هذا الرجل المنسوب الیه القول هو: سلیمان بن صرد بن الجون بن أبی الجون بن منقذ بن ربیعة بن أصرم الخزاعی من ولد کعب بن عمرو بن ربیعة و هو لحی بن حارثة بن عمرو بن عامر و هو ماء السماء عامر بن الغطریف و الغطریف هو حارثة بن امرئ القیس بن ثعلبة بن مازن یکنى أبا المطرف استشهد یوم عین الوردة من أرض الجزیرة طالبا بثار الحسین (ع) فی ربیع الآخر سنة 65 من الهجرة و کان عمره یوم قتل 93 سنة.
وهو من کبار الشیعة و لم یتخلف عن الامام علی کما قال ابن سعد: لما قبض رسول الله (ص) تحول فنزل الکوفة و شهد مع علی (ع) الجمل و صفین.
واما ما نسب الیه من القول المشین فانه غیر صحیح لان الروایة التی جاءت فیها ذلک الکلام ضعیفة سندا ولاتنسجم مع شخصیة سلیمان ومعرفته بامور المسلمین فی ذلک الوقت لانه کان یعلم بوضع العراق عامة ووضع جیش الامام الحسن (ع) لانه کان فی جیش امیر المؤمنین فی صفین وعرف کیف تغیرت الحالة فی الجیش حتى قال لامیر المؤمنین(ع) کما نقل ذلک صاحب اعیان الشیعة: و أتى سلیمان بن صرد علیا أمیر المؤمنین (ع) بعد کتاب الصحیفة بصفین و وجهه مضروب بالسیف فلما نظر الیه علی (ع) قال فمنهم من قضى نحبه و منهم من ینتظر و ما بدلوا تبدیلا فأنت ممن ینتظر و ممن لم یبدل فقال یا أمیر المؤمنین اما لو وجدت أعوانا ما کتبت هذه الصحیفة أبدا.
هذه القضیة من القضایا المهمة و ذلک لان البعض یتخذها ذریعة للاساءة الى الشیعة محاولاً تصوریهم بانهم اناس لا یحترمون قادتهم و لا یخضعون لائمتهم، و هذا ما نجده واضحا فی اکثر المواقع المخالفة لمدرسة اهل البیت (ع)؛ وقد نسبت القضیة الى اکثر من شخص الا ان ما جاء فی متن السؤال من اوصاف یقصد منه هذا الرجل المنسوب الیه القول هو: سلیمان بن صرد بن الجون بن أبی الجون بن منقذ بن ربیعة بن أصرم الخزاعی من ولد کعب بن عمرو بن ربیعة و هو لحی بن حارثة بن عمرو بن عامر و هو ماء السماء عامر بن الغطریف و الغطریف هو حارثة بن امرئ القیس بن ثعلبة بن مازن یکنى أبا المطرف استشهد یوم عین الوردة من أرض الجزیرة طالبا بثار الحسین (ع) فی ربیع الآخر سنة 65 من الهجرة و کان عمره یوم قتل 93 سنة، و لذلک لابد من دراسة القضیة من عدة محاور:
الاول: بیان منزلة الامام الحسن (ع) عند الشیعة.
الثانی: دراسة هذه التهمة المنسوبة الى الرجل.
