بعد أن تولّت قبیلة خزاعة سدانة بیت الله تعالی، کان أول من تولّی سدانتها منهم هو عمرو بن لحی، و لحی هو حارثة بن عامر فقد غیّر دین إبراهیم(ع) و فی الخبر أنه قد دعا الناس الی عبادة الأصنام حیث ذهب الی الشام فرأی جماعة من الناس یعبدون الأصنام فاعطوه صنماً فوضعه علی الکعبة فنصب أصناماً کثیرة حولها فانتشرت عبادة الأصنام عند العرب و نُسخت الحنیفیة (الدین الحنیف) الا قلیلاً ممن بقی علیها.
وقال ابن إسحق : یزعمون أن أول ما کانت عبادة الحجارة فی بنی إسمعیل علیه السلام و ذلک أنه کان لا یظعن من مکة ظاعن منهم حین ضاقت علیهم و التمسوا الفَسَحَ فی البلاد إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظیماً للحرم فحیث ما نزلوا وضعوه فطافوا به کطوافهم بالکعبة ( حتى سلخ ذلک بهم إلى أن کانوا یعبدون ما استحسنوا من الحجارة و أعجبهم ) حتى خلفهم الخلف و نسوا ما کانوا علیه و استبدلوا بدین إبراهیم و إسماعیل علیهما السلام غیره فعبدوا الأوثان فصاروا على ما کانت الامم قبلهم من الضلالات» ، و سیأتی إن شاء الله تعالى تتمة الکلام على ذلک( تفسیر الالوسی،ج 5، ص 390) و هناک آراء اخرى یمکن مراجعتها فی کتاب الاصنام.
مقدّمة عبادة الأصنام
کان نمرود بن کنعان بن کوش أحد الملوک الذین یعبدون الأصنام، فما کان أحد أشدّ منه ظلماً و قسوةً فی هذا المجال و هو أول عابد للأوثان فی عهد طهمورث، فعندما یموت شخص یصوّر تمثالاً شبیهاً له من الخشب و یعبده.[1]
و قد جاء فی طبقات الناصری: أن نمرود بن کنعان بن کوش بن حام بن نوح هو أول شخص قد تجبّر و وضع التاج علی رأسه بعد طوفان نوح کان قد احتل أرض بابل بحیث سیطر علی العرب و العجم فیها و بنی معبداً للأصنام فکان یتعبّد به و قد صنعه من الذهب و الفضة و رصّعه بالجواهر و جعل آذر امیناً و مراقباً علی الخزائن و الأوثان و علی جهازه حیث تابع مطالعة علم النجوم و یُعتقد أن الأصنام کانت علی شکل أجسام الکواکب فکان یعبدها.[2]
بدایة عبادة الأوثان فی مکة:
ان ذلک تم من خلال إتیان عمرو بن لحی بصنم هبل و جلبه من الشام الی مکة و أمر الناس بعبادة الأوثان، و قد ذکر المؤرخون تفصیل ذلک بالنحو التالی:
خالفت قبیلة جرهم فی مکة هذا الأمر و قد صادف ذلک مع إنتشار سبأ و نزول بنی حارثه بن ثعلبة بن عمرو بن عامر مکة المکرّمة. حیث ارادوا هؤلاء أن یعیشوا مع قبیلة جرهم فی مکان واحد لکن الأخیرة امتنعت فحصل نزاع بینهما. و کما یقال أن بنی حارثه کانوا من خزاعة فسیطروا علیهم و احتلوا مکة و امّا رئیسهم فکان عمرو بن لحی حیث أخرج ما بقی من قبیلة جرهم منها. و ابن لحی هو ربیعة بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزیقیا بن عامر. و قد جاء فی الحدیث الشریف عن الرسول(ص):"رأیت عمرو بن لحی یجرّ قصبه( یعنی أحشاءه) فی النار" لأنه هو الذی وضع بدعة البحیرة و السائبة و الحامة[3] و غیّر دین اسماعیل فنشر عبادة الأصنام.[4]
