التبلیغ یعنی إیصال الرسالة الى الجماهیر، و بما أن رسالة الانبیاء عامة و رسالة النبی الأکرم (ص) خاصة، جاءت من أجل هدایة البشریة و اخراجها من الظلمات الى النور، من هنا حظی التبلیغ بأهیمة کبیرة باعتباره وسیلة لایصال صوت الوحی الإلهی الى العباد. و یمکن الاشارة هنا الى أن طریقة التبلیغ فی الاسلام تنقسم على ثلاثة مستویات: الاسلوب الکلامی، الکتابی، العملی؛ و کل قسم یحتوی بدوره على انواع الاسالیب. فالاسلوب الکلامی یشتمل على الخطابة، مجالس العزاء، المناظرات، الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و...، و أما الاسلوب الکتبی فیتم من خلال أسلوب إرسال الکتب و الدعوات و... و هکذا الاسلوب العملی هو الآخر له أنواع کثیرة نذکرها فی الجواب التفصیلی.
التبلیغ یعنی إیصال صوت الرسالة إعتماداً على طرق مناسبة و آلات خاصة.
و قد اعتمدت جمیع الدیانات و الرسالات و المذاهب الفکریة -على مر التاریخ- التبلیغ و سیلة لایصال صوتها و استخدمت کافة السبل و الآلات المختلفة فی هذا المجال. و حظى التبلیغ بمکانة خاصة فی عالمنا المعاصر لایصال المعتقدات و الافکار المختلفة و انتشرت تلک الظاهرة انتشاراً کبیراً على جمیع المستویات و قد بذلک أصحاب المدارس الفکریة و غیرها جهوداً کبیرة لجذب الجماهیر و کسب الانصار و الاعوان و المؤیدین و....
و بما أن الرسالة الاسلامیة هی خاتمة الرسالات و أکملها، تحمل رسالة خالدة الى کافة البشریة، یکون لعنصر التبلیغ و ایصال معارفها و قیمها الى مسامع العالم - بشیراً و نذیراً- مکانة خاصة و أهمیة کبرى. و ذلک لأن الدین الاسلام دین هدایة فما لم یدرک الناس الأهداف و القیم التی تحملها الرسالة الاسلامیة لا یمکن أن تتحقق الهدایة المطلوبة، لأن الهدایة فرع المعرفة.
و یمکن الإشارة هنا الى أن طریقة التبلیغ فی الاسلام تنقسم على ثلاثة مستویات: الاسلوب الکلامی، الکتابی، العملی:
1. تنوّع اسلوب التبلیغ اللفظی "الکلامی" و اتخذ أکثر من اسلوب منها، الخطابة، الاذان، الأدعیة، تلاوة القرآن الکریم، إقامة مجالس الفرح و الاحتفالات بمناسبة الاعیاد و الایام المفرحة، و کذلک إقامة مجالس العزاء فی المناسبات الألیمة، المناظرات، الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و...
2. الاسلوب الکتابی
الف: اعتماد طریقة نشر آیات الذکر الحکیم و توزیع المصاحف و وضعها تحت متناول الجمیع، و کان لهذا الاسلوب دوره البارز فی هدایة الناس و انتشار القیم فی المجتمع، و ما زالت هذه الطریقة فاعلة حتى فی العصر الراهن، و قد أشار القرآن الکریم الى حقیقة نورانیة الکتاب المجید بقوله: "یا أَهْلَ الْکِتابِ قَدْ جاءَکُمْ رَسُولُنا یُبَیِّنُ لَکُمْ کَثیراً مِمَّا کُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْکِتابِ وَ یَعْفُوا عَنْ کَثیرٍ قَدْ جاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ کِتابٌ مُبینٌ* یَهْدی بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ یَهْدیهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقیم".[1]
ب: إعتماد اسلوب نشر الاحادیث و الحکم الباهرة التی صدرت عن النبی الأکرم (ص) و الأئمة (ع).
ج: إرسال الکتب و الرسائل.
لقد إعتمد الرسول الأکرم (ص) اسلوب بعث الرسائل منذ السنین الاولى للدعوة الاسلامیة و من تلک الرسائل رسالته الى النجاشی ملک الحبشة، فقد شرع النبی الأکرم (ص) بعد صلح الحدیبیة و الاطمئنان من عدم تعرض المشرکین له، باسلوب نشر الدعوة خارج حدود الجزیرة العربیة فأرسل الممثلین عنه فی هذه المهمة یدعون الناس الى التوحید و الدخول فی الاسلام فکتب الى الملوک و الحکام و رجال الدین المسیحی و کبار القبائل و شیوخها، و قد استمر على هذا الاسلوب حتى رحیله الى الرفیق الاعلى.[2]
3. اسلوب التبلیغ العملی:
أکد الاسلام على اسلوب التبلیغ العملی تأکیداً شدیداً و أولاه أهمیة کبرى حتى جاء فی قوله تعالى "أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُون"[3] وفی آیة أخرى " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُون".[4]
و روی عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: " کُونُوا دُعَاةَ النَّاسِ بِأَعْمَالِکُمْ وَ لَا تَکُونُوا دُعَاةً بِأَلْسِنَتِکُمْ "[5] و قد اعتمد النبی (ص) و الأئمة الاطهار (ع) هذا الاسلوب کثیراً لان من أهم خصائص المبلغ الانسجام فی شخصیته بین النظریة و التطبیق بأن یؤمن إیماناً راسخاً بما یدعو له. کذلک إعتمد النبی الأکرم (ص) و الأئمة أسلوب المعجزة و الکرامات فی التبلیغ و إثبات الحق، الأمر الذی کان له أثره الکبیر فی جذب الناس نحو الاسلام.