اما البحث فی المحور الاول فنکتفی بان نقول ان الامام الحسن (ع) هو الامام الثانی من الائمة المعصومین الذین اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا، و هو حجة الله على عباده و ان کلامه و فعله و تقریره حجة على العباد لایحق لاحد رفضه او التجاوز علیه.[1]
خصّه النبی( ص) و أخاه الحسین بحبٍ و حنان غامر، و رویت فی حقِّه أحادیث کثیرة، منها: قال (ص) للحسن: "اللّهم إنّی أُحبُّه، فأَحِبَّه و أحِبَّ من یُحبُّه" [2] و قال فی الحسن و الحسین (علیهما السلام): "ما ریحانتای من الدنیا" [3] و قال (ص): "الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنّة".[4]
و کان یجلس فی مجلس رسول اللّه- (ص) یحدّث فیه، و یجتمع الناس حوله، و کان إذا تکلّم أخذ بمجامع قلوب سامعیه، و ودّوا أن لا یسکت، و کان معاویة یقول لمن یرید أن یخاصم الحسن- (ع): لا تفعل فإنّهم قوم ألهموا الکلام.[5]
و کان الامام الحسن (ع) من أوسع الناس صدراً و أسجحهم خلقاً، زاهداً، عابداً، عظیم الخشوع، و کان أحد الاجواد المشهورین، حجّ خمساً و عشرین حجة ماشیاً، و النجائب تُقاد معه، و خرج من ماله مرتین، و قاسم اللّه تعالى مالَه ثلاث مرات، و کان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، و اصفرّ لونه.
و کان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبیه حروب الجمل و صفین و النهروان.
و لما استشهد الامام علی (ع)، صعد الامام الحسن (ع) المنبر، و خطب الناس، و تحدّث عن فضائل أبیه، ثم قام ابن عباس بین یدیه، فقال: معاشر الناس، هذا ابن نبیّکم، و وصیّ إمامکم، فبایعوه، فاستجاب الناس، و بادروا إلى البیعة له بالخلافة، ثم نزل من المنبر، فرتّب العمال و أمّر الأُمراء، و زاد المقاتلة مائة مائة، ثم کتب إلى معاویة بالشام یدعوه إلى الدخول فی البیعة، و ترک البغی و الشقاق، من أجل صلاح المسلمین، و حقن دمائهم، فلم یُجب معاویة إلى ذلک، بل أصرّ على المجابهة، و قاد جیشاً عظیماً، و قصد العراق، فلما بلغ ذلک الامام الحسن- (ع)، حثّ الناس على الجهاد، و سار بجیشه لملاقاة معاویة، ثم جرت أحداث بعد ذلک، لا یسع المجال ذکرها، و آل الامر بالامام الحسن (ع) إلى عقد الصلح مع معاویة اضطراراً، و قد بسط العلماء و الکتّاب البحث فی تحلیل أسباب الصلح و أهدافه، و نتائجه، فلتراجع فی مظانها[6].
و لکون هذا الصلح من القضایا المهمة فی تاریخ المسلمین، و بسبب ما أُثیر حوله من شبهات من بعض المغرضین، یحسن بنا أن نُشیر إلى ما ذکره ابن الاثیر فی الکامل، لعله یکشف جانباً من الواقع السیئ الذی أکره الامام (ع) على قبول الصلح.
قال: لما راسل معاویة الحسن فی تسلیم الامر إلیه، خطب فقال: إنّا و اللّه ما یثنینا عن أهل الشام شک و لا ندم، و إنّما کنا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر، فشیبت السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع .. ألا إنّ معاویة دعانا لَامر لیس فیه عز و لا نصفة فإن أردتم الموت رددناه علیه و حاکمناه إلى اللّه عزّ و جلّ بضبى السیوف، و إن أردتم الحیاة قبلناه، و أخذنا لکم الرضى، فناداه الناس من کل جانب: البقیة البقیة.[7] أقول: و مع هذه الروحیة المهزومة، و الرغبة عن الجهاد، و الاخلاد إلى الدنیا، کیف یتأتى للقائد أن یقتحم بهم المیادین، و یخوض غمرات الجهاد.[8]
و نحن انما ذکرنا هذه المقدمة الطویلة لاثبات عدة امور:
1- ان الشیعة تعرف امامها حق معرفته و تجله اکبر اجلال و تقدسه اعظم تقدیس.
