لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع).
نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن الجانب الملكوتي.
هناك آراء مختلفة عن ماهية النسناس:
1ـ النسناس حيوان و موجود اسطوري يتصور أنه إنسان، و هو في اللغة المتداولة نوع من القردة.[1]
2ـ مخلوقات تشبه الإنسان من جانب و تخالفه في شيء آخر، و هي ليست من بني آدم.[2] فقد ذكرت بعض الروايات و كما عليه بعض المفسرين أن هناك موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع) بإسم "النسناس" يعيشون في الأرض و كانوا يعيثون فيها الفساد و القتل و سفك الدماء. لذا، فعندما قال الله سبحانه "وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فىِ الْأَرْضِ خَلِيفَةً "، قالت الملائكة: " أَ تجَعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نحَنُ نُسَبِّحُ بحِمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ ".[3] فسابقة هذه المخلوقات هي التي جعلت الملائكة تظن بالإنسان ظنّ السوء، و تقيسه بالنسناس.[4]
الجدير بالذكر أن بعض الروايات اطلقت لفظة النسناس على من كان يعيش قبل خلقة آدم (ع)، و البعض الآخر أشارت إشارة عامّة لهذه المخلوقات دون ذكر إسم خاص لها.[5] و نحن نكتفي هنا بذكر روايتين:
عن أمير المؤمنين (ع): "إن الله تبارك و تعالى لما أحب أن يخلق خلقاً بيده و ذلك بعد ما مضى من الجن و النسناس في الأرض سبعة آلاف سنة...".[6] و هذا الحديث يبين أن خلق "النسناس" كان قبل خلق الإنسان.
و عن الإمام الباقر (ع) في جواب لجابر بن يزيد الجعفي في هذا المضمار: "... و ترى أن الله عزّ و جلّ لم يخلق بشراً غيركم!! بل و الله لقد خلق الله تبارك و تعالى ألف ألف عالم و ألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم و أولئك الآدميين"،[7] [8]
ففي هذا الحديث إشارة لوجود موجودات قبل خلق الإنسان الذي هو من ذرية آدم(ع) فقط و لم تشر الى إسم النسناس.
3ـ و إرتكازاً إلى إحدى الروايات،[9] يمكن القول بأن النسناس نوع من البشر و من ذريّة بني آدم و كانوا يرتعون كالحيوانات بسبب مسخ إحدى يديهم و رجليهم.[10] فطبقاً لهذا المعنى، يمكن القول، بأن احد مصاديق النسناس كان في قوم عاد. و لا ينافي وجودهم الموجودات الذين كانوا قبل خلق آدم (ع)! إذ بناءً على بعض الروايات هناك مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس و مصاديق الآية "أَمْ تحَسَبُ أَنَّ أَكْثرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كاَلْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا"،[11] بسبب كثرة ذنوبهم و تقويتهم للجانب الحيواني منهم و إبتعادهم عن الجانب الملكوتي.[12]
[1] البستاني، فؤاد أفرام، القاموس الأبجدي العربي ـ الفارسي، المترجم: مهيار، رضا، ص 912، كلمة "النّسناس"، الإنتشارات الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1375 ش.
[2] الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، ج 7، ص 200، إنتشارات الهجرة، قم، الطبعة الثانية، 1410 ق، الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ج 4، ص 111، مكتبة المرتضوي، طهران، الطبعة الثالثة، 1375 ش.
[3] البقرة، 30.
[4] راجعوا: البلاغي النجفي، محمد جواد، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، تحقيق: وحدة التحقيقات الإسلامية، ج 1، ص 83، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، قم، 1420 ق، الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 119، مكتب الإنتشارات الإسلامية، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق، الفيض الكاشاني، ملا محسن، تفسير الصافي، ج 1، ص 106، الإنتشارات الصدر، طهران، الطبعة الثانية، 1415 ق، المكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 1، ص 157، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ه.
[5] راجعوا: مواضيع "ذرية سكان الكهوف" السؤال 2317 (الموقع: 3069)، "آدم ثامن جيل من الإنسان"، السؤال 5901 (الموقع: 6471).
[6] الشيخ الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، ج 1، ص 104، نشر مكتبة الداوري، قم، الطبعة الأولى، 1385 ش.
[7] لشيخ الصدوق، محمد بن علي، الخصال، المحقق و المصحّح: الغفاري، علي أكبر، ج 2، ص 652، جامعة المدرسين، قم، الطبعة الأولى، 1362 ش.
[9] و الحديث هكذا: "أن حيّا من عاد عصوا رسولهم فمسخهم الله نسناساً لكل رجل منهم يد و رجل من شق واحد ينقرون كما ينقر الطائر و يرعون كما ترعى البهائم": المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 24، ص 96، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ق.
[10] مجمع البحرین، ج 4، ص 111؛ الحسیني الزبیدي، محمد مرتضی، تاج العروس من جواهر القاموس، ج9، ص 11، دار الفکر، بیروت، الطبعة الأولی، 1414 ق.
[11] الفرقان، 44.
[12] راجعوا: الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، المحقق و المصحّح: الغفاري، علي أکبر، الآخوندي، محمد، ج 8، ص 244 و 245، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ق؛ الطیّب، سید عبد الحسین، أطیب البیان في تفسیر القرآن، ج 1، ص 388، إنتشارات الإسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش؛ المحقق، السبزواري، هادي المضلین، ص 256 و 257، نشر منتدی الآثار و المفاخر الثقافیة، طهران، الطبعة الأولی، 1383 ش.