ان هذا الباب یشتمل على اربعة احادیث لم یصحح السید البهبودی أیا منها. و ذهب المجلسی الى تضعیف الحدیثین الاول و الثانی و قال إن الحدیث الثالث حسن و الرابع مجهول. و من هنا لایوجد دلیل على نصب الائمة. کذلک اعتبر المجلسی الحدیث الاول من الباب هو القسم الاخیر من الحدیث السادس من الباب 122 الذی قطعه الکلینی و الحدیثان الاول و الثانی من هذا الباب منقولان عن أبی الجارود الذی تحدثنا عنه سابقا. و ان الحدیثین المذکورین لاینسجمان مع الحدیث الثالث من هذا الباب؛ و ذلک لانه ورد فی الحدیثین أن الامام الحسین (ع) أعطى وصیته الى بنته فاطمة و لکن فی الحدیث الثالث إنه اودعها عند أم سلمة!
اما الحدیث الثالث فاللطیف أنه اعتبره حسنا بالرغم من أن الراوی له "سیف بن عمیرة" الملعون من قبل الائمة!
و اما الراوی الثانی للحدیث فعلی بن الحکم فقد تحدثنا عنه سابقا فی ص 245.
أما الحدیث الرابع فقد روی فی نسخة صفوان المذکور و لا یوجد فی نسخ الکافی الاخرى و الأنسب ان ینقل هذا الحدیث فی الباب التالی.
و فی باب الاشارة و النص على أبی جعفر:
ففی هذا الباب توجد اربعة أحادیث قال المجلسی بمجهولیة الاول و الثانی منها و ضعف الثالث و ضعف السند الاول للحدیث الرابع و وثق السند الثانی؛ اما السید البهبودی فذهب الى ضعف جمیع الاحادیث الاربعة.
یقول المجلسی فی خصوص سند الروایة الاولى من البعید ان یروی الخلف الثالث للسجاد(ع) عن الامام الباقر.
و الحدیثان الاولان یقولان انه عند حلول وفاه الامام علی بن الحسین (ع) اعطى الصندوق و غیره الى الامام الباقر!! فمن الطبیعی ان الانسان اذا اقتربت منه الوفاة ان یودع الاشیاء التی یملکها عند ولده الامین، فلیس من المستغرب ان یودع الامام السجاد الصندوق و الکتب عند ولده الباقر!! و لایمکن بحال من الاحوال ان یدل هذا الفعل على النص الالهی على إمامة الامام الباقر التی اراد الکلینی اثباتها. اضف الى ذلک ان النبی الاکرم (ص) کان أمیاً فکیف دون کتابا؟ و هنا یثار السؤال ما هی نوعیة هذه الکتب التی لم یطلع علیه احد طوال التاریخ الا بعض الرواة المجهولین و الضعفاء؟!!
و اما الحدیثان الاخیران من هذا الباب ففیهما: إِنَّ الْوَالِیَ کَانَ بَعْدَ عَلِیٍّ الْحَسَنَ وَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَیْنَ وَ بَعْدَ الْحُسَیْنِ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ وَ بَعْدَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ. و هذا الادعاء لایثبت نظریة النص على الائمة من قبل الله تعالى. هذه هی الاشکالات التی اثیرت فی الکتاب المذکور الرجاء بیان الرد علیها.
ان مستند الاعتقاد بالنص على الائمة المعصومین (ع) لاینحصر فی ابواب الاشارة المرویة فی الکافی، بل ان هذه العقیدة الشیعیة تستند الى ادلة کثیرة بعضها رویت فی مصادر أهل السنة أیضاً. اضف الى ذلک ان الکثیر من الاشکالات التی طرحت یمکن الرد علیها بإجابة متقنة و منطقیة سوف نتعرض لها فی الجواب التفصیلی.
قبل الاجابة عن الاشکالات المطروحة هنا لابد من الاشارة الى ان صاحب الکتاب المذکور- المجتهد عندکم- قد اجتهد فی امور لایرتضیها کل من الشیعة و السنة على السواء .
