من صفات الله تعالى القدرة اللامحدودة و اللامتناهیة، و هذه المعلومة تم إثباتها فی الفلسفة و علم الکلام، کما صرح بذلک القرآن الکریم مرات عدیدة.
و لکن الاعتقاد و التصدیق بقدرة الله واجه إشکالات و تساؤلات منذ القدم، و أحد هذه الإشکالات ما ورد فی السؤال المتقدم، و قد طرحت هذه الإشکالات و التساؤلات فی قوالب مختلفة و صور متنوعة و لکن الجمیع ترجع إلى أساس واحد، و کلها تحتاج إلى بیان القدرة المطلقة.
و من أجل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من دراسة المحالات و أنواعها.
فالمحالات و الأمور الممتنعة تقسم إلى قسمین، من جهة معینة:
1. المحالات العقلیة، 2. المحالات العادیة.
و المحالات العقلیة على قسمین:
ألف. المحالات الذاتیة: و هی الأمور التی تستحیل ذاتاً و لا یمکن أن تتحقق من دون أن یکون لأی أمر مدخلیة أو تأثیر کاجتماع النقیضین.
ب. المحالات الوقوعیة: و هی الأمور التی لیست محالة فی ذاتها، و لکن وقوعها یستلزم المحال الذاتی، کوجود المعلول من دون علة.
و أما المحالات العادیة، فإنها الأمور التی لا یمکن وقوعها نظراً للقوانین الطبیعیة العادیة المعروفة، و لا یکون وقوعها ممتنعاً أو محالاً، مثل تحول العصا إلى حیة، و شفاء المریض دون تناول الدواء و غیرها من المعجزات التی لا یوجد بینها أمر غیر ممکن، و لکن جهلنا بعلل وقوعها الخاصة یحتم علینا حسبانها من المحالات و الممتنعات.
و قدرة الله، و أی قدرة من أی أحد و أی شیء إنما تتعلق بالممکنات، و إن المحالات خارجة عن أی قدرة أساساً، و لا تتعلق بها القدرة أیاً کان مصدرها و على هذا الأساس فالإجابة عن السؤال القائل: هل أن الله قادر على خلق مثل هذا الحجر هو القول: إن القدرة سواء کانت کبیرة أو قلیلة، متناهیة أو غیر متناهیة فإنها تتعلق بالممکنات لا بالمحالات، و هنا ما یمکن أن یقال أن قدرة الله محدودة، و لا یمکن اعتبارها لا متناهیة، و لکن لا بد من الالتفات إلى أن عدم تعلق قدرة الله بالمحالات الذاتیة و الوقوعیة لا تعد محدودیة، لأن مثل هذه الأمور لیست لها قابلیة الإیجاد. و بعبارة أخرى: إنها فی مرتبة متدنیة أدنى من أن تتعلق بها أی قدرة. و بجملة واحدة: إن النقصان هنا متعلق بالقابل لا بالفاعل.
و قد أجاب الإمام(ع) حینما سئل: "ل إن ربک قادر على أن یدخل الدنیا فی بیضة، من دون تصغر الدنیا و لا تکبر البیضة، فقال: إن الله تبارک و تعالى لا ینسب إلى العجز، و الذی سألتنی لا یکون».
