عند الرجوع للتأريخ و كتبه نعلم بأن "أبوبكر بن علي" إبن ليلى بنت مسعود الثقفي و "عمر بن علي" إبن أم حبيب و"عثمان بن علي" إبن أم البنين (س) كانوا أبناءً لأمير المؤمنين علي (ع). و بعد دراسة علة تسمية أبناء أمير المؤمنين باسم الخلفاء الثلاثة يمكن القول:
إن الثقافة و البنية الفكرية لذلك العصر لم تكن تعطي الإشتراك في الإسم أهمية و لم يكن يؤدي إلى تأييد فرد أو ردّه. فذكر هذه الأسماء لم تكن حينئذ تستدعي ذكر الخلفاء بل إن مرّ التأريخ أبرز أسماء هؤلاء الثلاثة.
أما في ذلك العصر فقد كان لهذه الأسماء رواجاً بحيث لم تكن تسمية أمير المؤمنين (ع) ـ أو أيّ فرد آخرـ إبنه "أبو بكر" استذكاراً للخليفة الأول. أضف إلى ذلك أن أصحاب النبي (ص) الأجلّاء كان من بينهم من يسمّى بهذه الأسماء أمثال عثمان بن مظعون و غيره...
فقد كان لهذه الأسماء رواج و اشتهار في ذلك العصر و بعده في طول فترة حياة الأئمة المعصومين (ع) و كتب التأريخ شاهدة عليه. فلم تكن هذه الأسماء قبيحة و مذمومة لدى الشيعة. كما أن كتاب معجم الثقاة فيه ما يقارب من 60 صفحة من الرواة الذين يسمّون عمراً أو أن عثمان بن سعيد هو أحد النواب الأربعة الخواص للإمام الحجة ـ عج ـ في الغيبة الصغرى.
عند رجوعنا للوثائق التأريخية نقف على أن لأمير المؤمنين (ع) أولاداً من النساء اللآتي تزوّج بهنّ بعد شهادة السيدة الزهراء (س) أسماء ثلاثة منهم كأسماء الخلفاء الثلاثة الذين تسلّموا الخلافة بعد النبي (ص). فإسم أحدهم أبوبكر بن علي بن أبيطالب و أمه ليلى بنت مسعود الثقفي.[1] و الآخر عثمان و أمه أم البنين و كلاهما استشهد في كربلاء تحت راية أخيهم الأمام الحسين (ع).[2] و الثالث أسمه عمر و من أولاد الأمام علي (ع) ايضاً.[3]
و بدراسة علة تسمية هؤلاء الأولاد بإسم الخلفاء الثلاثة نقف على عدة نكات:
1ـ أساسا لا يمكن اعتبار مجرّد تسمية الأولاد و الأقرباء بإسم شخص ما دليلاً على محبّته و مودّته و الإشتراك معه في الأمور العقائدية و الفقهية و السياسية و غير ذلك ـ كما أن عدم التسمية أيضاً لا يمكن اعتباره دليلاً على عدم المحبّة و الإختلاف، نعم، قد يكون الحب و عدمه دخيلاً في هذه الموارد.
إضافة إلى أن الثقافة و البنية الفكريّة لذلك العصر لم تكن تعطي الإشتراك في الإسم أهمية و لم يكن يؤدي إلى تأييد فرد أو ردّه. فذكر هذه الأسماء لم یكن یستدعي ذكر الخلفاء، وكانت تلك الاسماء شأنها شأن سائر الاسماء الاخرى غير بارزة، و لكن على مرّ التأريخ برّزت أسماء هؤلاء الثلاثة أما في عصر أمير المؤمنين (ع) فلم تكن لتسمية أمير المؤمنين (ع)ـ أو أي فرد آخر ـ إبنه "أبوبكر" استذكاراً للخليفة الأوّل.
كما لابد من الإلتفات إلى أن أسماء الخلفاء الثلاثة لم تكن أسماءً خاصّة بهم، بل كانت أسماء شائعة عند العرب قبل الإسلام و بعده فليس لتلك التسمية أيّ دليل على محبّة صاحب الإسم.
ففي ايران مثلاً كان اسم الملك السابق (الشاه) و "محمد رضا" و كان أبغض إنسان للشعب الإيراني، و لكن لم تكن هذه المسألة مانعة من كون هذا الإسم من أكثر الأسماء رواجاً في إيران. و قد كان من بين أصحاب النبي محمد (ص) من يسمّى بهذه الأسماء كعثمان بن مظعون و غيره و ما المانع من كون تسميته أمير المؤمنين (ع) لأولاده بسبب حبّه لهؤلاء الصحابة الأجلّاء غير الخلفاء. كما يمكنكم بالرجوع للكتب الرجاليه كالإستيعاب لإبن عبد البر و أسد الغابة لإبن الأثير، أن تلاحظوا و تحصوا عدة الصحابة الذين يسمّون بأبي بكر و عمر و عثمان. نحن نكتفي هنا بكتاب واحد و هو "أسد الغابة في معرفة الصحابة" و نذكر من كان إسمه عمر من بينهم.