و مع ذلک سوف نشیر الى الشبهات التی طرحها و نتعرض لردها نأمل أن تنظروا الیها نظرة موضوعیة بعیدا عن الاحکام المسبقة؛ من هنا نلفت نظرکم للامور التالیة:
إن اسلوبه فی نقد الکتب الروائیة بنحو یوحی للقارئ غیر العارف بالمتون الحدیثیة أنه لایوجد فی ذلک الباب الا تلک الروایات التی یذکرها و أنه لایوجد أی دلیل لاثبات عناوین الفصول الاساسیة للباب المبحوث عنه ثم یشرع فی خلط الحق بالباطل لسلب الاعتبار العلمی عن الروایات الموجودة ثم یخلص الى نتیجة مؤداها عدم صحة المعتقد الشیعی فی هذا الباب!!!
و ما ورد فی متن السؤال من اشکالات لایخرج عن هذا المنهج الملتوی، حیث یسعى أولا لجر ذهنیة المخاطبین الى الجهة التی یوحى الیهم من خلالها أن مستند الشیعة منحصر فی ما ذکره فقط، و کأنه لایوجد فی کتاب الکافی و غیره غیر تلک الاحادیث التی تثبت امامة الامامین الرابع و الخامس (علیهما السلام)!
ثم یبنى على هذه الفرضیة لیثبت ضعف الروایات المستند الیها.
و لاشک ان هذا المنهج و هذا النوع من الاستدلال باطل من جهتین:
اولاً: ان الروایات فی هذا المجال غیر منحصر بما ذکره فقط.
ثانیا: حتى فی هذه الموارد الکثیر من استدلالته غیر صحیحة و لایمکن التسلیم بها.
من هنا نرى من المناسب ان نقسم الرد على تلک الشبهات المذکورة الى ثلاثة محاور:
1- هل أن کتاب الکافی هو الکتاب الوحید الذی یثبت حقانیة عقائد الشیعة و التی منها اثبات إمامة الائمة (علیهم السلام)؟
2- هل ان ما ذکره الکلینی فی الکافی لاثبات النص على الائمة من قبل الله تعالى منحصر فی تلک الروایات التی تعرض لها صاحب الکتاب؟
3- ما هی القیمة العلمیة لتلک الاشکالات التی طرحها المؤلف؟ و هل تتصف تلک الاشکالات بالمنطق العلمی و المنهج الاستدلالی المستحکم؟ او ان تلک الشبهات قابلة للرد و المناقشة؟
المحور الاول:
1- ان المذهب الشیعی تضرب جذوره فی اعماق التاریخ الاسلامی فقد کان قائما قبل ان یؤلف کتاب الکافی مئات السنین؛ اضف الى ذلک انه صحیح ان کتاب الکافی من الکتب الشیعیة المهمة لکن من السذاجة حصر مصادر الشیعة التی یعتمدونها بهذا الکتاب فقط! بل لانحتاج الى اثبات عقیدتنا فی النص على الائمة من نفس المصادر السنیة المعتبرة الا الى بعض المقدمات البسیطة، فضلا عن المصادر الشیعیة المملوءة بالاحادیث و الروایات فی هذا المجال.
فمن هذه المقدمات المستفادة من کتب أهل السنة:
المقدمة الاولى: لقد صرح النبی الاکرم (ص) بانه قد اودع فی الامة ثقلین مهمین لصیانة الامة من الانحراف حیث قال: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله و عترتی أهل بیتی ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا.[1]
المقدمة الثانیة: لقد تکرر عن النبی الاکرم (ص) انه قال ان الخلفاء من بعدی اثنا عشر خلیفة. و قد نقل ذلک فی الاحادیث و المسانید و الصحاح المعتبرة عند اهل السنة.[2] و قد افرد الامام احمد الذی یعد من کبار محدثی أهل السنة و المعاصر لبعض الائمة عددا من الصفحات لهذا الحدیث[3] و من تلک الروایات التی نقلها احمد:
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: کُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَ هُوَ یُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ یَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ) کَمْ تَمْلِکُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ خَلِیفَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَا سَأَلَنِی عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ قَبْلَکَ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ وَ لَقَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ سَلَّمَ) فَقَالَ اثْنَا عَشَرَ کَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِی إِسْرَائِیلَ.[4]
اللطیف فی الامر ان احمد بن حنبل قد روى ذلک قبل الکلینی بعشرات السنین و توفی فی زمن الامام العاشر من ائمة الشیعة.