من صفات الله تعالى (القدرة) و (الاستطاعة) و المراد بهذه القدرة إمکانیة إنجاز الأعمال و خلق الأشیاء و ... و من الطبیعی أنه یجب الالتفات إلى ان إرادة الفاعل بالنسبة للفاعل العاقل (مقابل القدرة الفیزیائیة التی تساوی الطاقة) لابد ان تکون مقترنة بالارادة، و علیه فالمراد بالموجود القادر فی بحث المعارف الإلهیة هو الموجود الذی إن أراد فعل و إن أراد لم یفعل، أن قدرة الله کذاته و صفاته الأخرى لا حدود لها و غیر متناهیة، و قد أثبت هذا المطلب فی علم الفلسفة و علم الکلام[1] و تشهد له الأدلة النقلیة أیضاً، و قد صرح القرآن الکریم عدة مرات بعموم القدرة الإلهیة و شمولها، کما فی قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ».[2]
و قد واجه الاعتقاد بقدرة الله المطلقة إشکالات و تساؤلات منذ القدم و من أهم هذه الإشکالات ما جاء فی مضمون السؤال المطروح فی البحث، و قد طرح (لغز القدرة المطلقة) بأشکال مختلفة، و صور متنوعة، و لکن الجمیع یرجع إلى أساس واحد، و أن أعقد التساؤلات ما نحن بصدد الإجابة عنه، حیث رأینا أن کلا الإجابتین نفیاً أو إثباتاً تنتهی بنا إلى نفی قدرة الله و محدودیتها، فقد سئل مثلاً: هل إن الله قادر على خلق موجود لا یقدر على إفنائه؟ أو ما قیل: هل إن الله قادر على خلق إله مثله؟ أو کما ورد فی بدایة البحث: هل أن الله قادر على خلق صخرة لا یقدر على تحریکها؟
و من أجل الإجابة عن هذا السؤال و حل هذا المشکل، لا بد لنا فی البدایة أن نتعرف على أنواع المحالات. و تقسم الأمور الممتنعة و المحالة إلى قسمین بلحاظ معین:
1. المحالات العقلیة. 2. المحالات العادیة.
المحالات العقلیة: هی الأمور الممتنعة المحالة التی لا مکان لتحققها بأی وجه من الوجوه، و هی على قسمین:
ألف. المحالات الذاتیة: و هی الأمور المحالة فی ذاتها و فی حد نفسها، من دون أن یتدخل أی شیء آخر کاجتماع النقیضین الذی یعد من أوضح مصادیق هذه الحالات.
ب. المحالات الوقوعیة: و هی الأمور التی لیست ممتنعة فی حد نفسها و بلحاظ ذاتها، و لکن وقوعها یستلزم المحال الذاتی (اجتماع النقیضین) کوجود المعلول من دون علة.
أما المحالات العادیة: هی الأمور التی لا یمکن وقوعها نظراً إلى القوانین الطبیعیة المتعارف علیها، و لکن تحققها لا یمتنع ذاتاً، و لا یستلزم المحال الذاتی، کتبدیل العصا الخشبیة إلى حیة، و شفاء المریض من دون دواء، و تکلم الجمادات، کل ذلک من الأمثلة على هذا النوع من المحالات، و هذه الأمور یخالف وقوعها نظام الطبیعة العادی و ما یجری فیها من قوانین و علل، و لکنها یمکن أن تتحقق من خلال علل خاصة ماورائیة لیست معروفة بالنسبة إلینا، و لذلک یمکن القول أن المحال العادی لا یعد من غیر الممکن فی حقیقته، و لکن جهلنا بالنسبة إلى علل وقوعه الخاصة جعلنا نظنه من صنف المحالات و الممتنعات.
و بعد هذا الإیضاح نعود إلى الإجابة عن السؤال:
لا بد لنا ان نعلم أن قدرة الله تعالى لا تتعلق بالمحالات الذاتیة و الوقوعیة (المحالات العقلیة) و إن هذه الأمور خارجة بشکل کلی عن دائرة القدرة بما فی ذلک قدرة الله، فی حین تدخل کل الأمور فی دائرة القدرة المطلقة و التساؤل عنها بما فی ذلک المحالات الوقوعیة و یسأل عن قدرة الله فی إیجادها و تحققها.