نقل بعض المؤرخین: عند ما سافر عمرو بن لحی من مکة الی الشام لعمل من الأعمال فلمّا وصل الی مدینة "مآب" التی یسکنها العمالقة و أولاد عملاق- عملیق- بن لاوذ بن سام بن نوح فرآهم یعبدون الأوثان، سأل: ما هذه التی تعبدونها؟ قالوا: هذه أصنام نستمطر بها فنمطر، و نستنصر بها فننصر، فقال لهم: أفلا تعطونی منها صنما أسیر به إلى أرض العرب فیعبدونه؟ فأعطوه صنما یقال له: "بل" فأتی به الی مکة فنصبه، و أخذ الناس بعبادته و تعظیمه.[5]
یذکر المسعودی:عند ما اُخرج عمرو بن عامر و أولاده من مأرب إنقسمت بنو ربیعة فنزلوا أرض تهامة. و بسبب إنقسامهم هذا قالت خزاعة: إن الخزع هو الإنقسام و الإقتطاع. حیث تولّت سدانة الکعبة و کان عمرو بن لحی هو أول من قام بتولّی سدانتها، و امّا لحی فهو حارثة بن عامر الذی غیّر دین إبراهیم(ع) و أمر الناس أن یعبدوا هذه الأوثان، و تروی الأخبار أنه قد ذهب الی الشام فرأی جماعة یعبدون الأوثان فاعطوه صنماً فوضعه علی الکعبة. و قد قویت خزاعة و راح ظلم عمرو بن لحی یشمل جمیع الناس مما حدا بأحد الجرهمییّن التابعین للدین الحنیف أن یقول لعمرو:"لا تظلم یا عمرو فی مکة لأنها البلد الحرام، فأسئل عن قوم عاد أین ذهبوا، و العمالقة الذین یملکون الاباعر هنا أین رحلوا؟ و الناس هکذا قد أهلکوا".
وضع عمرو بن لحی اصناماً کثیرة حول الکعبة فاتسعت و انتشرت عبادة الأصنام بین العرب و نسخ الدین الحنیف الّا قلیلاً ممن بقی علیها.
و لما أکثر عمرو بن لحی من نَصْب الأصنام حول الکعبة و غلب على العرب عبادتها، و انمحت الحنیفیة منهم إلا لمعاً، قال فی ذلک شحنة بن خلف الجرهمی:
یا عمرو، إنک قد أحدثت الهة ... شتى بمکة حول البیت أنصابا وکان للبیت رَبٌّ واحد أبدا ... فقد جعلت له فی الناس أربابا لتعرفنَّ بأن اللّه فی مَهَل ... سیصطفی دونکم للبیت حجابا.[6]
یقال أن عمرو بن لحی قد عمّر ثلاثمائة و خمس و اربعین سنة، و کانت سدانة الکعبة قد اشرفت علیها قبیلة خزاعة.[7]
[1]مجمل التواریخ و القصص، (کتب فی530) التحقیق، ملک الشعراء بهار، طهران، کلالة خاور، ص 189و190.
[2] طبقات الناصری تاریخ ایران و الإسلام، منهاج سراج(م بعد 658) التحقیق حبیبی، عبد الحی، دنیای کتاب، ج 1، 1363 ش، ج 1، ص 138.
[3] سورة المائدة، 103، ما جعل الله من بحیرة و لا سائبة و لا وصیلة و لا حام و لکن الذین کفروا یفترون علی الله الکذب و أکثرهم لا یعقلون.
[4] العبر تاریخ ابن خلدون، الترجمة، آیتی ، عبد المحمد، مؤسسة الدراسات و التحقیقات الثقافیة، ج 1، 1363 ش، ترجمة المتن، ج 1، ص 379.
[5] حیاة محمد(ص) نبی الإسلام، ابن هشام(م 218)، ،ترجمة ج 1، ص52، ترجمة رسولی، سید هاشم، طهران، انتشارات کتابجی، ج 5، 1375 ش.
[6] مروج الذهب،ج 1، ص 192.
[7] مروج الذهب و المعادن الجوهر، المسعودی، ابو الحسن علی بن الحسین(م 346)، الترجمة، پاینده، ابو القاسم، طهران الإنتشارات العلمیة و الثقافیة، ج 5، 1374 ش، ج 1، ص 418 و 419.