المقدمة الثالثة: لقد اضطرب کلمة علماء أهل السنة فی تحدید مصادیق هذا الحدیث و انه على ای خلیفة ینطبق و منه هؤلاء الاثناء عشر خلیفة بحیث یدرک کل منصف ان تلک التطبیقات غیر صحیحة الا على مذهب الشیعة الامامیة التی تحدد مصادیق الحدیث بائمة اهل البیت (علیهم السلام).
و على هذا الاساس لاحاجة للمصادر الشیعیة لاثبات النص على الائمة من أهل البیت بل یکفی اثباتها من المصادر السنیة المعتبرة.
اما المرحلة الثانیة لابد من القول فیها ان النص على الائمة لاینحصر فی کتاب الکافی بحیث لو لم تثبت فی کتاب الکافی لانخدشت عقیدة الشیعة فی الامامة؛ فان هناک مصادر شیعیة اخرى نقلت ما یثبت ذلک فعلى سبیل المثال روى صاحب قرب الاسناد و الذی هو مشایخ الکلینی الروایة التالیة: عن أبی بصیر عن أبی الحسن الماضی (ع) قال دخلت علیه فقلت له جعلت فداک بم یعرف الإمام قال بخصال أما أولاهن فشیء تقدم من أبیه فیه و عرفه الناس و نصبه لهم علما حتى یکون حجة علیهم لأن رسول الله (ص) نصب علیا (ع) علما و عرفه الناس و کذلک الأئمة یعرفونهم الناس و ینصبونهم لهم حتى یعرفوه و یسأل فیجیب و یسکت عنه فیبتدئ و یخبر الناس بما فی غد و یکلم الناس بکل لسان فقال لی یا أبا محمد الساعة قبل أن تقوم أعطیک علامة تطمئن إلیها فو الله ما لبثت أن دخل علینا رجل من أهل خراسان فتکلم الخراسانی بالعربیة فأجابه هو بالفارسیة فقال له الخراسانی أصلحک الله ما منعنی أن أکلمک بکلامی إلا أنی ظننت أنک لا تحسن فقال سبحان الله إذا کنت لا أحسن أجیبک فما فضلی علیک ثم قال یا أبا محمد إن الإمام لا یخفى علیه کلام أحد من الناس و لا طیر و لا بهیمة و لا شیء فیه روح بهذا یعرف الإمام فإن لم تکن فیه هذه الخصال فلیس هو بإمام.[5]
فمن الملاحظ ان القول بالنص على الائمة قد ذکرت فی کتب قبل أن یؤلف الکافی.
2- مع ذلک کله، لو افترضنا جدلا ان الشیعة لاتمتلک الا کتاب الکافی و ان الروایات التی ذکرتموها مخدوشة؛ مع ذلک کله لایضر ذلک بعقیدة الشیعة فی النص على الائمة؛ و ذلک لأن الروایات الواردة فی هذا المجال لاتنحصر فی تلک الروایات التی ذکرت، بل هناک ابواب و روایات کثیرة اخرى فی هذا الصدد فی نفس کتاب الکافی تؤکد منصوبیة الائمة بصورة کلیة و من دون الخوض فی الاشارة الى کل إمام على حدة، فعلى سبیل المثال یمکن مراجعة الابواب التالیة:
الف: بَابٌ فِی أَنَّ الْأَئِمَّةَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى خَلْقِهِ. و قد ذکر فی الباب خمس روایات.[6]
ب: بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ وَ خَزَنَةُ عِلْمِهِ. ذکر فیه ست روایات.[7]
ج: بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) خُلَفَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی أَرْضِهِ وَ أَبْوَابُهُ الَّتِی مِنْهَا یُؤْتَى . ذکر فیه ثلاث روایات.[8]
د: بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) نُورُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل. ذکر فیه ست روایات.[9]
هـ: بَابٌ فِی أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ وَ أَوْرَثَهُمْ کِتَابَهُ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع). ذکر فیه اربع روایات[10] و ....
