و على هذا الاساس لایمکن توجیه الرأی الشیعی القائل بارتداد الانصار فی سقیفة بنی ساعدة، و الجمع بینه و بین الرأی المادح لهم و المثنی علیهم فی معرکة صفین!!
ثم کیف تجعلون علیا (ع) هو المیزان و المعیار التی تقاس به اعمال الصحابة؟!
فان قلتم: انما نقول بارتدادهم لانهم انکروا نص خلافة علی (ع).
یقال لکم: أ لیس هذا مخالف لما تقولونه من أن نص الخلافة متواتر نقله المئات من الصحابة فاین الانکار؟ فعند ما اقول: قال رسول الله (ص): "من کنت مولاه فهذا علی مولاه" و اصرح بذلک فأین الانکار؟
فان قلتم: انهم انکروا معنى الحدیث و مفهومه.
یقال لکم: من قال إن تفسیرکم – معاشر الشیعة- للحدیث حق؟ فهل أنتم أعقل و أوعى من الصحابة الذین حضروا الواقعة؟ و هل أنتم تفهمون اللغة العربیة أفضل منهم؟
الاجابة عن السؤال تقتضی التنویه الى ان السؤال قائم على فرضیتین خاطئتین هما القول بان الشیعة تکفر جمیع الصحابة و ان الانسان اذا ارتکب خطأ فی فترة من فترات حیاته لایمکن له أن یتلافى هذا الخطأ و یعالجه.
أضف الى ذلک انه عند مراجعة آیات الذکر الحکیم و امعان النظر فیها نصل الى نتیجة مؤداها أن الثناء على طائفة ما لقیامهم بعمل حسن لاینافی ذمهم فی موضع آخر لسبب آخر. و على هذا الاساس فلو أن الصحابة او بعضهم لم یعملوا بمفاد الآیة أو الروایة مع علمهم بذلک فحینئذ من حقنا ان نوجه اللوم و النقد الیهم و هذا لایتعارض مع نقلهم لها.
ثم اننا لم ننطلق فی القول بان علیا(ع) میزان الحق من نظرة عاطفیة بل استندنا فی ذلک الى صریح کلام النبی الاکرم (ص) الذی یسلم به جمیع المسلمین حیث جعل علیا (ع) میزانا للتمییز بین الحق و الباطل؛ من هنا لم نقبل سلوک بعض الانصار فی سقیفة بنی ساعدة الا ان ذلک لایعنی تکفیرهم، نعم نرى انهم – و للشدید الاسف- استعجلوا فی الامر، بل انهم لم یعملوا بمضمون الحدیث حتى بالمقدار الذی فهمتموه فی سؤالکم کما سنبن ذلک فی الجواب التفصیلی!!
علما ان الشواهد و القرائن تدل على ان الصحابة فهموا من کلمة المولى الواردة فی حدیث الغدیر معنى الخلافة و الحکومة و ادارة الامور؛ أضف الى ذلک أنه و طبقا للتعالیم القرآنیة انه من الممکن لانسان لم یدرک عصر النبی الاکرم (ص) ان یفهم القرآن افضل من المعاصرین له، فلیس من الصحیح اعتبار المعاصرة هی المعیار الصحیح لفهم القرآن الکریم و فهم الاحادیث النبویة، و لو کان هذا المعیار صحیحا فکیف یمکن ان نوجه الاختلاف الکبیر بین الصحابة فی فهم الکثیر من معانی القرآن الکریم ففی الوقت الذی نرى فیه ابن مسعود؛ مثلا یفسر الایة بنحو ما نرى غیره من الصحابة یفسرها بشکل مخالف له، و هکذا الکلام بالنسبة للاحادیث، و هذا ما تشهد به کتب التفسیر و المصنفات الفقهیة التی دونت من قبل کبار علماء المسلمین من السنة و الشیعة.
للاجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة الى مجموعة من المحاور، و هی:
1- هل یتنافى تخلف الأنصار عن مبایعة أمیر المؤمنین (ع) بعد رحیل رسول الله (ص)عن دفاع الانصار عنه فی صفین؟ و هل من الممتنع أن یغیر الانسان موقفه و یصحح ما فات منها؟
2- هل صحیح أن الشیعة تقول بارتداد الانصار و سائر الصحابة؟
3- هل أن إیمان الشیعة بولایة علی (ع) و أهل بیته منطلق من حالة عاطفیة و لا یستندون فی موالاتهم له على الدلیل و البرهان؟
4- هل کون علی (ع) میزانا یفرق بین الحق و الباطل، أمر یدعو الى الاستغراب؟
5- هل أن عدم العمل بمحتوى حدیث الغدیر و انکاره بمعنی واحد؟ و هل یوجد تلازم بین الصحبة و الفهم الصحیح للآیات و الروایات بحیث یکون فهم الصحابة هو الملاک و المعیار فی التعامل من النصوص الدینیة و لا یبقى أمام الاجیال اللاحقة الا رفع رایة التسلیم امام ذلک الفهم؟ و هل أن التفسیر الذی ذکرتموه للحدیث فهمه الصحابة ایضا و عملوا به أم لا؟
بعد ذکر تلک التساؤلات لابد من البدء بتسلیط الضوء علیها للتوصل الى حقیقة الامر:
1- یفهم من محتوى السؤال المطروح أنکم تعتقدون بان الانسان موجود غیر قابل للتغییر و التحول و أن یتخذ منهجا واحدا فی الحیاة لا یحید عنه، و اذا صدر منه خطأ أو زلل لا یمکنه أن یتدارک ذلک الامر و یصلح شأنه؛ و من هنا رتبتم الاشکال بانه کیف یمکن التوفیق بین ذم الانصار بسبب موقفهم من الخلافة و الثناء علیهم حینما تحولوا الى جبهة الامام و ساروا فی رکابه فی حروبه؟!!
فاذا کانت هذه هی رؤیتکم للامور فعلیکم الاجابة عن الکثیر من الاشکالات و التساؤلات التی تثار، منها:
اولا: الکل یعلم أنه بعد الانتصار الباهر للمسلمین فی معرکة بدر نرى الکثیر من المسلمین قد فر من ساحة المعرکة فی معرکة أحد و قد نزلت آیات من القرآن الکریم فی ذم ذلک الموقف[1]؛ الا انها عادت مرة اخرى للثناء علیهم لما اصلحوا شأنهم و صححوا الخطاء و عادوا للدفاع عن الاسلام و رسالته[2] لکن الموقف تغیر مرة اخرى فی معرکة الاحزاب و محاصرة المشرکین للمدینة حیث نجد الکثیر منهم قد زاغت ابصارهم و بلغت قلوبهم الحناجر من الخوف و منهم من حاول الفرار من ساحة المعرکة، بل منهم من اعتبر ما وعده الله و رسوله لهم ما هو الا نوعا من الغرور و الخداع.[3] و قد تعرضت سورة الاحزاب لذم هذه المواقف بصورة واضحة جدا، الا ان الموقف فی بیعة الرضوان اختلف عن سابقه[4] لکن الحالة عادت مرة اخرى فی معرکة حنین حیث فر المسلمون أمام جیوش الکفار و ترکوا رسول الله (ص) وراءهم بمعیة عدد قلیل من الاصحاب حتى نزل المدد الالهی و نصر رسوله الکریم، و مع هذا کله نجد القرآن الکریم نزل بالعفو عن الفارین[5] و....!
من هنا نرى أن الاشکال الذی اثرتموه ضد الشیعة یتوجه بعینه الى الله تعالى فلابد من البحث عن جوابه من قبل الله تعالى لماذا یثنی علیهم تارة و یذمهم أخرى؟!
