طرحت عدة اجابات عن السؤال المطروح نشیر الى اثنتن منهما فقط:
1- انه لایوجد تناقض أو تعارض بین الآیتین أبدا؛ و ذلک لان کلمة "دحا" مأخوذة من اصل "دحو" الذی لایعطی معنى الخلق، بل بمعنى التسطیح و المد، من هنا یمکن القول أن الآیة المبارکة ناظرة الى ثلاث مراحل:
الف: خلق الارض أولا.
ب: خلق السماء ثانیا.
ج: تسطیح الارض و مدها بعد خلق السماء.
2- صحیح ان کلمة " ثم" ظاهرة فی الترتیب و التأخیر الزمانی، الا ان هذا لایعنی انها فی کل الاستعمالات تعطی هکذا معنى.
من هنا نرى صاحب مجمع البیان یقول: یمکن القول بان کلمة "ثم" لاتفید الترتب و التاخیر دائما.
ان هذه الکلمة هنا غیر ناظرة الى الترتیب فی خلق السموات و الارض، فقد یجوز أیضا أن لا یکون استعمال "ثم" بمعنی" بعد" أی لایکون مراد الآیات الترتیب فی الأوقات و إنما هو على جهة تعداد النعم و التنبیه علیها و ذکرها کما یقول القائل لصاحبه" أ لیس قد أعطیتک ثم رفعت منزلتک ثم بعد هذا کله فعلت بک و فعلت" فهنا المتکلم لیس فی مقام بیان کون الاطعام هو المقدم و الاعطاء هو المتاخر بل یرید ان یعد النعم فقط التی اسداها للمخاطب.و على هذا الاساس کلمة "ثم" فی جملة " ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ" لا تعنی لزاما الترتب الزمانی، بل تعنی أیضا التأخیر فی البیان و التوالی فی ذکر الحقائق.
قبل الاجابة عن السؤال لابد من الاشارة الى مسألتین أساسیتین هما:
1- ان الاختلاف و التعارض الذی قد یبدو لاول وهلة من الایتین، نابع من وجود کلمتی "ثم" و "دحا"، و کلمة "ثم" ظاهرة فی التأخر و الترتیب، من هنا استظهر من الآیة أن خلق السماوات تم بعد خلق الارض.
کذلک کلمة" دحا" و"دحو" ترجمت فی اللغة الفارسیة بمعنى الخلق، لکن الحقیقة ان "دحو" تاتی بمعنى البسط و المد.
2- بعض المفسرین انکروا قضیة التأخیر و الترتیب فی خلق السماوات و الارض، و رأى أن ذلک ناتج من قیاس عمل الله تعالى بعمل الانسان؛ فعلى سبیل المثال نرى سید قطب فی تفسیر " فی ظلال القرآن" یقول: یکثر المفسرون و المتکلمون هنا من الکلام عن خلق الأرض و السماء، یتحدثون عن القبلیة و البعدیة.و یتحدثون عن الاستواء و التسویة. و ینسون أن «قبل و بعد» اصطلاحان بشریان لا مدلول لهما بالقیاس إلى اللّه تعالى و ینسون أن الاستواء و التسویة اصطلاحان لغویان یقربان إلى التصور البشری المحدود صورة غیر المحدود.[1]
ثم یقول فی نفس السیاق: و ما کان الجدل الکلامی الذی ثار بین علماء المسلمین حول هذه التعبیرات القرآنیة، إلا آفة من آفات الفلسفة الإغریقیة و المباحث اللاهوتیة عند الیهود و النصارى، عند مخالطتها للعقلیة العربیة الصافیة، و للعقلیة الإسلامیة الناصعة. و ما کان لنا نحن الیوم أن نقع فی هذه الآفة.[2]
لکن الحقیقة أنه لابد من الالتفات الى أن الله تعالى قد تکلم مع عباده بنفس اللغة و المفاهیم التی یفهمونها و طبقا لقواعد لغتهم التی یتعاملون بها، من هنا یکون الفهم العرفی هو الملاک و الحجة و لاعلاقة له حینئذ بالابحاث الفلسفیة و لا بالیهود و النصارى.
