ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح عند الأمم، فأوحى الله عزّ و جلّ إليّ: يا محمد بل أنا أحاسبهم فإن كان منهم زلة سترتها عنك لئلا تفتضح عندك".
إذن لو وفق المرء للتوبة الحقيقية في هذه الدنيا، سيشمله الله سبحانه بلطفه و رحمته، و يعفو عن ذنوبه و سيخفي ذنوبه عن أبصار الآخرين في الآخرة كما حفظ ماء وجهه و سمعته في الدنيا.
ما يحسن قوله في جواب السؤال عن ستر عيوب و ذنوب العباد يوم القيامة هو: ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله " ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. الملاحظة الملفتة للنظر هنا أن الصفة وردت بصيغة "المبالغة"، أي بمعنى كثير الستر، أي يستر ما فوق التصوّر. و هذه الصفة من الخصوصيات الإلهية، و تعني أنه كثير العفو و الرحمة لعباده، فقد وسعت رحمته كل شيء و كل أحد. فلو عفا عن ذنب فليس أنه يستره و لا ينشره لأحد فحسب، بل يغضي عنه لئلا يستحي العبد أمام عظمة الله و كبريائه.
روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح عند الأمم، فأوحى الله عزّ و جلّ إليّ: يا محمد بل أنا أحاسبهم فإن كان منهم زلة سترتها عنك لئلا تفتضح عندك".[1] و في هذا الصدد لو أذنب المرء مراراً و رجع عن توبته بالذنب مرة أخرى فهو توّاب يقبل توبته دائماً و لا يبالي بنقض العبد عهده، شريطة الا يصل تكرار نقض التوبة الى خلق حالة من الاستهزاء أو الاستخفاف بالأمر الإلهي.
ما يجمل ذكره هنا أن عدم تفويض حساب الأمة إلى رسول الله (ص) و ستر أعمالهم عنه، لا يعني عدم علمه و عدم إطلاعه على أعمال العباد، بل نحن نعتقد بأن رسول الله (ص) و الأئمة المعصومين (ع) شهداء على أعمالنا في هذه الدنيا، إن معنى الحديث هو عدم فتح كتاب الأمة و ملف أعمالهم أمامهم يوم القيامة لكي لا يخجل و يستحي المذنب منهم أمام رسول الله (ص).
علما بأن الأدعية و المناجاة الواردة عن المعصومين (ع) قد أشارت بكثرة إلى هذا الموضوع. ننتهز هذه الفرصة و نشير باختصار إلى عدة نماذج منها:
1ـ " إِلَهِي قَدْ سَتَرْتَ عَلَيَّ ذُنُوباً فِي الدُّنْيَا وَ أَنَا أَحْوَجُ إِلَى سَتْرِهَا عَلَيَّ مِنْكَ فِي الْأُخْرَى".[2]
2ـ "و اغفر لي ما خفي على الآدميين من عملي و أدم لي ما به سترتني".[3]
و لا شك في أن المراد من إدامة الستر في هذا الدعاء هو الستر في الآخرة.
3ـ "روي عن النبي الاكرم (ص) أنه قال: َ مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَقِفَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَبِيحِ أَعْمَالِهِ وَ لَا يُنْشَرَ لَهُ دِيوَانٌ فَلْيَقْرَأْ هَذَا الدُّعَاءَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَ هُوَ اللَّهُمَّ إِنَّ مَغْفِرَتَكَ أَرْجَى مِنْ عَمَلِي وَ إِنَّ رَحْمَتَكَ أَوْسَعُ مِنْ ذَنْبِي اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ذَنْبِي عِنْدَكَ عَظِيماً فَعَفْوُكَ أَعْظَمُ مِنْ ذَنْبِي اللَّهُمَّ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَهْلًا أَنْ تَرْحَمَنِي فَرَحْمَتُكَ أَهْلٌ أَنْ تَبْلُغَنِي وَ تَسَعَنِي لِأَنَّهَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين".[4]
4ـ " وَ أَلْبِسْنِي مِنْ نَظَرِكَ ثَوْباً يُغَطِّي عَلَيَّ التَّبِعَاتِ وَ تَغْفِرُهَا لِي وَ لَا أُطَالَبُ بِهَا إِنَّكَ ذُو مَنٍّ وَ صَفْحٍ عَظِيمٍ وَ تَجَاوُزٍ كَرِيم".[5]
و في الختام نجد من الضروري الإلتفات إلى هذه الملاحظة، فحتى لو عبر الله سبحانه عن يوم القيامة بقوله: " يوم تبلى السرائر".[6] أو كما يقول " كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ * وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون"[7]. لكن ما يمكن قوله عن مفهوم هذه الآيات و سعتها هو:
أولاً: إن الآية التي تقول "يوم تبلى السرائر" ناظرة إلى الأشخاص الذين ماتوا على ذنوبهم و لم يوفقوا للتوبة، لا الذين إرتكبوا الذنوب عن جهل ثم تابوا عنها. فقد وردت رواية في ذيل الآية 9 من سورة الطارق عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله (ص) ما هذه السرائر التي ابتلى الله بها العباد في الآخرة؟ فقال: سرائركم هي أعمالكم من الصلاة و الصيام و الزكاة و الوضوء و الغسل من الجنابة، و كل مفروض، لأن الأعمال كلها سرائر خفية فإن شاء الرجل قال: صليت و لم يصل، و إن شاء قال: توضأت و لم يتوضأ، فذلك قوله، "يوم تبلى السرائر".[8] لهذا فالآية ناظرة إلى من غادر الدنيا على الكفر و النفاق و لم يوفق للتوبة.
ثانياً: إن أولياء الله و المقرّبين المطّلعين على أعمال الإنسان، واقفون على أسرارنا و عالمون بها في هذه الدنيا، لكن لا يعني هذا نشرها للآخرين.
تحصل: أنه لو وفق المرء للتوبة الحقيقة في هذه الدنيا، سيشمله الله سبحانه بلطفه و رحمته، و سيكون محبوباً عند ربّ العزة فضلاً عن تجاوزه عن ذنوبه، لذا لا بد من الإسراع إلى التوبة إلى الله سبحانه و التعوّذ منه من ذنوبنا و تقصيرنا و إسرافنا قبل أن يأتي اليوم الذي قد نفتضح فيه على رؤوس الأشهاد و لا منجي من عذابه يومئذ.
[1] الپايندة، أبو القاسم، نهج الفصاحة (مجموع الكلمات القصار النبي محمد (ص))، ص 517، دنيا العلم، طهران، 1382 ش.
[2] إبن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال، ج 2، ص 686، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1409 ق.
[3] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد، ج 2، ص 593، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1411 ق.
[4] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 83، ص 37، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ق.
[5] المصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد، ج 2، ص 594.
[6] "يوم تبلى السرائر"، الطارق 9.
[7] المطففين، 18 ـ 21.
[8] العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 552، انتشارات اسماعيليان، قم، 1415 ق.