أضف الى ذلک انه قد ورد فی الکافی باب کبیرة و ذکر فیه عشرین روایة تحت عنوان: بَابُ مَا جَاءَ فِی الِاثْنَیْ عَشَرَ وَ النَّصِّ عَلَیْهِمْ (ع )[11] و هذا نفس المحتوى الذی بینته المصادر السنیة و أکدته.
و من الجدیر بالذکر انه قد وردت روایات فی نفس کتاب الکافی تدل على امامة الامامین الرابع و الخامس اما بالتصریح او الملازمة و لاینحصر ذلک فی الروایات التی ذکرت فی متن السؤال، بل هناک روایات اخرى فی الکافی و فی ابواب اخرى تدل على ما ذکرناه و منها: عَنْ سُلَیْمِ بْنِ قَیْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ وَصِیَّةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع) حِینَ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ (ع)... قَالَ لابْنِهِ الْحَسَنِ (ع) یَا بُنَیَّ أَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَنْ أُوصِیَ إِلَیْکَ ... وَ أَمَرَنِی أَنْ آمُرَکَ إِذَا حَضَرَکَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى أَخِیکَ الْحُسَیْنِ (ع) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَیْنِ (ع) فَقَالَ: وَ أَمَرَکَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِکَ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ بِیَدِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ (ع) ثُمَّ قَالَ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ وَ أَمَرَکَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِکَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ.[12]
ان الکلینی لم یذکر هذه الروایة فی الباب الخاص بها و هو باب النص على الامام السجاد(ع) و لعل ذلک یعود الى ان النص على الائمة کان من المسلمات عنده فلم یر ضرورة لنقل جمیع الروایات؛ اضف الى ذلک الى القرائن الاخرى التی یؤکد إمامته کبقاء الإمام الرابع حیا فی بعد احداث کربلاء و المقام العلمی السامی للإمام الخامس (علیه السلام) الامر الذی سلم به المنصفون من أهل السنة.
مع هذا کله لابد من الالتفات الى أن الشیعة لم تدع أن النص على جمیع الائمة کان بمستوى وضوح النصوص الدالة على إمامة الامام امیر المؤمنین (ع) کحدیث الغدیر التی شهدها جمع غفیر من المسلمین، بل ربما تعرض هؤلاء العظام الى الضغوط الکبیرة من قبل الحکام فکانت حیاتهم و حیاة شیعتهم فی خطر مما ادى الى عدم الاجهار بالنص على الامام التالی و انما یذکر ذلک لخاصة اصحابه، و تارة یعتمد اسلوب الاخفاء و التشویش حیث تتم الوصیة لاکثر من واحد و ذلک من اجل حفظ حیاة الامام من الخطر. ثم توکل عملیة التعریف بالامام فی الاوساط الشیعیة بصورة تدریجیة الى صحابته الخاصین به.
و توجد فی هذا المجال روایات کثیرة نشیر الى نموذج منها:
أتى أعرابی إلى أبی حمزة الثمالی فسأله خبرا، فقال: توفی جعفر الصادق. فشهق شهقة و أغمی علیه، فلما أفاق قال: هل أوصى إلى أحد؟ قال: نعم أوصى إلى ابنه عبد الله و موسى و أبی جعفر المنصور. فضحک أبو حمزة و قال: الحمد لله الذی هدانا إلى المهدی.[13]
3- فی هذه المرحلة نشرع فی بیان الاشکالات التی ذکرها المؤلف حول الروایات التی وردت فی متن السؤال.[14]
3-1: ان سیف بن عمیر من الرواة ترجم له السید الخوئی قائلا: قال النجاشی سیف بن عمیرة النخعی عربی، کوفی، ثقه. له کتاب یرویه جماعة من اصحابنا. ثم قال السید الخوئی: کلمة "ثقة" فی عبارة النجاشی غیر موجودة فی بعض النسخ لکنها موجودة فی نسخة ابن داود من القسم الاول و السید التفریشی و الموالى عنایة الله القهبائی و کذلک الخلاصة على ما نقل عنه المیرزا فی رجاله الکبیر.