الثانی: ورد فی کتب أهل السنة کاحکام القرآن للقرطبی موقف الخلیفة الثانی قبل اسلامه بضرب و شج اخته فاطمة بنت الخطاب و زوجها سعید بن زید لا لذنب الا لانهم دخلوا فی الاسلام![6] و من الواضح أن هذا الموقف من الخلیفة الثانی موقف غیر محبذ و مذموم لکنه فیما بعد صارخلیفة للنبی (ص)؛ فلماذا لاتسأل نفسک السؤال الذی طرحته ضد الشیعة کیف أصبح من یحارب المسلمین بالامس خلیفة لهم الیوم؟!!
الثالث: من المسلم به تاریخیا ان الخلیفة عثمان بن عفان حوصر فی المدینة من قبل بعض المسلمین و بعد مناوشات و اخذ و رد انجر الامر الى قتله و لم یدافع عنه لا الانصار و لا المهاجرون بالنحو المطلوب، بل ان الکثیر منهم کان فی عداد المخالفین له!!
من هنا لابد ان تسأل نفسک أی العملین الصادر من هؤلاء صحیح و یستحق الثناء هل بیعتهم له أم الثورة علیه ام ترکه یواجه مصیره لوحده حتى آل الامر الى قتله؟ فهل هناک حزازة فی أن تثنی على موقفهم الاول و تذم الموقف الثانی.
الرابع: من المعروف فی المدرسة السنیة أن أبا بکر هو اجدر الصحابة لمنصب الخلافة لکن المؤرخین کافة یؤکدون ان الانصار لم یبایعوه فی بدایة الامر و یشهد على ذلک الحوارات التی جرت فی سقیفة بنی ساعدة حیث نرى الاکثر منهم بعد السقیفة لم یبایعوه و انما بایعه فی بدایة الامر نفر منهم؛ فمن الواضح ان هذا الموقف منهم غیر مقبول من قبل مدرسة الخلفاء و لکنهم بعد ذلک عادوا لیبیاعوه و هذا العمل مقبول قطعا من قبل هذه المدرسة، فهنا نقول: أی التصریفین ترضاه؟ و هل ان الباب بقی موصدا امامهم لتصحیح ما وقعوا فیه من الخطأ حسب رأیکم؟
لاشک انک تذم الرأی الاول و تثنی على الرأی الثانی، و هذا یشبه بالکامل موقف الشیعة منهم فنحن ندین الموقف الاول و نثنی على موقفهم الثانی.
نحن نعتقد ان صحابة النبی الاکرم (ص) بما فیهم الانصار، اتخذوا طیلة حیاتهم و فی معالجة الامور مواقف متفاوتة یمکن الحکم على کل واحدة منها بحکمها الخاص المناسب لها؛ و هذا الاسلوب فی التعامل مع الامور ینطبق تماما مع الموقف القرآنی من الصحابة. و کذلک نرى الکثیر من الآیات التی تعرضت للحدیث عن بنی اسرائیل مادحة تارة و ذامة تارة اخرى[7]
المحصلة من هذا القسم من الجواب انه لامنافاة بین مدح الانصار بسبب موقف ما و بین ذمهم بسبب موقف آخر.
2- صحیح انا لم نقبل بموقف الانصار و وجهنا لهم النقد بسبب تراخیهم فی بیعة الامام (ع) الا ان هذا لایعنی اننا نقول بکفرهم و ارتدادهم عن الدین الاسلامی کما زعمتم.و لقد أجبنا عن هذه الشبهة فی اکثر من سؤال سابق.[8]
3- نحن لا ننطلق فی عقیدتنا بالائمة من الایة الثالثة و العشرین من سورة الشورى و بعض الادلة الاخرى التی تحث على حبهم، بل نحن نستند الى ادلة کثیرة محکمة و واضحة تشیر الى ولایتهم و انهم الحجة بعد الرسول (ص) ابتداء بعلی (علیه السلام) ثم یاتی من بعده الائمة (ع) و هذه القضیة یمکن ملاحظتها بسهولة من خلال الرجوع الى مصادر الحدیث و الکلام الشیعیة؛ علما ان جلّها ان لم نقل کلها مستندة الى القرآن الکریم و مصادر الحدیث السنیة.