التقدم و التأخر فی خلق السماوات و الارض
من الواضح ان السؤال منطلق من ان کلمة "ثم" تفید الترتیب و التاخر و بما انه وردت فی قوله تعالى " ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ " فهی تعنی ان خلق السماء جاء متاخراً عن خلق الارض؛و عندما ننظر الى الآیة الاخرى نراها تقول " وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِکَ دَحاها " یعطی عکس ما جاء فی الآیة السابقة حیث یظهر منه ان خلق السماء کان متقدما على خلق الارض.
و قد اجاب المفکرون المسلمون عن الشبهة المطروحة بعدّة اجابات نشیر الى نموذجین منها:
1- انه لایوجد تناقض أو تعارض بین الآیتین أبدا؛ و ذلک لان کلمة "دحا" مأخوذة من اصل "دحو" الذی لایعطی معنى الخلق، بل بمعنى التسطیح و المد، من هنا یمکن القول أن الآیة المبارکة ناظرة الى ثلاث مراحل:
الف: خلق الارض أولا.
ب: خلق السماء ثانیا.
ج: تسطیح الارض و مدها بعد خلق السماء.
و قد ورد فی الروایة ان السؤال نفسه طرح على عمرو بن عبید و الحسن البصری فاجابا: معناه أن الله خلق الأرض قبل السماء غیر أنه لم یدحها فلما خلق السماء دحاها بعد ذلک و دحوها بسطها و مدها. و قد یجوز أیضا أن لا یکون معنى ثم و بعد فی هذه الآیات الترتیب فی الأوقات.[3]
اذن لابد من القول ان الآیة لیست فی مقام بیان خلق الارض بعد السماء؛ بل هی فی صدد الحدیث عن مد الارض و بسطها و اعدادها لتکون صالحة للحیاة بعد خلق السماء و هذا لا یمنع من کونها مخلوقا ابتداء قبل السماء.[4]
2-و ان کانت کلمة "ثم" ظاهرة فی التعقیب و التراخی الزمانی، لکن هذا لایعنی انها هکذا دائما.
یقول صاحب تفسیر مجمع البیان: یجوز أیضا أن لا یکون معنى ثم و بعد فی هذه الآیات الترتیب فی الأوقات و إنما هو على جهة تعداد النعم و التنبیه علیها و الإذکار لها کما یقول القائل لصاحبه أ لیس قد أعطیتک ثم رفعت منزلتک ثم بعد هذا کله فعلت بک و فعلت و ربما یکون بعض ما ذکره متقدما فی اللفظ کان متأخرا لأن المراد لم یکن الإخبار عن أوقات الفعل و إنما المراد التذکیر بما ذکره.[5] و انه ناظر للعد فقط.[6]
وعلى کل حال ان الله تعالى کان فی مقام الامتنان.[7]
من هنا یمکن القول: کلمة «ثم» فی الآیة لا تعنی لزاما التأخیر الزمانی، بل تعنی أیضا التأخیر فی البیان و توالی فی ذکر الحقائق.[8]
[1] سید بن قطب بن ابراهیم الشاذلی، فی ظلال القرآن، ج 1، ص 53 و 54، ناشر دارالشروق، طبع بیروت- القاهرة، عام 1412 ق، الطبعة السابعة عشر.
[2] نفس المصدر.
[3] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج1، ص: 173. ابوالفتوح الرازی، حسین بن علی، روض الجنان و روح الجنان فی تفسیر القرآن، ج 1، ص 191، ناشر بنیاد پژوهشهاى اسلامی آستان قدس رضوى، طبع مشهد، عام 1408 ق.
[4] جعفرى، یعقوب، کوثر، ج 1، ص 113.
[5] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج1، ص: 173؛
[6] نفس المصدر.
[7] انظر: محمد حسین الطباطبائی، المیزان فی تفسیر القرآن، ج1، ص: 112- 113. نشر جامعة المدرسین حوزه علمیه، قم، سنة 1417 ق
[8] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج1، ص: 149، الناشر مدرسه امام على بن ابى طالب، قم، عام 1421 ق