أضف الى ذلک هناک کثیر من الأمور التی أولاها الاسلام أهمیة کبیرة فی التبلیغ و اعتبر الالتزام بها عاملاً فاعلاً فی التأثیر و تحصیل ثمرة التبلیغ و انتشار الرسالة الاسلامیة، منها:
1. الاهتمام بعامل المکان:
لا ریب أن لعامل المکان دوره البارز فی تبلیغ المفاهیم الدینیة و ایصال کلمة الدین الى العباد. فقد کان النبی الاکرم (ص) یستغل تواجد الحجیج فی مکة المکرمة و أیام الحج للدعوة.
کذلک نجد الامام الحسین (ع) قد ألقى رحله عدة شهور فی مکة المکرمة - قبل أن یضعن الى کربلاء- و ذلک من أجل إیصال صوته الى الحجیج و یعرفهم فداحة الجرم الذی ارتکبه الامویون و خلیفتهم یزید لعنه الله.
و کان الامام الصادق (ع) یقف یومَ عرفَةَ بالموقفِ و هو ینادی بأَعلى صوته أَیُّها النَّاسُ: إِنَّ رسول اللَّهِ (ص) کان الإِمامَ ثُمَّ کان علیُّ بنُ أَبِی طالب، ثُمَّ الحسنُ، ثُمَّ الحسینُ، ثُمَّ علیُّ بن الْحُسَیْنِ، ثُمَّ محمَّدُ بنُ علیٍّ علیهم السلام ثُمَّ هَهْ (یقصد نفسه).[6]
فالامکنة المناسبة للتبلیغ کثیرة منها مکة و المسجد، و قد کان للمسجد الاثر الکبیر فی ایصال صوت الرسالة على مر التاریخ الاسلامی، فقد روی عن الرسول الاکرم (ص) أنه کان یقول: "ما جلسَ قَوْمٌ فِی مَجْلِسٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ تَعَالَى یَتْلُونَ کِتَابَ اللَّهِ وَ یَتَدَارَسُونَهُ بَیْنَهُمْ إِلَّا تَنَزَّلَتْ عَلَیْهِمُ السَّکِینَةُ وَ غَشِیَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَ ذَکَرَهُمُ اللَّهُ فِیمَنْ عِنْدَهُ. و مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ یُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".[7]
2. التبلیغ فی أزمنة خاصة
من الأمور التی ینبغی للمبلغ الناجح الاستفادة منها هی استغلال عنصر الزمن، و قد أشارت آیات الذکر الحکیم و الروایات الواردة عن المعصومین (ع) الى هذه القضیة بوضوح تام.
قال تعالى فی کتابه الکریم مشیراً الى زمن نزول القرآن المجید: " انا انزلناه فی لیلة القدر"[8]؛ فقد انتخب سبحانه و تعالى لنزول کتابه افضل اللیالی المتمثلة بلیلة القدر و فی افضل الشهور الذی هو شهر رمضان، و من المعلوم أن الامر بالاعلان عن الدعوة قد نزل بعد ثلاث سنین من بدایة البعثة المبارکة فی قوله تعالى: " فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکین".[9] و هذا یکشف عن أهمیة عنصر الزمان فی التبلیغ و الدعوة و کذلک یعنی أن الظروف لم تکن متوفرة قبل هذا الوقت للاعلان عن الدعوة و الخروج من الحالة السریة الى العلنیة فی أوساط الکفار و المشرکین.
و فی الوقت الذی کان المشرکون یصدون النبی الأکرم (ص) و أتباعه عن التبلیغ و یمنعونهم من ایصال صوت الرسالة الى الناس، کان (ص) یستغل الاشهر الحرم لیقف فی سوق عکاظ، مجنة و ذی المجاز منادیاً باعلى صوته و داعیاً الناس الى الدین الحنیف.[10] و ذلک لان المشرکین کانوا یضفون على هذه الاشهر نوعاً من القداسة فیحرمون القتال و إراقة الدماء فیها فکانت فرصة ذهبیة یستغلها النبی (ص) من دون أن یتعرض هو و أصحابه للاذى و المضایقة.
