وردت روایة "للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد" عن النبي الاکرم (ص) عن طریق المصادر الرؤائية لأهل السنة، و سلم بها جمیع علماء الشیعة تقریباً. و لکن اصل هذا الحدیث نقل عن نبي الاسلام (ص) بالصياغة التالية: " من اجتهد فاصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد".
وردت روایة "للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد" عن النبي الاکرم (ص) عن طریق المصادر الرؤائية لأهل السنة، و سلم بها جمیع علماء الشیعة تقریباً. و لکن صاحب کتاب (الصراط المستقیم الی مستحقي التقدیم) نقل هذا الحدیث عن طریق أهل السنة عن نبي الاسلام (ص) بالصياغة التالية: " من إجتهد فاصاب فله أجران و من أخطأ فله أجر واحد"[1].
علما أن احدى البحوث المطروحة في علم الاصول هو بحث التخطئة والتصویب، فالتخطئة هي ما یقابل التصویب و هي في اللغة بمعنی نسبة الخطأ الی شخص. و في الاصطلاح تعني احتمال خطأ المجتهد في الوصول الی الحکم الواقعي (و عدم اصابة الحکم الواقعي).[2]
و قد ذهب علماء الإمامیة الی التخطئة، فهم یرون أن لله تعالی في کل واقعة حکما واقعيا ثابتاً في اللوح المحفوظ في حق الجمیع سواء العالم و الجاهل و المسلم و الکافر، و أن الجمیع مکلفون بذلک الواقع، و تمثل الامارات طریقاً الی الواقع، و من هنا قد يكون استنباط المجتهد متطابقاً مع ذلک الحکم الواقعي أحياناً، و هو (المصیب)، و في مثل هذه الحالة یکون الحکم الواقعي منجزاً في حق المجتهد و مقلدیه، و أحیاناً أخرى لا يصيب المجتهد الواقع مع بذله الوسع في الاجتهاد و الاستنباط و يكون ما توصل اليه من رأي علمي مخالفاً للواقع، فحينئذ يوصف بالمخطئ، و في مثل هذه الحالة یکون معذوراً هو و مقلدوه. وشعار علماء الشیعة الذین یقولون بالتخطئة هو (للمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد) بمعنى أن المجتهد الذي یصيب باجتهاده الحکم الواقعي ینال أجرين، و اما المجتهد الذي لم یصب الحکم الواقعي مع استخدامه لکل ما یملک من طاقة فان له أجرآً واحداً.[3] [4]
وکما نعلم فان الاجتهاد في اللغة هو بمعنی السعي و بذل الجهد.[5] و تعني هذه اللفظة في دائرة العلوم المختلفة السعي و بذل الجهد العلمي في تلک الدائرة بحيث يعرف الشخص في تلک الدائرة بانه صاحب رأي و خبير علمي. و أن اشهر اصطلاح للاجتهاد یرتبط بالاحکام الدینیة و دائرة الفقه و الاصول. و الاجتهاد في هذه الدائرة يعني استنباط الحکم الشرعي من النصوص الدینیة عن طریق الاستدلال و استخدام سلسلة من القواعد التي تقع في طريق الاستنباط و التي تعرف بقواعد أصول الفقه.[6]
یقول الشهید المطهري في بیان المعنی الاصطلاحي للاجتهاد: الاجتهاد یعني السعي العلمي بالاسلوب الصحیح من أجل إدراک المقررات الاسلامیة بالاستفادة من مصادرها، المتمثلة بالکتاب و السنة و الاجماع و العقل[7]. و بناء علی هذا فالاجتهاد في الاصطلاح هو بذل غایة الجهد المنظم من أجل استنباط الاحکام الالهي من المصادر و النصوص الدینیة و الذي یکون له آلیاته الخاصة و مقدماته و شروطه. و الاجتهاد ملکة یتمکن صاحبها من استخدام نظام الاستنباط و ادلته و قواعده بسهولة، سواء کان ذلک في الفقه أم في التاریخ أو الفلسفة أو العلوم الأخری.