اما بالنسبة الى السؤال المطروح بانه لماذا فرق الصحابة بین البعد العاطفی و مسالة الخلافة و انهم لم یبایعوا علیا (ع) مدة خمسة و عشرین عاما؟ هل صدر منه خلال هذه الفترة (25عاما) عمل خاص او انه حصل على فضیلة تؤهله للخلافة لم تکن عنده فی زمن النبی الاکرم (ص)؟!
لو رجعنا الى التاریخ نکتشف بوضوح ان أنه لم یسجل للامام علیه السلام فضیلة من الفضائل التی تؤهل صاحبها للخلافة لم تکن موجودة عنده فی زمن النبی الاکرم(ص)؛ فهو علیه السلام لم یشترک فی حرب و لم یتصد لامارة ولایة من الولایات و .... بل انه (علیه السلام) اکتفى بالنصح و الارشاد و التسدید بما فیه حفظ الاسلام و قیمه، و قد تحمل الکثیر و صبر حتى تتجاوز الامة الاسلامیة المحنة.
فما هو الدلیل و المبرر الذی دعا الاصحاب لمبایعة الامام (ع) و لم یبایعوا من کانوا قادة و امراء للخلفاء الثلاثة قبله؟! لیس ذلک الا لمعرفتهم بجدارته التی کان یتحلى بها فی حیاة النبی الاکرم(ص).
4-اما بالنسبة الى کونه (علیه السلام) المیزان الذی یوزن به الحق عن الباطل و تقاس الاعمال بمدى حبه و عداوته فنقول: ان هذا لیس بالامر العجیب بل هو من القضایا التی نفتخر بمثل هکذا عقیدة مستندین فی ذلک الى کلام الصادق المصدق (ص) الذی اعتبر الامام میزانا للاعمال و قد وردت هذه الاحادیث فی مصادر أهل السنة انفسهم.
أ لیس قد ورد حدیث صحیح متواتر بان النبی (ص) قال لعلی (ع): انت منی بمنزلة هارون من موسى.[9] فهل یوجد میزان اکثر اعتبارا من هارون(ع) فی فترة غیاب موسى(ع) عن قومه.
فقد روی فی صحیح الترمذی عن النبی (ص) انه قال:" رحم الله علیا، اللهم أدر الحق معه حیث دار".[10]
و قد نقل الحاکم النیسابوری الحدیث و قال انه صحیح على شرط الشیخین(البخاری و مسلم) و لم یخرجاه[11] فهل هذا الحدیث لایصحح عقیدتنا فی کون علی(ع) هو معیار الحق؟!!
أما بالنسبة لحدیث الولایة الذی ذکرتموه فی متن السؤال فنحن بالرغم من ان ما نفهمه منه خلاف ما فهمتوه منه، مع ذلک نقول: أ لا یکفی هذا المعنى الذی ذکرتموه للحدیث " من کنت مولاه فهذا علی مولاه" لیجعل علی (ع) میزانا للاعمال؟! و....
و هناک روایات مشابهة لهذه الروایات فی حق المقربین من أصحاب علی (ع)، منها ما روی عنه(ص) فی حق أبی ذر الغفاری (رض) انه قال:" مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَ لَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِی ذَرٍّ "[12] و کذلک ورد فی حق عمار بن یاسر الذی یعد من امثل اصحاب علی (ع) حیث قال (ص): " وَیْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ یَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَیَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ"[13] و قد کان ابن یاسر یدور فی فلک علی (ع) اینما دار.
فهل مع هذا کله یمکن التعجب و الاستغراب من کون أمیر المؤمنین(ع) هو المعیار و المیزان؟!!
فمن الاجدر بنا ان نعتبر – انطلاقا من هذه الروایات –الاعتقاد بکون النبی هو المعیار هی نفسها دلیلا لکون علی (ع) معیارا و میزانا بعده (ص).
