إن مقولة معرفة الله هي المقدمة أو معرفة الرسول تعد من الامور النسبیة؛ إذ هي ترتبط ارتباطا كبيراً بمستوی و درجة معرفة الله و ما هو المراد بمعرفة الله. و لإيضاح الامر بصورة أکبر یراجع الجواب التفصیلي.
السؤال المحوري المثار في الوسط الديني يدور حول الهدف من بعثة الانبياء و هل الغاية من بعثة الانبیاء التعریف بالله أو أن الانسان یمکنه ان یعرف الله بالفطرة بلا حاجة الى بعثهم. و ان دور الانبیاء يتمثل في التذكير و التنبيه على تلك الحقيقة فقط و یرشدونه الیه؟.
من جانب آخر نحن نعلم أن معرفة الله نفسها لها مراتب و ان الانبیاء جاءوا من اجل هدایة کل الناس في کل المراتب، و بناء علی هذا فانه من الممکن ان یکون بعض الناس قد ابتعدوا عن فطرتهم کثیراً فیقوم الانبیاء برفعهم الی مستوی الادراک الفطري لکی یعرفوا الله و یتحرکوا صوبه.
ولکن البعض الآخر من الناس یعرفون الله بالفطرة لانهم عاشوا حیاة صالحة و سلیمة، فان الانبیاء یأخذون بایدي هؤلاء و یوصلونهم الی المراتب العلیا من الهدایة و معرفة الله. و کنموذج علی ذلک فقد کان سلمان في صدر الاسلام إنساناً مؤمناً بالله و باحثاً عن المعرفة فاوصله النبي الی غایة الکمال الشهودي، في الوقت الذي نرى فيه بعض الناس الاشقیاء کانوا بعیدین عن معرفة الله الی حد یصعب علیهم مع تصور وجود یوم القیامة.
اتضح من خلال هذه المقدمة أن مقولة معرفة الله هي المقدمة أو معرفة الرسول تعد من الامور النسبیة؛ إذ هي ترتبط ارتباطا كبيراً بمستوی و درجة معرفة الله و ما هو المراد بمعرفة الله. فمن جانب یجب معرفة حقانیة الرسول و تصدیقه؛ لان معرفته تمثل المقدمة للوصول الى الحق. و من جانب آخر هناك بعض الناس یقوده نورالله الی تشخیص کون الرسول الهیاً، و ذلک یتوقف علی المقامات المعرفیة للناس. فعلى سبيل المثال نجد رجل الدین الیهودي و المسیحي یعرف النبي و یصدق به عن طریق العلامات التي اطلع علیها في الکتب، و مع إيمانه بالله و لکنه مع ذلك كله ابتلي بالتحریف. و في المقابل تجد شخصا آخر بمجرد ان رأى المعاجز الالهیة او وصله خبرها متواتراً إذعن للحق و لم ينكر الرسول فاقر بفضله و سلم لرسالته التي بعث بها و آمن بالله، و يقع على رأس الهرم لهذه الطائفة أمیر المؤمنین علي (ع) الذي يعبر عن تلك الحقيقة بقوله: " ما عرفت الله بمحمد (ص) و لكن عرفت محمداً بالله عز و جل"[1].
و من الضروري هنا الاشارة الی المناظرة التي جرت بین أمیر المؤمنین علي (ع) و الجاثلیق (أحد علماء النصاری) حول نفس هذا الموضوع:
في حديثٍ طويل يذكر فيه قدومَ الْجَاثَلِيقِ الْمَدِينَةَ مع مائَةٍ من النَّصارى و ما سأَلَ عنهُ أَبا بكر فلمْ يجبهُ ثمَّ أُرشدَ إِلى أَمير المؤمنين عليِّ بن أَبِي طالبٍ (ع) فسأَلَهُ عن مسائل فأَجابهُ عنها و كان فيما سأَلَهُ أَنْ قال لهُ: أَخبرني عَرَفْتَ اللَّهَ بمُحَمَّدٍ أَمْ عَرَفْتَ مُحَمَّداً بِاللَّهِ؟ فقال عليُّ بن أَبي طالب (ع): ما عرفتُ اللَّهُ عزَّ و جلَّ بمحمَّدٍ (ص) و لكنْ عرفتُ محمَّداً باللَّه عزَّ و جلَّ حين خلقهُ و أَحدث فيه الحدود من طول و عرض فعرفتُ أَنهُ مدبَّرٌ مصنُوعٌ بِاستِدلالٍ و إِلْهَامٍ منهُ و إِرادةٍ كما أَلهم الملائكةَ طاعتهُ و عرَّفَهُمْ نفسه.[2]
و نشاهد نفس هذا المضمون في دعاء ورد عن الائمة (ع) مع الحث على قراءته في آخر الزمان: عن زرارة، عن الإمام الصادق (ع) قال: إنَّ للقائم غيبة قبل أن يقوم.قلت:و لَم؟قال:يخاف، و أَوْمَأ بيده إلى بطنه يعني القتل.ثم قال: يا زرارة، هو المنتظر، و هو الذي يشكّ الناس في ولادته، فمنم من يقول: إنّه مات أبوه بلا خلف، و منهم من يقول:إنّه حمل، و منهم من يقول: هو غائب.و منهم من يقول: ما ولد.و منهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين. و هو المنتظر غير أنَّ الله (تبارك و تعالى) يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.ثم قال: يا زرارة فإن أدركت ذلك الزمان فألزم هذا الدعاء: اللهم عرِّفني نفسك، فإنك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرِّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللّهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضَللتُ عن دين[3].
فکأن الطریق الوحید للنجاة آخر الزمان ينحصر في الابتهال الى الله تعالى بان یعرفنا نفسه فاننا إن لم نعرفه عن طریق نفسه فسوف لن نعرف رسول الله حتی لو کنا مؤمنین به.[4] و اذا لم نعرف الرسول فلن نعرف حجة الله و سنکون من الضالین لا سامح الله.
و بناءً علی هذا فاننا نواجه هنا اسلوبین من المعرفة و لکل منهما وجه. و لکن الطریق الثاني هو الطریق الافضل في المعرفة:
- معرفة الله بواسطة الرسول.
- معرفة الرسول بواسطة الله.
و المعرفة الاولی طریق بحثي و کتابي و مقدماتي و إجمالي، و المعرفة الثانیة معرفة تفصیلیة و عینیة و قلبیة و شهودیة. و يظهر أن الطریق الراجح للنجاة في عصر الغیبة و آخر الزمان هو الطریق الثاني.
[1]الشیخ الصدوق، التوحید، ص287، جامعة المدرسین، الطبعة الاولی، 1398ق.
[2] .بحار الانوار، ج3، ص270.
[3] الکلیني، الکافی، ج1، ص337، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.
[4] وحیث ان هذا الدعاء یدعو به الشیعة و بعض المسلمين و هم مؤمنون بالله قطعاً، و لکنهم مع ذلک یبتهلون الى الله تعالى أن یعرفهم نفسه، فهذه المعرفة هي أفضل من الاعتقاد المجرد.