و قال الشیخ الطوسی: سیف بن عمیرة ثقة کوفی نخعی عربی له کتاب.
و قال ابن شهر آشوب فی المعالم: سیف بن عمیرة ثقة من اصحاب الکاظم واقفی.
ثم قال السید الخوئی: قد عرفت ان سیف بن عمیرة من اصحاب الصادق و الکاظم (ع) و لم یذکر احد انه ادرک الرضا(ع) فضلاً عن التعرض لکونه واقفیا؛ فما فی المعالم انه واقفی من سهو القلم او من غلط النساخ.هذا اولاً.
و ثانیاً:انه نسب الى الشهید الثانی تضعیف سیف بن عمیرة؛ و لا وجه لذلک لا توهم انه کان واقفیا و قد عرفت الحال فی ذلک، على ان الوقف لاینافی الوثاقة فالتضعیف باطل جزما.[15] و قد روى الکثیر من الاحادیث منها مائة و خمسون فی الکافی وحده. اما روایة اللعن المذکورة فلم نعثر علیها.
اما بالنسبة الى أبی الجارود فقد ترجم له السید الخوئی و ذکر آراء العلماء فیه و بعد استعراض الروایات الذامة له قال: هذه الروایات کلها ضعیفة؛ على انها لاتدل على ضعف الرجل و عدم وثاقته. ثم خلص (قدس) الى القول: بان الرجل ثقة حیث قال: فالرجل ثقة لشهادة الشیخ المفید فی الرسالة العددیة بانه من الاعلام و الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتیا و الاحکام الذین لایطعن علیهم و لاطریق الى ذم واحد منهم. و یؤید ذلک ما عرفته من ابن الغضائری من اعتماد الاصحاب على ما رواه محمد بن بکر الارجنی عن زیاد بن المنذر أبی الجارود.[16] و کذلک قال العلامة فی رجاله ان اکثر روایاته معتبرة.[17]
اما علی بن الحکم: فهو اسم لشخص واحد و قد ذکر تارة باسم علی بن الحکم واخرى باسم علی بن الحکم الانباری وثالثة باسم الزبیری و فی بعض الاحیان عبر عنه بالکوفی لم یرد قدح فی واحد منهم بل قال الشیخ الطوسی فی فهرسته ص87: علی بن الحکم الکوفی ثقة جلیل القدر له کتاب.[18].
3-2: ورد فی متن السؤال أن الامام الحسین (ع) أعطى وصیته لابنته فاطمة و فی حدیث آخر أعطاها لام سلمة فکانت هی الوصیة، و من هنا ذکرتم أن الحدیثین متعارضان!
و فی مقام الاجابة نثیر سؤالین:
الاول: هل یوجد فی الروایات ما یدل على تعارض مضمون الوصیتین؟!
ثانیا: هل من المستحیل أن توزع مجموعة من نسخ الوصیة الواحدة على عدد من الافراد، الامر الذی یکشف عن اهمیة تلک الوصیة؟ خاصة اذا لم یوجد دلیل على التعارض بینهما فی المضمون. فمن هنا لایضر توزیع عدد من النسخ المتشابة فی المضمون على اکثر من شخص و لاتعارض فی البین أبداً.
3-3: اما بالنسبة الى الروایة الرابعة فقد اشکل علیها بانها لم ترد الا فی نسخة صفوان.
و هذا الاشکال لاقیمیة له من الناحیة العلمیة لان عملیة التدوین فی العصور السابقة کانت تمارس بصورة النسخ و الکتابة الیدویة فکان من الطبیعی جدا ان یغفل احد النساخ من تدوین روایة او فقرة من الفقرات و هذا الامر طبیعی جدا، و من هنا نرى المحققین من اجل الاطمئنان على صحة الکتاب یراجعون اکثر من نسخة و یقومون بعملیة مطابقة بین نصوص النسخ المختلفة.