2. ان احداث الصلح لم تکن خافیة على اصحاب الامام الحسن (ع) الکبار الذین نسبت الیهم التهمة و خاصة سلیمان بن صرد الخزاعی[9] کما هو واضح من خطاب الامام لاصحابه حیث قال لهم: "ألا إنّ معاویة دعانا لامر لیس فیه عز و لا نصفة..."، و من مشارکتهم فی الاحداث، فکیف یاترى یمکن ان تصدر منهم کلمات فیها اساءة الى امامهم ومقتداهم!
المحور الثانی:
الف: دراسة و تحلیل الروایات:
ان هذه القول نسب الى اشخاص کثیرین تارة صرح باسمائهم واخرى قالوا ان القائل بعض شیعته او رجل او اصحابه و...و من هؤلاء الذین نسب الیهم القول هو: سلیمان بن صرد الخزاعی
جاء فی شرح احقاق الحق،[10] قال الفاضل المعاصر الدکتور محمد ماهر حمادة[11]: لما بلغ سلیمان بن صرد الخزاعی تنازل الحسن (ع) و کان غائبا عن العراق وقت الصلح دخل على الحسن مع افراد من الشیعة فقال: السلام علیک یامذل المؤمنین....اما بعد فان تعجبنا لا ینقضی من بیعتک معاویة و معک مائة الف مقاتل من اهل العراق سوى شیعتک من البصرة و اهل الحجاز.[12]
ومن الملاحظ على هذا الکلام ان الدکتور محمد ماهر حمادة من المعاصرین فلا یعتمد على کلامه خاصة و ان الکلام فاقد للسند.
فان قیل انه ینقله عن کتاب الامامة و السیاسة و هو من الکتب القدیمة؟
قلنا: ان ابن قتیبة هو الاخر لایذکر سند کلامه و انما اورده بدون سند حیث قال: و "ذکروا أنه لما تمت البیعة لمعاویة بالعراق، و انصرف راجعا إلى الشام، أتاه سلیمان بن صرد، و کان غائبا عن الکوفة...".[13]
هذا من ناحیة السند، و یرد على الروایة ایضا:
1. ان متن الروایة لا ینسجم مع الواقع التاریخ فان الروایة تقول انه قال للامام الحسن (ع)" اما بعد فان تعجبنا لا ینقضی من بیعتک معاویة و معک مائة الف مقاتل من اهل العراق سوى شیعتک من البصرة واهل الحجاز" ومن الواضح ان سلیمان بن صرد یعرف جیدا ان هذا العدد لم یجتمع مع الامام امیر المؤمنین حیث نقل صاحب اعیان الشعیة کلامه مع أمیر المؤمنین (ع): و أتى سلیمان بن صرد علیا أمیر المؤمنین (ع) بعد کتاب الصحیفة بصفین و وجهه مضروب بالسیف فلما نظر الیه علی (ع) قال "فمنهم من قضى نحبه و منهم من ینتظر و ما بدلوا تبدیلا" فأنت ممن ینتظر و ممن لم یبدل. فقال: یا أمیر المؤمنین اما لو وجدت أعوانا ما کتبت هذه الصحیفة أبدا.[14]
و مع هذه المعرفة من سلیمان بواقع الامر فکیف یقول انه یوجد هذا العدد مع الامام الحسن (ع). وقد بینا ان الامام حینما استشارهم فی الحرب کلهم طلب السلم ونادوا البقیة البقیة! فمن این جاء هذا العدد؟!