و يتوقف الاجتهاد في الفقه علی بعض العلوم المقدمية من قبيل: المنطق، و العربیة (النحو و الصرف) و المعاني و البیان و المعقول و الحکمة-علی مستوی متوسط- و الرجال و الدرایة و أصول الفقه ( الذي هو الاساس في الاجتهاد).
و الاجتهاد الملتزم بالاصول و القواعد الصحيحية مهما کانت نتیجته فهو مقبول و صاحبه مأجور، فان کان مطابقاً للواقع فله أجران و إن تخلف عن الواقع فله أجر واحد.
ومن هنا یتضح معنی کلام النبي (ص) بما ذکرنا في تعریف الاجتهاد، و لیس معناه ان یصدر حکما مستندا في ذلك الى العمل بالرأي أو القیاس أو الاستحسان من دون مقدمات صحیحة، بل حینئذ لا تنطبق المقولة بل تكون من المقولات اللغوية حيث تعني "ان الفقيه اذا اذا اخطا في قياسه فللقائس أو المستحسن أجر واحد علی الاقل عند الله!!، و هذا کلام باطل لا يمكن التفوه به؛ إذ لو کان الامر کذلک بان امکن لکل شخص ان یصدر حکماً لمجموعة من القیاسات و الاستحسانات و من دون اعتماد ضوابط و قوانین الاستنباط، و کانت أحکامه مخالفة للواقع یکون مأجوراً عند الله! و هذا مما لا یرتضیه أي عقل سلیم، لانه لم یجتهد ولم يكلف نفسه عناء تعلم قواعد و مقدمات الاجتهاد، بل اصدر مجموعة من الاحکام قیاساً لها علی أحکام أخری او علی اساس استحسانات عقلیة من دون سند علمي.
ان هذا النوع من الاجتهاد أمر مرفوض طبقاً لمجموعة من الاحادیث التي وردت في المصادر الشیعة، و هو اجتهاد باطل لا قيمة لها قطعا، و مثاله البارز ما فعله الخوارج فی رفعهم لشعار "لا حکم الا لله" في وجه أمیر المؤمنین علي (ع) بطريقة تفتقر الى ابسط قواعد و قوانين الاجتهاد الصحيح، و بذلک تخلفوا عن مواصلة القتال و الحرب بل شهروا السيف بوجه إمامهم الشرعي؛ و ذلک لانهم اعطوا لانفسهم حق الاجتهاد مع وجود الامام الشرعي المفترض الطاعة و الذي يمثل الحجة الالهية على العباد، و مع وجود هكذا إمام لا يبقی مجال للاجتهاد بحال من الاحوال.
[1] العاملي النباطي، علي بن محمد بن علي بن محمد بن يونس، الصراط المستقيم الی مستحقي التقديم، تحقيق وتصحيح: رمضان، ميخائيل، ج3، ص236، المکتبة الحيدرية، النجف.
[2] لاحظ: الشيخ محمد صنقور، المعجم الاصولي، ص369-372، المؤلف، قم، الطبعة الاولی، 1412ق.
[3] علماء الشيعة والسنة متفقون علی التخطة فی العقليات- أي في غير الاحکام الشرعية کالموضوعات الخارجية والاحکام العقلية غير المرتبطة بالاحکام الشرعية- أي انه يمکن ان يکون حکم المجتهد فيها مطابقاً للواقع أو مخالفاً له.
[4] الاصفهاني، محمد حسين، الفصول الغروية، ص206، دار احياء العلوم الاسلامية، 1404ق
[5] ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص135، لفظة( جهد).
[6] الطباطبائي، السيد محمد حسين، مجموعة المقالات، باهتمام: الخسروشاهي، السيد هادي، ج1، ص201، طهران، مکتب النشر والثقافة الاسلامية، 1371ش.
[7] المطهري، مرتضی، مجموعة الآثار، ج3، ص197، طهران، صدرا، 1372ش.