و من هنا توجد قاعدة عند الاصولیین مفادها: تقدم أصالة عدم الزیادة على عدم النقیصة.[19] بمعنى اذا دار الامر بین کون الناسخ زاد من نفسه ام لا الاصل عدم الزیادة و الطبیعی ان الکتاب ینقصون من الکتابة سهوا لایزیدون فیها خاصة اذا کانت الزیادة روایة او فقرة تامة غیر موجود فی الکتاب.
اما قوله الافضل ان توضع تلک الروایة فی الباب التالی.
نقول: ان التأمل فی الروایة یکشف ان الروایة تدل على امامة الامامین السجاد و الباقر (علیهما السلام) و من هنا لا ضرورة لذکرها فی الباب التالی.
3-4: اشکل على الروایة الاولى من باب النص على إمامة الامام الباقر (غ) بان الفاصلة الزمنیة بین الراوی و الإمام کبیرة و من المستبعد ان یروی عن الامام مباشرة!
من الواضح ان هذا الاشکال أورده العلامة المجلسی فی کتابه مرآة العقول؛ الا ان ذلک لایعنی الغاء قیمة الروایة بالکامل بل اقصى ما یثبته هو ان تتحول الروایة الى مرفوعة و الحدیث المرفوع قد یکون صحیحا أو حسنا أو موثقا و قد یکون ضعیفا؛ و هذا ما تعرض له اصحاب الفن و الاختصاص فی هذا الباب[20] .
3-5: ام بالنسبة الى الروایتین الاولى و الثانیة من باب النص على إمامة الامام الباقر (ع)؛ فصحیح انه من المتعارف ان الانسان یضع الاشیاء العائدة الیه و التی ذات قیمة عند ولده الامین، الا انا لانسلم ان ذلک من الامور الطبیعیة عند الائمة و ذلک لان المتعارف فی الوسط الشیعی ان للوصیة دلالة خاصة اوجبتها قضیة الامامة نفسها حیث یتلقى المجتمع الشیعی الایداع المذکور بمثابة النص من قبل الامام السابق على اللاحق. بل ان ذلک التلقی لم یختص بالوسط الشیعی بل له مشابه عند الاقوام الاخرى فعلى سبیل المثال تابوت بنی اسرائیل الذی کان مودعا لدى الخاصة منهم، و قد اشار الى ذلک القرآن الکریم بقوله "وَ قالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ آیَةَ مُلْکِهِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ التَّابُوتُ فیهِ سَکینَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ وَ بَقِیَّةٌ مِمَّا تَرَکَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِکَةُ إِنَّ فی ذلِکَ لَآیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنینَ"[21]
و من هنا ورد فی الروایة: لَمَّا حَضَرَ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ (ع) الْوَفَاةُ قَبْلَ ذَلِکَ أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْ صُنْدُوقاً عِنْدَهُ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ احْمِلْ هَذَا الصُّنْدُوقَ. فَلَمَّا تُوُفِّیَ جَاءَ إِخْوَتُهُ یَدَّعُونَ مَا فِی الصُّنْدُوقِ فَقَالُوا: أَعْطِنَا نَصِیبَنَا فِی الصُّنْدُوقِ. فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا لَکُمْ فِیهِ شَیْءٌ، وَ لَوْ کَانَ لَکُمْ فِیهِ شَیْءٌ مَا دَفَعَهُ إِلَیَّ.[22] کذلک روی أن الامام السجاد (ع) الْتَفَتَ إِلَى وُلْدِهِ وَ هُوَ فِی الْمَوْتِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ هَذَا الصُّنْدُوقُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى بَیْتِکَ قَالَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ یَکُنْ فِیهِ دِینَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ وَ لَکِنْ کَانَ مَمْلُوءاً عِلْما.[23] و من هنا لایمکن اعتبار اعطاء الصندوق امرا طبیعیا و لایمکن اعتباره قضیة متعارفة حیث لایمکن القول بان حال الائمة حال سائر الناس فی الوصیة.
3- 6: اشکل على کتاب النبی (ص) بانه کان أمیّاً فکیف یستفید من الکتاب!!