5- اما بالنسبة الى سؤالکم الاخر القائل ان الصحابة قد نقلوا حدیث الغدیر ثم بایعوا علیا (ع) و هذا یکشف عن انهم فهموا الولایة فهما مغایرا للفهم الشیعی و ان الولایة تعنی الحب لا غیر؛ هذا من جهة و من جهة ثانیة بما انا لسنا فی عصر النص من هنا لایحق لنا ان نحلل الروایة بما یخالف فهم الصحابة!!
جوابه: انا تحدثنا کثیرا عن تواتر حدیث الغدیر و معنى الولایة الوارد فیه یمکن الرجوع الیها فی نفس الموقع. لکن یمکن المناقشة فی الشق الثانی من السؤال (بما انا لسنا فی عصر النص من هنا لایحق لنا ان نحلل الروایة بما یخالف فهم الصحابة!!).
نقول: ان هذا الکلام مخالف للمنطق القرآنی، فمن الملاحظ ان القرآن الکریم خاطب قریشا بالقول: " أُولئِکَ الَّذینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ وَ الْحُکْمَ وَ النُّبُوَّةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنا بِها قَوْماً لَیْسُوا بِها بِکافِرینَ"[14] و المراد من الطائفة الثانیة هم الانصار و أهل المدینة[15] و هؤلاء یختلفون مع قریش نسبا و مکانا فهم ابعد من قریش بالنسبة الى النبی الاکرم (ص).
قد یقال ان الطائفة الاولى کافرة و الثانیة مؤمنة فلا تصح المقارنة بینهما.
نقول: ان المراد من کلامنا هو اثبات عدم صوابیة التفکیر الذی یحصر فهم النص بالقرابة النسبیة او المکانیة فقط. و لو سلمنا ان هذه الایة لیست فیها دلالة على المدعى نقول ان هناک آیات اخرى تدل على ذلک حیث هناک آیات تخاطب المسلمین بانهم ان لم یعملوا بمفاد و تعالیم الایات القرانیة فان الله سیقوم باستبدالهم بقوم آخرین، منه هذه الایات:
جاء فی سورة محمد (ص) التی هی من السور المدنیة:" ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فی سَبیلِ اللَّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَ مَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّما یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اللَّهُ الْغَنِیُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أَمْثالَکُمْ"[16] و قد ذکر المفسرون من اهل السنة فی ذیل هذه الآیة روایة عن أبی هریرة انه قال: قال: لما نزلت وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أَمْثالَکُمْ کان سلمان إلى جنب رسول الله (صلى الله علیه و سلم)، فقالوا: یا رسول الله من هؤلاء القوم الذین إن تولینا استبدلوا بنا، قال: فضرب النبی (صلى الله علیه و سلم) على منکب سلمان، فقال:" من هذا و قومه، و الذی نفسی بیده لو أن الدین تعلق بالثریا لنالته رجال من أهل فارس.[17]
ثم هناک مناقشة نقضیة لکلامکم و هی: انا لو سلمنا بان ما تقولونه صحیح بان فهم الصحابة هو الفهم الراجح و ان الفهم منحصر بهم فماذا تقولون فی آراء الباحثین من کبار رجال اهل السنة فی مجالات التفسیر و العقائد و التاریخ فقد اختلفوا مع آراء الصحابة فی کثیر من الاحیان، أ لیس هذه الادعاء الذی تتدعونه یعنی سد باب العلم أمام المسلمین و تعطیل عملیة التفکیر و البحث؟!!
ثم کیف نوجه اختلاف الصحابة انفسهم فی القضایا التی منها الکلام فی ولایة أمیر المؤمنین و فهمهم لحدیث الغدیر فهناک من فهموا ان الولایة بمعناه العام و لذلک تمسکوا بولایة الامام (ع) و منهم من فهمها کما قلتم بانها الحب فقط، و هنا نسألکم ما هو المبرر لترجیح رأی صحابی على صحابی آخر عندکم.
