في ثقافة القرآن الكريم لم تختص عبارة "دسّاها" برذيلة خاصة دون باقي الرذائل، فهي تشمل جميع الرذائل الأخلاقية و مدعاة لحرمان النفس عن نيل ذروة السعادة و الكمال المعنوي.
من أجل اتضاح معنى "دسّاها" في آية «وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها»[1] من الأولى أن نحدد معنى "أفلح" و "زكاها" في الآية السابقة التي تقول: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها»،[2] بعد ذلك يتضح معنى "دسّاها" بقرينة المقابلة من باب معرفة الأشياء بأضدادها.
الفلاح بمعنى النجاة و كذلك الإفلاح من مصدر باب الإفعال بهذي المعنى أيضا. طبعا كلما ذكرت مادة "فلح" في القرآن إنما جاءت بصيغة باب الإفعال[3] و هي تعني الفلاح و الفوز الدنيوي و الأخروي. و السبب المجز له هو تبعية العقل و أوامر الدين.[4]
"زكاها" من مصدر التزكية و في الأصل بمعنى النموّ و الرشد، كما أن أصل لغة الزكاة بمعنى النموّ و الرشد.[5]
ثم استعمل هذا اللفظ للتطهير و التنقية، و لعل ذلك بسبب أن التنقية و التطهير يؤدي إلى الرشد و النماء. و يجوز كلا المعنيين في الآية محل البحث.[6]
"خاب" من مصدر "الخيبة" و بمعنى فوت الطلب و الحرمان و الخسران.[7]
"دساها" من مادة "دسّ" بمعنى إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه. كما قال القرآن عن الأعراب الجاهلية و دفن بناتهم: «أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ».[8] [9] و "الدسيسة" في اللغة بمعنى العمل المضرّ الخفيّ. [10]
بعد اتضاح مفهوم العبارات الموجودة، نعمد إلى دراسة كيفية حصول تزكية النفس.
لا يستطيع الإنسان أن يزكي نفسه إلا بعد أن يبتعد عن جميع الرذائل و يعتقد بجميع العقائد الحقة، بلا أن يزيد عليها شيئا أو ينقص منها شيئا، و لا يبتدع فيها بدعة و لا ينكر منها بعضا. عليه أن يبتعد من سيئات و رذائل الأخلاق كالكبر و الحسد و البخل و العجب و غيرها و أن يتجنب المعاصي. ثم لابد أن يتخلق بجميع الصفات الحميدة و الأخلاق الفاضلة و الملكات الحسنة. و الحاصل أن فلاح النفس مرهون باتباع مطالب العقل و أوامر الشرع.
أما الخيبة و الخسران فيأتي بتلويث النفس بالمفاسد أو الاعتقاد بالمذاهب الباطلة من قبيل الكفر و الشرك و الضلالة و البدعة و إنكار ضروريات الدين و المذهب. أو أن يتخلق بالأخلاق الرذيلة و الصفات الخبيثة و يعتاد على الأعمال السيئة من التعدي على حقوق الآخرين و ترك الواجبات و ارتكاب المحرمات.
و بكلمة واحدة إن الدسيسة على النفس هي أن الإنسان لا يتبع مطالب عقله و أوامر دينه و يدخل النفس في هذه العيوب أو يدخل هذه العيوب على نفسه ما يؤدي إلى عدم وصول النفس إلى هدف نيل الفضائل الأخلاقية و الكمال الحقيقي بالرغم من قابليتها المودعة فيها و اقتضائها لجميع هذه الفضائل.[11]
إذن لم تختص "دساها" بنمط خاص من الرذائل بل هي تشمل جميع الرذائل التي تحرم النفس من نيل ذروة الكمالات المعنوية.
[1]. الشمس، 10.
[2]. الشمس، 9.
[3] إلا في آية 64 من سورة طه.
[4]. قرشى، سيد على اكبر، قاموس قرآن، ج 5، ص 201 و 202، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1371 ش.
[5]. راغب الأصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، تحقيق، داودی، صفوان عدنان، ج 1، ص 380 و 381 ، دارالعلم الدار الشامية، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 ق.
[6]. مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 20، ص 237، نشر مدرسة الإمام علي بين أبي طالب، قم، 1421 ق.
[7]. المفردات، ج 1، ص 368.
[8]. النحل، 59.
[9]. المفردات، ج 1، ص 314.
[10]. الطريحي فخر الدين، مجمع البحرين، ج 4، ص 70 و 71، مكتبة مرتضوي، طهران، 1375 ش.
.[11] الطيب، سيد عبد الحسين، أطيب البيان في تفسير القرآن، ج 14، ص130 و 131، الطبعة الثانية، انتشارات إسلام، طهران، 1378 ش.