1ـ عمر الأسلمي، 2ـ عمر الجمعي، 3ـ عمر بن الحكم، 4ـ عمر بن سالم الخزاعي، 5ـ عمر بن سراقه...22ـ عمر بن اليماني
فهؤلاء من ذكرهم إبن الاثير وحده.
فكما تشاهدون بأن هذه الأسماء كانت رائجة و متداولة منذ مدة طويلة في تأريخ الإسلام و قبله و كانت منتشرة بين الخاصّ و العامّ.
أما التابعين الذين يسمّون عمراً فكثيرون جداً، فنذكر على سبيل المثال كتاب معجم الثقاة الذي فيه ما يقارب من 60 صفحة تعداداً للرواة الذين يسمّون عمر.
و هذه الأسماء كان لها انتشار أيضاً في عصر الأئمة المعصومين (ع) مثل أبو بكر بن عبد الله سعد الأشعري أو أبو بكر الحضرمي و كانا من الرواة الذين يروون عن الإمام الصادق (ع) كما أن عثمان بن سعيد أحد النواب الأربعة الخواص للإمام الحجة ـ عج ـ في عصر الغيبة. و هذا كلّه يدلّ على أن ذكر هذه الأسماء لا يستدعي انتقال الذهن إلى غير صاحب الإسم. فلم يكن في التأريخ عليّ واحد و أبوبكر واحد و هكذا عمر و عثمان ثم سمّى الإمام علي (ع) ابناءه باسمائهم، بل أن هذه الأسماء كانت متداولة بين الناس بكثرة.
نعم، اذا كانت التسمية منطلقة من الامر الالهي فحينئذ يكون لها قداسة خاصة كما في قضية اسماء إبناء علي و فاطمة (عليها السلام) الحسين و الحسين (ع).[4]
إذن اصبح بديهياً بأن هذا الإسم و الأسماء الأخرى للخلفاء كانت من الأسماء المعروفة بين عرب الجاهلية و الإسلام و لم يكن سماع هذا الإسم يستدعي انتقال الذهن للخلفاء على الإطلاق. لذلك لا يمكن الانطلاق من هذه التسمية لتكون منطلقا لاثبات العلاقة الحميمة بين الامام و بين الخلفاء و اسدال الستار على جميع الوقائع التاريخية و انكار جميع ما جرى.[5]
2ـ لقد أخفى أمير المؤمنين (ع) مشاكله و مصائبه في قلبه انطلاقا من حكمته و بصيرته و ترجيحه للمصلحة العامة، فقام بمسايرة الخلفاء و مواكبة حكمهم حفظاً للإسلام و لمصلحة الأمة، و كان كثيراً ما يسند الخلفاء و يؤازرهم و يمد يد العون لهم حتى قال عمر مراراً: "لو لا علي لهلك عمر"[6] فقد يحتمل البعض إن هذه التسمية من قبل الإمام علي (ع) هي من مصاديق المواكبة و المداراة، لأن هذا الإسلوب يؤدي إلى الانفراج و إزالة التوتّر و تقليل المشاكل و الإختلافات الموجودة في المجتمع لا أنه يعتبر تأييداً لعملهم أو حبهم. على كل حال "لو أخذنا بنظر الإعتبار ظروف الكبت المظلمة و الموحشة و كذلك الضغط الشديد على الشيعة آنذاك لرأينا أن الأئمة المعصومين (ع) كانوا مضطرين ـ لأجل نجاة شيعتهم ـ أن يعملوا بالتقية من قبيل: تسمية أولادهم باسم الخلفاء أو التزاوج مع كبار الصحابة و بذلك يخففون من حالة الضغط على الشيعة لأن حكومة بني أمية و بني عباس الظالمة و بذريعة أن الأئمة كانوا مخالفين للخلفاء الثلاثة كانوا يستغلون سذاجة الناس و يواجهون الأئمة (ع) و شيعتهم أكثر فأكثر بالضغط الشديد و القتل و التشريد".[7]
كما أن التنوية بهذه النكتة لا يخلو من اللطافة،فعند مطالعتنا للکتب التاريخية لم نعثر على مصدر يشير على أن الإمام علياً (ع) قام بنفسه بهذه التسمية، فلذلك يُحتمل أن تكون هذه التسمية من قبل أزواجهم أو أحد المقرّبين و لم يبدي الإمام إمتناعاً إحتراماً لهم.
[1] معجم الثقاة، ج 21، ص 66، طبقاً لنظر إبن آشوب الأوهم.
[2] الإرشاد، ص 484.
[3] معجم الثقاة، ج 13، ص 45.
[4] منتهى الآمال، ج 1، ص 220.
[5] الطبري، محمد، جواب الشاب الشيعي، ص 55ـ 56.
[6] فرأیت أنّ الصّبر علی هاتا أحجی فصبرتُ و في العین قذی و في الحلق شجاً أری تُراثي نهباً، نهج البلاغة صبحي صالح، ص 48، الخطبة الثالثة.
[7] الطبري، محمد، جواب الشاب الشيعي، ص 56ـ 57.