الملاحظ أن الفکر السیاسی الإسلامی استعمل مفهوم "الأرض" فی مقابل مفهوم "الإقلیم" ومفهوم "الأمة" فی مقابل مفهوم "الشعب"، وان الأرض الإسلامیة واحدة، وان الحدود الفرضیة والوضعیة العقدیة لاتأثیر لها فی تحدید هویة الکیان الإسلامی الموحد.
ثم إن هذه الأرض وفی الحالة المثلى ینبغی أن تحکم وتدار شؤونها من قبل أحد المعصومین علیهم السلام، وان حکومة الإمام المهدی (عج) العالمیة هی الحکومة الامثل فی هذا المجل.
وأما فی عصر الغیبة فإذا ما تسنى لأحد الفقهاء القیام بذلک الأمر وتوفرت له الأرضیة المناسبة وکان من مصلحة المسلمین أن تدار الأمة الإسلامیة من قبل فقیه واحد، فحینئذٍ یجب على الفقیه إدارتها کوحدة سیاسیة وکیان إسلامی موحد.
و أما إذا کانت المصلحة الإسلامیة تقتضی أن تدار الأمور من قبل مجموعة من الفقهاء کل واحد منهم یتکفل إدارة شؤون منطقته وقیادتها، فحینئذٍ ینبغی أن تدار البلاد بهذه الطریقة.
وعلى هذا الأساس یمکن القول: إن القاعدة الأساسیة الثابتة والمبنى العام والشامل للمذهب السیاسی الإسلامی هو: إن الأرض الإسلامیة ارض واحدة، ولکن ولمصالح معینة ومتغیرات موضوعیة یتم تقسیمها إلى دول متعددة أو ولایات ومحافظات، أو تدار بأی طریقة أخرى متصورة تبعاً للواقع السیاسی والظروف الموضوعیة، شریطة ان تحقق منافع المسلمین وان یؤخذ بعین الاعتبار مصلحة الإسلام والمسلمین العلیا.
تقسّم الجغرافیة السیاسیة المعاصرة العالم إلى مجموعة من الدول والبلدان التی تفصل ما بینها حدود وضعیة وعقدیة تم قبولها والإذعان بها من قبل تلک الدول، وتدار تلک الدول والبلدان من قبل حکومات خاصة، ویطلق على الأفراد الذین یعیشون فی إطار حدود الوطن ویخضعون لموازین ومقررات خاصة، عنوان "المواطنة" والمواطنین"[1] ،واما غیرهم فیطلق علیهم عنوان "الأجانب"[2]، ومن هنا نرى القوانین التی تسن فی تلک البلدان بعضها یختص بالمواطنین وبعضها الآخر بالأجانب، وهناک طائفة من المقررات والقوانین تعمّ الجمیع.
وهنا یطرح السؤال التالی: هل تحظى هذه الحدود الجغرافیة بالقبول والاقرارمن قبل الفکر الإسلامی السیاسی؟
و بعبارة أخرى: ما هی الصورة التی یرسمها الاسلام للعالم؟
فی مقام الجواب عن التساؤل المطروح لابدّ من القول: أن الإسلام یرى نفسه دیناً عالمیاً لجمیع الشعوب والبلدان وفی جمیع العصور، وإنّ العالم بأسره هو أرض الإسلام لابدّ أن تخضع لتعالیم الدین الإسلامی وتطبّق فیها مفاهیمه وتعالیمه وقیمه، وان البقاع التی اعتنقت الغالبیة العظمى من اهلها الدین الإسلامی یطلق علیها مصطلح "بلد الإسلام" او" دارالاسلام" والبقاع الأخرى یطلق علیها مصطلح "دار الکفر".
من هنا نعرف أن الحدود التی یعترف بها الإسلام هی الحدود العقائدیة وان الاعتبار للعقیدة فقط، أی الإسلام (إن الدین عند الله الإسلام)[3] .
ثمّ إن الفکر السیاسی الإسلامی وضع مفهوم "الأرض" فی مقابل مفهوم "الإقلیم"[4] ومفهوم "الأمّة" فی مقابل "الشعب"[5]. وهذا یعنی أن الإسلام لا یولی أهمیة تذکر للفوارق القومیة والعرقیة و.... ولا یعترف إلاّ بالمعتقدات. وان الأرض الإسلامیة واحدة لا تفصل بینها الخطوط والحدود الاعتباریة والوضعیة التی لا قیمة لها فی الفکر السیاسی الإسلامی، ولا تأثیر لها فی الخدشة فی هویة الکیان الإسلامی الواحد.
ثم ان هذه الأرض الإسلامیة وفی الحالة المثلى ینبغی أن تدار وتساس من قبل أحد المعصومین علیهم السلام، وان حکومة الإمام المهدی (عج) العالمیة هی الحکومة التی یتحقق فی ظلها الهدف الإسلامی السامی.
وأما فی عصر الغیبة فإذا ما تسنى لأحد الفقهاء القیام بذلک الأمر وتوفرت الأرضیة المناسبة للحکم العام والشامل وکان من مصلحة الإسلام والمسلمین أن تدار شؤون الأمّة الإسلامیة من قبل فقیه واحد، فیجب حینئذٍ على الفقیه القیام بهذه المهمة وإدارة شؤون المسلمین کافة کوحدة سیاسیة وکیان إسلامی موحد.
وأما إذا کانت المصلحة الإسلامیة تقتضی أن تدار الأمور من قبل مجموعة من الفقهاء، کل واحد منهم یتکفل إدارة شؤون منطقته التی یعیش فیها، فحینئذٍ ینبغی أن تدار البلاد بهذه الطریقة.
وعلى هذا الأساس یمکن القول إن: القاعدة الأساسیة الثابتة والمبنى العام والشامل فی الفکر السیاسی الإسلامی هو: إن الأرض الإسلامیة واحدة، ولکن قد تقتضی بعض المصالح المتغیّرة والظروف الموضوعیة أن تقسم الأرض الإسلامیة إلى دول متعددة أو ولایات ومحافظات، أو تدار بأی طریقة أخرى تکفل مصالح المسلمین تبعاً للظروف الموضوعیة.
لمزید الإطلاع انظر: هادوی الطهرانی [ولایت ودیانت] مؤسسه فرهنگی خانه خرد، [مؤسسة دارالحکمة الثقافیة]، قم، الطبعة الثانیة، 1380 هـش.