و یمکن القول على وجه التمثیل: إذا تأملنا فی معنى الخلق الذی یعبر عنه فی الفلسفة (بالعلیة) نجد أن الخالق (العلة) یهیمن على جمیع شؤون المخلوق (المعلول). و بعبارة أدق فإن أصل وجود المخلوق و جمیع خصوصیاته و أوصافه مرتبطة بخالقه. و على هذا الأساس فإن فرض مخلوق لا یستطیع خالقه إفناءه أو أن یحدث فیه التغییر یستلزم کون الخالق خالقاً و لیس بخالق فی نفس الوقت، و هذا هو التناقض و اجتماع النقیضین بعینه.
و بالتوجه إلى المثال، یتضح الجواب عن السؤال:
إنّ خلق حجر لا یستطیع خالقه - الله تعالى - أن یحرکه من قبیل المحال الوقوعی، و هو ممتنع، و کما قلنا فإن قدرة الله سبحانه لا تتعلق بالمحالات الوقوعیة.
و یمکن أن یقال أن نتیجة هذا الکلام ما هی إلى قبول محدودیة قدرة الله و عجزه و نقصه، و لکن لا بد من التوجه إلى مسألة مهمة و هی أن عدم تعلق قدرة الله بالمحالات الذاتیة و الوقوعیة لا تعنی العجز و المحدودیة فی القدرة الإلهیة، لأن هذه الأمور لیست قابلة للإیجاد من الأساس و من هنا فهی فی مرتبة أدنى من أن تتعلق بها القدرة. و على هذا الأساس فإن مفهوم (الشیء) لا یصدق على المحالات العقلیة فلا یکون مشمولاً بقوله تعالى: "إِنَّ اللهَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ». و بعبارة أخرى فإن النقص من جهة (القابل) لا من جهة (الفاعل)، و بعبارة فسلفیة فإن فاعلیة الله تامة فی هذا المورد، و لکن القابل (المحال العقلی) لیس له القابلیة لقبول فعل (الإیجاد و الخلق) و من أجل إیضاح المسألة من المفید التوجه إلى المثال التالی:
إن صانع الکیزان یرى أنه قادر على أن یصنع أجمل الأکواز من الطین، و لکن لو أعطی کمیة من الماء بدل الطین و طلب منه أن یصنع کوزاً من الماء، فمن الطبیعی أنه غیر قادر - مع الفرض - على صناعة کوز عادی فضلاً عن أجمل الأکواز، و لا یمکن أن یوفق لذلک و لا یمکن أن ینسب عدم التوفیق هذا إلى قلة خبرته و عدم استطاعته، فلا وجود لأی تشکیک فی إمکاناته، لأن ما بین یدیه (الماء) لیس فیه القابلیة لأن یتحول إلى کوز من الأساس، و إن صناعة کوز من کمیة من الماء أمر محال و غیر ممکن.
إذن فخلاصة الجواب بخصوص "لغز القدرة المطلقة" فی الموارد المذکورة و من جملتها إیجاد صخرة کبیرة لا یستطیع الله حملها، هی أنها أمور من جملة المحالات العقلیة، و لیست لها قابلیة التحقق و لا قابلیة تعلق القدرة فیما یخص وقوعها، و إن النقصان فی واقعه راجع إلى ذات هذه الأمور، و أما قدرة الله فلا یشوبها أی نقص أو عجز.
و من الطریف أن مثل هذه الأسئلة طرحت فی بعض الروایات، و قد تمت الإجابة عنها، و مثال ذلک ما جاء فی الروایة أن شخصاً سأل الإمام علیا (ع): هل یقدر ربک أن یدخل الدنیا فی بیضة، من غیر أن یصغر الدنیا، أو یکبر البیضة؟
فأجاب الإمام (ع):"إن الله تبارک و تعالى لا ینسب إلى العجز، و الذی سألتنی لا یکون".[3]
و یتحصل من جواب الإمام أن هذا الأمر لا یمکن أن یکون، و لا یعنی ذلک عجزاً أو نقصاً فی قدرة الله تبارک و تعالى، و إنما حقیقة الأمر هی أن مورد السؤال محال عقلی، و لذلک لیست له قابلیة التحقق و الموجودیة أساساً.