نقول: انه قد تواتر فی الروایات الشیعیة ان المراد من کتاب النبی الاکرم (ص) هو املاء رسول الله و بخط علی (ع).[24] و لاریب انه لم یغب عن ذهن صاحب کتاب" عرض اخبار الاصول على القرآن و العقول" ان النبی الاکرم (ص) کان یملی الایات و السور النازلة علیه على کتبة الوحی باعتبار ان النبی کان أمیّا لایقرأ و لایکتب و قد أشارت القرآن الکریم الى تلک الحقیقة بقوله " و ما کنت تتلوا من قبله من کتاب و لا تخطه بیمینک اذا لارتاب المبطلون "[25] و ما ذلک الا لاثبات کون القرآن معجزة الهیة و لیسد الطریق امام الکافرین و المشرکین فی ادعاء کونه من صنعه (ص)؛ لکن ذلک لایعنی بحال من الاحوال ان النبی الاکرم (ص) کان عاجزا عن تألیف کتاب حتى لو کان عن طریق الاملاء على غیره. و بعبارة اخرى ان أمیة النبی الاکرم کانت أمیة ابجدیة لا امیة حضاریة.
و على هذا الاساس یکون الاشکال المذکور باطلا لعدة جهات:
الاولى: کان النبی الاکرم(ص) طبقا لرأی بعض المحققین قادراً علی تألیف و تدوین الکتاب حتى و هو على فراش الموت.
الثانیة: لو فرضنا أن اختلاف الصحابة- و لشدید الاسف- أدى الى عدم وصول کتاب الرسول (ص) لعموم الناس، أ لیس من الممکن ان یکون النبی الاکرم (ص) قد اودع کتابه عند بعض خاصته من أهل بیته (علیهم السلام) حتى یقوموا بتبیینه للناس من بعده؟
الثالثة: من الثابت تاریخیا و روائیا أن النبی الاکرم(ص) قد أملى کتابه على علی (علیه السلام) الذی لاشک انه کان یحسن القراءة و الکتابة. فالکتاب من املاء رسول الله و خط علی.
3-7: تکشف لنا الروایة الثالثة من باب النص على الامام الباقر (ع) عن المساعی الاموییة للوقیعة بین العلویین و اثارة الفتنة بین أبناء الامامین الحسن و الحسین (علیهما السلام)، الا انه لم تنطلی هذه اللعبة على کبیر ابناء الامام الحسن زید بن الحسن؛ حیث تقول الروایة: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِیزِ کَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ أَنْ یُرْسِلَ إِلَیْهِ بِصَدَقَةِ عَلِیٍّ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ إِنَّ ابْنَ حَزْمٍ بَعَثَ إِلَى زَیْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ کَانَ أَکْبَرَهُمْ فَسَأَلَهُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ زَیْدٌ إِنَّ الْوَالِیَ کَانَ بَعْدَ عَلِیٍّ الْحَسَنَ وَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَیْنَ وَ بَعْدَ الْحُسَیْنِ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ وَ بَعْدَ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِیٍّ فَابْعَثْ إِلَیْه.[26]
3-8: ان دراسة الاحادیث الشیعیة و تقسیمها الى الصحیح و الضعیف و الحسن و الموثق و...یکشف عن الحریة الفکریة التی تتمتع بها المدرسة الشیعیة التی لا تنطلق من مسلمات مسبقة بل تبحث کل روایة و تدرسها بصورة مستقلة؛ الا ان هناک قضیة مهمة ینبغی الالتفات الیها و هی: انه لو رأینا أن عالما من العلماء قد ضعف روایة من الناحیة السندیة فهذا لایعنی بالضرورة انه ینفی مدلولها، بل اقصى ما یثبته ان الروایة من الناحیة السندیة ضعیفة و لا تلازم بین ضعف السند و فساد المدلول، فقد یثبت نفس المدلول بروایة اخرى معتبرة السند؛ و ما ذکر من الروایات فی متن السؤال هی من هذا القبیل من الروایات حیث هناک ادلة کثیرة تؤید مضمونها فحتى لو فرضنا ان الروایات المذکورة جمیعها ضعیفة فهذا لایحدث أی خلل فی محتواها فی مکان آخر.
