیقٍ فَلَا یَزِیدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِه".[4] و عن الامام الصادق (ع): " الْعَامِلُ عَلَى غَیْرِ بَصِیرَةٍ کَالسَّائِرِ عَلَى غَیْرِ الطَّرِیقِ لَا یَزِیدُهُ سُرْعَةُ السَّیْرِ إِلَّا بُعْدا".[5]
و قد تعرض القرآن الکریم لهذا الموضوع تحت عنوان "الرهبانیة" و ذم من رسم لنفسه طریقا لم یرسمها الله تعالى له " وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها فَآتَیْنَا الَّذینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَ کَثیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ".[6] فالمستفاد من الآیة أعلاه إجمالا هو أنّ الرهبانیة لم تکن فی شریعة السیّد المسیح علیه السّلام، و أنّ أصحابه ابتدعوها من بعده، و کان ینظر إلیها فی البدایة على أنّها نوع من أنواع الزهد و الإبداعات الخیّرة لکثیر من السنن الحسنة التی تشیع بین الناس. و لا تتّخذ عنوان التشریع أو الدستور الشرعی، إلّا أنّ هذه السنّة تعرّضت إلى الانحراف- فیما بعد- و تحریف التعالیم الإلهیة، بل اقترنت بممارسات قبیحة على مرّ الزمن. و التعبیر القرآنی بجملة: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها دلیل على أنّه لو اعطی حقّها لکانت سنّة حسنة.[7]
و بعبارة أخرى: إن التنکر للمادیات و الغرائز البشریة و اهمالها عن طریق سلوک طریق الرهبنة لغایة العرفان و... لا انها لا توفر للانسان التزکیة النفسیة فقط، بل قد تجره الى الفسق و الفجور فی نهایة المطاف، و الشواهد التاریخیة على هذه القضیة کثیرة جداً، و ان الانسان کلما تنکر للبعد المادی و الشهوی فی الانسان، کانت النتیجة معاکسة حیث الانجراف معهما و الوقوع فی اسرهما.
نعم، رسم الشارع المقدس طریقا للریاضة الشرعیة لا یخرج عن دائرة العبودیة و التقوى و الورع و رعایة الآداب و السنن الالهیة، شریطة ان تقترن مع تقرب العبد بجمیع تلک التشریعات و حرکاتها و سکناته الى الله تعالى. و هذا ما اشارت الیه الکثیر من الروایات الصادرة عن المعصومین (ع)، نشیر الى نماذج منها:
1. عن رسول الله (ص): " إِنَّمَا رَهْبَانِیَّةُ أُمَّتِی الْجِهَادُ فِی سَبِیلِ اللَّه".[8]
2. و عنه (ص) أیضا: " یَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ: أَ تَدْرِی مَا رَهْبَانِیَّةُ أُمَّتِی؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: الْهِجْرَةُ وَ الْجِهَادُ وَ الصَّلَاةُ وَ الصَّوْمُ وَ الْحَجُّ وَ الْعُمْرَةُ".[9]
3. روی عن الامام الصادق (ع): " أَمَّا اللَّوَاتِی فِی الرِّیَاضَةِ فَإِیَّاکَ أَنْ تَأْکُلَ مَا لَا تَشْتَهِیهِ فَإِنَّهُ یُورِثُ الْحِمَاقَةَ وَ الْبُلْهَ وَ لَا تَأْکُلْ إِلَّا عِنْدَ الْجُوعِ وَ إِذَا أَکَلْتَ فَکُلْ حَلَالًا وَ سَمِّ اللَّهَ وَ اذْکُرْ حَدِیثَ الرَّسُولِ (ص) مَا مَلَأَ آدَمِیٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ فَإِنْ کَانَ وَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَ ثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَ ثُلُثٌ لِنَفَسِه".[10]
4. عن أمیر المؤمنین (ع): "الشریعة ریاضة النفس ".[11]
5 .وعنه (ع): «آفة الریاضة غلبة العادة»[12].
6. و عنه (ع) أیضا: «للعاقل فی کل عمل ارتیاض».[13]
7. «لقاح الریاضة دراسة الحکمة و غلبة العادة».[14]
8 . «لا تنجع الریاضة إلا فی نفس یقظة».[15]
[1] لسانالعرب ج : 7 ص : 162، ما دة روض.
[2] فرهنگ ابجدی، ص 39.
[3] القصص، 83.
[4] نهج البلاغة، خ 154.
[5] الکافی ج : 1 ص : 43
[6] الحدید، 27.
[7] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج18، ص: 82، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[8] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 8، ص 170، موسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.
[9] نفس المصدر، ج14، ص277.
[10] نفس المصدر، ج1، ص226.
[11] الآمدی، غرر الحکم و درر الکلم، ص 238، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، 1366ش.
[12] نفس المصدر.
[13] نفس المصدر.
[14] نفس المصدر.
[15] نفس المصدر.