ولدت السیدة زینب (س) فی السنة الخامسة أو السادسة للهجرة فی المدینة المنورة. و نحن و ان لم نعثر على روایة معتبرة عن النبی (ص) تخص السیدة زینب (س) مباشرة، لکن الروایات التی تتحدث عن ذریة الزهراء (س) تشمل تلک السیدة الجلیلة. فقد ورثت السیدة من أبویها دروس الایمان و التقوى و الصبر و الاستقامة و التصدی للظلم و الظالمین و دروس الثورة و النهوض دفاعا عن حریم الاسلام، کما استلهمت منهم صفة الدفاع عن حیاض الامامة و الولایة و الدفاع عن مدرسة الاباء و الشهامة و الشجاعة و الایثار و الفصاحة و البلاغة.
ان ابرز حدث تاریخی یکشف عن عظمة السیدة زینب (س) هو تلک الرحلة التاریخیة التی رافقت فیها أخاها الإمام الحسین (ع) من المدینة إلى کربلاء و مع عیال الحسین (ع) من کربلاء الى الشام ثم إلی المدینة و حضورها ملحمة عاشوراء الخالدة و المواقف الرائدة التی سطرتها فی تلک الرحلة سواء ما قبل المعرکة او خلالها او احداث الاسر و کیف تصدت للدفاع عن قیم الثورة و اهدافها و فضح الظالمین بالاضافة الى حفظ العائلة و رعایة النساء و الاطفال.
ابصرت السیدة زینب (س) النور فی السنة الخامسة او السادسة من الهجرة فی المدینة المنورة، و قد سماها جدها رسول الله (س) بأمر من السماء، و هی مأخوذة مِنَ الزَّیْنَبِ، لِشَجَرٍ حَسَنِ المَنْظَرِ طَیِّبِ الرَّائِحَةِ، أو أصْلُها زَیْنُ أب.[1]
لقد تربّت هذه المرأة الجلیلة فی بیت العلم و المعرفة و غرفت من بحر أفضل المربیّین الذین شهدهم تاریخ البشریة کما تعرضت لانواع المحن و البلایا التی صیرت منها انسانة قویة و شخصیة راسخة الاقدام.
و نحن و ان لم نعثر على روایة معتبرة عن النبی (ص) تخص السیدة زینب (س) مباشرة، لکن الروایات التی تتحدث عن ذریة الزهراء (س) تشمل تلک السیدة الجلیلة؛ منها ما رواه الْبَرْقِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ جَمِیلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) هَلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): إِنَّ فَاطِمَةَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحَرَّمَ اللَّهُ ذُرِّیَّتَهَا عَلَى النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ عَنَى بِذَلِکَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَیْنَ وَ زَیْنَبَ وَ أُمَّ کُلْثُومٍ (ع).[2]
کذلک روی ان الامام السجاد خاطب عمته بالقول:" أَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ عَالِمَةٌ غَیْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَیْرُ مُفَهَّمَة"[3]
و یمکن القول ان کثرة الاحادیث بحق الحسن و الحسن علیهما السلام من بین أولاد امیر المؤمنین هو بسب کونهما إمامین؛ لکن یمکن القول إجمالا : ورثت السیدة من أبویها دروس الایمان و التقوى و الصبر و الاستقامة و التصدی للظلم و الظالمین و دروس الثورة و النهوض دفاعا عن حریم الاسلام، کما استلهمت منهم صفة الدفاع عن حیاض الامامة و الولایة و الدفاع عن مدرسة الاباء و الشهامة و الشجاعة و الایثار و الفصاحة و البلاغة.