و فی الختام نضع بعض التساؤلات امام صاحب الکتاب المذکور فنقول:
لو کانت نظریة النص القائلة بضرورة النص على الائمة لم تثبت و ان کل ما جاء فیها من الادلة فی المصادر الشیعیة و السنیة کان ضعیفا؛ فأی منهج یمکن ان نعتمده؟
الف: ان یتم اختیار الخلیفة من قبل عدد من الافراد ثم یؤخذ البیعة العامة من الناس اختیارا او جبرا کما حدث ذلک فی بیعة الخلیفة الاول.
ب: الانتخاب من قبل الخلیفة السابق على الخلیفة اللاحق من دون استشارة المسلمین، کما حدث فی تنصیب الخلیفة الثانی.
ج: الانتخاب عن طریق الشورى المعینة من قبل الخلیفة السابق و یتم الاختیار بطریقة خاصة لانظیر لها کما حدث فی تنصیب الخلیفة الثالث.
د: ان یتم تداول السلطة بطریقة وراثیة بعیدا عن کل القیم و الاعراف الاسلامیة کما حدث ذلک فی الدولتین الامویة و العباسیة و من دون ان یستند الى أی نص او دلیل شرعی.
و أخیرا نشیر الى ان أصول الدین غیر تقلیدیة فحتى لو فرضنا ان صاحب هذا الرای کان مجتهدا فلایصح تقلیده فی ما ذهب الیه بل یجب على کل فرد ان یصل الى الیقین لا التقلید فی عقائدهم.
[1] مسند احمد بن حنبل، ج 3، ص 14 و 17 و 26، دار صادر، بیروت؛ سنن الدارمی، ج 2، ص 432، مطبعة الاعتدال، دمشق؛ مستدرک الحاکم النیشابوری، ج 3، ص 110 و 148، دار المعرفة، بیروت، 1406 هـ ق.
[2] صحیح البخاری، ج 8، ص 127، دار الفکر، بیروت، 1401 هـ ق؛ صحیح مسلم، ج 6، ص 4- 3، دار الفکر، بیروت. و قد أشار إلیها سنن الترمذی و ابی داود.
[3] انظر: مسند احمد، ج 5، ص86-108.
[4] مسند احمد بن حنبل، ج 1، ص 398.
[5] الحمیری، عبد الله بن جعفر، قرب الاسناد، ص 146، انتشارات مکتبة نینوی، طهران، بدون تاریخ.
[6] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 190، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[7]المصدر نفسه، ص192.
[8]المصدر نفسه ، ص193.
[9]المصدر نفسه ، 194.
[10]المصدر نفسه ، ص214.
[11]المصدر نفسه ، ص525-535.
[12]نفس المصدر نفسه ، ج1، ص298.
[13] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبی طالب، ج 4، ص 320، مؤسسة انتشارات علامة، قم، 1379 هـ ق.
[14] قد لاتکون الاجابة مرتبة حسب ترتیب الاشکالات الواردة فی متن السؤال لعدم تناسق الاشکالات فی متن السؤال.
[15]الخوئی، معجم رجال الحدیث، ج 8، ص365-366
[16]الخوئی، معجم رجال الحدیث، ج 7، ص325- 326.
[17] رجال العلامة الحلی، ج 1، ص 223، دار الذخائر، قم، 1411 هـ ق.
[18] المزید الاصلاع انظر: الخوئی، معجم رجال الحدیث، ج11- ص381- 395.
[19] بحوث فی علم الأصول، ج 5، ص 441.
[20] الدکتور رضا مؤدب ، دروس فی علم الدرایة، ص76-77، ترجمه قاسم البیضانی، منشورات المرکز العالمی للدراسات الاسلامیة، الطبعة الاولى، 1426هـ.
[21]البقرة، 248.
[22] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 305، الحدیث 1.
[23]المصدر الحدیث رقم 2.
[24]انظر: نفس المصدر، ج 1، ص 241، الحدیث 6؛ و ج 7 ،ص 94، الحدیث 3 و ... .
[25]العنکبوت، 48.
[26] الکافی، ج 1، ص 305، الحدیث الثالث.