3. اسلوب البدء بذکر اسم الله تعالى
بما أن المؤثر الحقیقی فی کل عمل هو الله تعالى و أنه هو الموفق للسداد و الرشاد فیکون نجاح کل عمل مرتبطا به تعالى، من هنا ینبغی أن یبدأ الکلام باسمه تعالى الذی هو افضل الاسماء، الأمر الذی یضفی على العمل دعما معنویاً کبیراً. فلا غرابة أن وجدنا أن أول آیة نزلت على النبی الاکرم (ص) بدأت باسم الله تعالى " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذی خَلَق".[11]
4. الاتصال بالوحی الالهی
لا ریب أن کلام البشر مهما بلغ المتحدث من قوة بیان و قدرة علمیة سوف یقع فی الخطأ لا محالة الا اذا کان على ارتصال بالوحی الالهی و یسدد من قبل الله تعالى، فعلى المبلغ ان یتمسک بهذا الحبل و ینطلق فی حرکته مما أوحاه الله تعالى الى نبیّة الکریم و هذا ما یعبر عنه بالصراط المستقیم " فَاسْتَمْسِکْ بِالَّذی أُوحِیَ إِلَیْکَ إِنَّکَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقیم".[12]
فتبلیغ کلام النبی الموحى الیه من ربه یعنی تبلیغ المادة الخالصة من الهوى و النفس و... " وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحى".[13]
5. اعتماد الدلیل و البرهان و الابتعاد عن طرح المواضیع الرخوة و التی تخالف المنطق و الذوق الانسانی.
و لقد کان القرآن الکریم یعتمد فی کثیرة من آیاته اسلوب المحاجة بالبرهان و الاستدلال المنطفی و یکذلک یدعو أتباعه الى هذا المنهج " ادْعُ إِلى سَبیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتی هِیَ أَحْسَن".[14] و یرشدهم الى الابتعادات عن المهاترات و السباب کما فی قوله تعالى " وَ لا تَسُبُّوا الَّذینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْم".[15] بل نراه یطالب المخالفین بان یاتوا بالدلیل و البرهان على ما یدعونه " قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقینَ".[16] و " فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَکُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُون".[17]
6. الترغیب
عندما حث القرآن الکریم الناس على الانفاق قرنه بالبشارات الکثیرة " مَثَلُ الَّذینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فی سَبیلِ اللَّهِ کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فی کُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ یُضاعِفُ لِمَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلیمٌ* الَّذینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فی سَبیلِ اللَّهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُون".[18]
و لما رغب الناس فی مکان آخر على العمل الصالح و إقامة الصلاة قال عز من قائل: " إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُون".[19]
7. الترهیب و الانذار
لقد رغب القرآن الکریم بالاعمال الصالحة و حذر من القبائح و الاعمال المشینة. و لعل من أبرز الهدایات النبویة هی تحذیر الناس من اتباع الهوى و الخضوع لمیول النفس و قد ذکرت الآیات الکثیرة ما یرتقب الکافرین و المذنبین من العذاب فی عالم الآخرة "إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدیدٌ وَ اللَّهُ عَزیزٌ ذُو انْتِقامٍ".[20]
8. عدم الخشیة فی تبلیغ الرسالة و التعالیم الدینیة
لقد حث القرآن الکریم المبلغین الاسلامیین على عدم الخشیة الا من الله تعالى کما فی قوله تعالى " الَّذینَ یُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَ یَخْشَوْنَهُ وَ لا یَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَ کَفى بِاللَّهِ حَسیباً".[21]
؛ن الالتزام بهذه التوصیات القیمة التی وردت فی القرآن الکریم و أحادیث المعصومین (ع) و الاقتداء بهم یعد عاملاً مهماً و واقعیاً فی نشر الدین الإسلامی الحنیف و یعد وسیلة ناجحة فی التبلیغ الصحیح.
[1] المائدة، 15-16.
[2] طبری، ابن جریر، تاریخ الطبری، ج2، ص 882، تحقیق نخبة من العلماء الاجلاء، مؤسسه الاعلمی بیروت.
[3] البقرة، 44.
[4] الصف، 2، و انظر: القرآن و التبلیغ للشیخ محسن قرائتی، نشر دروس من القرآن الکریم.
[5] بحار الأنوار ج : 5 ص : 198.
[6] الکلینی، محمد بن یعقوب، فروع الکافی ، ج 4،ص 466، دار الکتب الاسلامیة، طهران.
[7] النوری الطبرسی، حاج میرزا حسین ، مستدرک الوسائل ، ج 3، ص 363 ، مطبعة اسلامیة، طهران.
[8] القدر،1.
[9] الحجر، 94.
[10] انظر: آیة الله السبحانی، جعفر، فروغ ابدیت ، ج 1 ، ص 326، انتشارات هدف، 1360 شمسی.
[11] العلق، 1.
[12] الزخرف،43.
[13] النجم، 3-4.
[14] النحل، 125.
[15] الانعام، 108.
[16] البقرة، 111.
[17] القصص، 75.
[18] البقرة، 261-262.
[19] البقرة، 277.
[20] آل عمران، 4.
[21] الاحزاب، 39.