2. ان کل من ترجم لسلیمان لم یذکر انه قال للامام الحسن (ع) یامذل المؤمنین، و انما ذکروه مع الاطراء و الثناء، قال السید الخوئی: لا ینبغی الاشکال فی جلالة سلیمان بن صرد الخزاعی وعظمته لشهادة[15] الفضل بن شاذان بذلک. [16]
ثم عرج السید الخوئی (قدس) على ما جاء فی متن السؤال من تهمة التخلف عن حرب الجمل، فقال: واما تخلفه عن امیر المؤمنین فی و قعة الجمل فهو غیر ثابت و لعل ذلک کان بعذر او بامر من امیر المؤمنین (ع). ثم قال (قدس): فان ما روی عن کتاب صفین لنصر بن مزاحم من عتاب امیر المؤمنین (ع) و عذله سلیمان بن صرد فی قعوده عن نصرته بعد رجوعه (ع) من حرب الجمل لایمکن تصدیقه لان عدة من رواته لم تثبت وثقاتهم فلعل القصة مکذوبة علیه کما احتمل الشیخ (قدس).[17]
قال صاحب الاعیان: کان مع علی (ع) بصفین و جعله على رجّالة المیمنة و فی أسد الغابة شهد مع علی بن أبی طالب مشاهده کلها.[18]
اضف الى ذلک ان سلیمان کان معروفا بالشجاعة و ولائه لاهل البیت (ع) فکیف یتخلف عنهم و التخلف عن الحرب اما ینشأ من الخوف او عدم الولاء و هما منتفیان عنه قطعا، و یشهد بذلک شهادته فی سبیل حب اهل البیت و قول صاحب اسد الغابة انه شهد مع علی بن أبی طالب مشاهده کلها.
3. ان کل من ترجم لسلیمان لم یذکر تلک التهمة الشنیعة فکیف یصح لنا ان ننسب ذلک لشخصیة کبیرة مثل سلیمان بن صرد الخزاعی.
هذه اجابة سریعة ذکرناها لبیان الحقیقة والتی ظهر من خلالها براءة الرجل من تلک التهمة
لمزید الاطلاع انظر: السؤال رقم 3278 (الموقع: 3589).
[1] لمزید الاطلاع فی هذه المجال انظر، السید محمد تقی الحکیم، الاصول العامة،. مبحث حجیة السنة.
[2] الشیخ عبدالقادر بدران، تهذیب تاریخ دمشق، ج 4، ص 205، بیروت، داراحیاء التراث العربی، سیر أعلام النبلاء، ج 3، ص 250 و فیه: صححه الترمذی.
[3] صحیح البخاری، ج 5، ص 27، باب مناقب الحسن و الحسین؛ سنن الترمذی، ص3770.
[4] الخطیب، البغدادی، تاریخ بغداد، 11- 90 و سیر أعلام النبلاء، ج 3، ص 251 و فیه: (صححه الترمذی) و غیرها.
[5] وفیات الاعیان، ج 2، ص 68.
[6] لمزید الاطلاع على خلفیة الصلح ومعطیاته انظر کتاب" صلح الامام الحسن" للشیخ آل یاسین، فانه من افضل الکتب التی کتبت فی هذا المجال
[7] ابن اثیر، الکامل فی التأریخ، ج 3، ص 406، (سنة 41 ه)؛ بحار الانوار، ج 44، ص 21و 22.
[8] لمزید الاطلاع انظر: موسوعة طبقات الفقهاء، لجنة التالیف فی مؤسسة الامام الصادق (ع)، ج 1، ص23-26؛ و انظر اعیان الشیعة للسید محسن الامین، الجزء الاول، ترجمة الامام الحسن (ع).
[9] سیاتی الحدیث عنها فی المحور الثانی من البحث.
[10] احقاق الحق، ج 26، ص 531.
[11] الوثائق السیاسیة و الاداریة العائدة للعصر الاموی، ص 86، طبع مؤسسة الرسالة بیروت.
[12] نقل ذلک عن الامامة و السیاسیة لابن قتیبة، ج 1، ص 260- 262.
[13] الإمامة و السیاسة، ج 1، ص 186.
[14] أعیانالشیعة، ج 7، ص 298- 300.
[15] بل تاریخ الرجل و مواقفه تشهد بذلک.
[16] معجم رجال الحدیث، ج 8، ص 271.
[17] نفس المصدر.
[18] أعیان الشیعة، ج 7، ص 298- 300.