وثالثا: هناک امور مستحدثة لم یتعرض الصحابة لفهما و الحدیث عنها فی مجالات الفقه و التفسیر و... فهل نعطلها و نتوقف عندها بحجة انا بعیدون عن عصر النص؟
بل هناک آیات و روایات فهمت فهما مخالفا للواقع العالمی فهل نتمسک بها بالرغم من مخالفتها للعقل و الواقع العلمی مثل الکلام فی آیات التجسیم و الایات التی تتحدث عن المطالب العلمیة.
و من هنا نتساءل ما هی الغرابة فی عدم العمل بالخبر المتواتر و نحن نرى بعض من نقلوا القرآن متواترا و حفظوه عن ظهر قلب لم یعملوا بصریحه؟ و هل من المستحیل ان تکون الاقوام اللاحقة اکثر فهما للقرآن و الحدیث من بعض من عاصروا النبی (ص)؟ نامل ان تطالعوا الایات و الروایات مطالعة دقیقة و تدرسوا آراء الصحابة بنحو مستوعب لتعرفوا ان ما فهمناه من الحدیث هو نفس فهم بعض الصحابة و لیس الامر کما تصورتم ان الصحابة مجمعین على تفیسر الایة بالمعنى الذی ذکرتموه؛ من هنا نرشدکم الى مراجعة الاجوبة الموجودة فی موقعنا بالاضافة الى مطالعة کتاب الغدیر للعلامة الامینی.
و فی الختام نقول: حتى لو سلمنا بتفسیر الایة بالمعنى الذی ذهبتم الیه، أ لیس من الجدیر بالصحابة المحترمین ان لایتجاوزوا علیا فی مسالة الشورى انطلاقا من هذا الحدیث الذی جعل حبه کحب النبی الاکرم(ص)؟!
فمن الثابت انه امتنع عن البیعة لفترة طویلة استمرت الى رحیل زوجته الزهراء (ع)[18] فما هو سبب هذا الامتناع عن البیعة و ما هو المبرر له؟
[1] آل عمران،153.
[2] آل عمران،172.
[3] الاحزاب، 9-16.
[4] الفتح، 10 و 18.
[5] التوبة، 25-27.
[6] محمد بن احمد القرطبی، الجامع لاحکام القرآن، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1364 ه ش، ج 11، ص 164.
[7] البقرة،47؛ المائدة13 وغیرها من الآیات.
[8] لمزید الاطلاع انظر الاسئلة التالیة: 2791 (الموقع: ) و 2792 (الموقع: 3275) و 2800 (الموقع: ) و 841 (الموقع: 1072) و 1589 (الموقع: ) و 1348 (الموقع: ).
[9] صحیح البخاری ، ج 5، ص 208، دار الفکر، بیروت، 1401 ه ق، ج 4.
[10] صحیح الترمذی، ج 5، ص 297، دار الفکر، بیروت، 1403 ه ق.
[11] الحاکم النیشابوری، المستدرک علی الصحیحین، ، ج 3، ص 125- 124، دار المعرفة، بیروت، 1406 ه ق.
[12] سنن الترمذی، ج 12، ص 279، مناقب أبی ذرک رضی الله عنه؛ ابن حجر العسقلانی، الاصابة فی تمییز الصحابة، ج 7، ص 108، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1415 ه ق.
[13] صحیح البخاری، ح2، ص234، التعاون فی بناء المسجد؛ جلال الدین السیوطی، الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1404 ه ق، ج 4، ص 371 و غیرها من المصادر المعتبرة.
[14] الانعام،89.
[15] ابو جعفر محمد بن جریر الطبری، جامع البیان فی تفسیر القرآن، ج 7، ص 175 – 174، دار المعرفی، بیروت، 1412 ه ق.
[16] محمد، 38، وانظر المائدة،54، وسورة المعارج40-41.
[17] ابو جعفر الطبری، جامع البیان، ج 26، ص 42.
[18] انظر: صحیح البخاری ، ج 5 ، ص 82 و 83 .