و نحن هنا نشیر الى بعض خصائصها:
1- الایمان الراسخ
ان من أهم الخصائص التی تتحلى بها السیدة زینب (س) هی خاصیة العشق الالهی و قد اثبتت الوقائع التاریخیة و المصائب التی حلت بها، هذا العشق الذی تجلى فی شخصیتها بأحسن صوره و ابهاها، فحینما یسألها ابن زیاد فی مجلس الکوفة: کیف رایت صنع الله باخیک و اهل بیتک؟ أجابت بکل شموخ و اطمئنان: ما رایت الا جمیلا.[4] و تعلل السیدة ذلک بانه کان حرکة فی طریق الله تعالى و اداء للتکلیف؛ من هنا نراها فی أصعب الحالات و أشدها و فی تلک الصورة المأساویة تتجه الى الله تعالى و تقول عندما رأت البدن المقطع لاخیها الحسین (ع):" اللهم تقبل منا هذا القربان".[5]
و اما عبادتها فکانت بحد من الانقطاع الى الله تعالى بحیث نرى الامام الحسین(ع) یقول لها: اختاه اذکرینی فی صلاة اللیل.[6] کما روی عن الامام السجاد (ع) انه اخبر عن عمته انها لم تترک صلاتها المستحبة حتى فی أیام السبی و الاسر و لم تغفل عنها ابدا، حتى انه لما اجهدها التعب و الجوع و الضعف ادت صلاتها عن جلوس و ذلک لانها کانت تعطی حصتها من الاکل إلى الأطفال و تبقى جائعة حتى انها طوت ثلاثة ایام.[7]
2- علمها علیها السلام
کانت السیدة زینت سیدة العلم و المعرفة و الفضل فقد نهلت من المنبع الثر لجدها (ص) و لأبیها و أمها و إخوتها سلام الله علیهم ذلک المنبع المتصل بالوحی الإلهی.
فقد کانت تدّرس النساء التفسیر[8] و کان ابن عباس یعبر عنها بعقیلتنا.[9] و یکفی دلیلا على رجاحة عقلها ما اشتهر فی اوساط بنی هاشم من کونها عقیلة بنی هاشم.
بل یظهر عمق علمها و سعة معرفتها من خطبتها التی القتها فی ایام الاسر و فی مجالس متعددة امام الطواغیت والظالمین حیث یظهر ان علمها لم یکن مجرد اکتساب فقط بل کانت تعلوه مسحة الهیة و کرامة ربانیة غیبیة، و الشاهد على ذلک مخاطبة الامام السجاد (ع) لها بالقول:" یَا عَمَّةُ أَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ عَالِمَةٌ غَیْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَیْرُ مُفَهَّمَة"[10]
3- التضحیة و الفداء و الایثار
من الحوادث التی تکشف عمق الخصائص البارزة فی شخصیة العقیلة (س) هی مشارکتها فی احداث الثورة الحسینیة المبارکة من اللحظات الاولى مرورا بمرحلة الاسر و مواجهة الطواغیت و الظالمین و التی لم ینقل لنا التاریخ منها الا النزر الیسر جدا؛ فحینما رأت السیدة (س) ان من مسؤولیتها المشارکة فی الجهاد فی سبیل الله تعالى و مواجهة المنحرفین تقدمت لذلک بثبات و رسوخ و قدمت فی ذلک الغالی و النفیس و عافت الدنیا و ما فیها من الابناء و الزوج و... بل کانت مستعدة للتضحیة بنفسها الطاهرة فی هذا المجال، و هکذا اشترکت فی الثورة الحسینیة و قدمت ابناءها و تحملت ما تحملت فی هذا الطریق، و کانت عاشقة لامامها و ذائبة فی الوجود المقدس لأخیها أبی عبد الله الحسین(ع)؛ ثم تحملت من عصر یوم العاشر من محرم أعباء المسؤولیة بالکامل فوقفت امام الاعداء کالجبل الاشم لاتهزها العواصف.[11]
و لقد کان الدور الذی قامت به السیدة زینب (س) بنحو من العظمة بحیث ما زال العالم و بعد مرور قرون متمادیة على ذلک الحدث یستذکر تلک المواقف بکل اعتزاز و تقدیر حتى اصبحت فی نظر العالم المثال الاعلى للتضحیة و الإیثار من هنا نرى ان الجمهوریة الاسلامیة اعتبرت یوم ولادتها یوما للمضمدات الذی یمثل التضحیة و الایثار.
[1] القاموس المحیط، ج 1، ص 74.
[2] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 43، ص 231، مؤسسة الوفاء.بیروت.سال 1404هجری.
[3] نفس المصدر، ج 45، ص 164.
[4] المصدر، ص 115
[5] العلامة السید عبدالرزاق المقرم، مقتل الحسین، ص 379.
[6] زینب الکبرى، ص 62 - 63.
[7] ریاحین الشریعة، ج 3، ص 62.
[8] انظر: مجلة دیدار آشنا، العدد 25، السید صادق سید نجاد.
[9] سفینة البحار، ج 1، ص 558.
[10] بحارالأنوار، ج 45، ص 164.
[11] انظر: مجلة دیدار آشنا، العدد 117، لیلا ذو الفقاری، بتصرف یسیر.