ان طلب الائمة للمغفرة و الاستغفار و الدعاء و المناجاة التی یظهر منها ان الائمة یرون انفسهم مقصرین و مذنبین امام الله تعالى الا ان ذلک لا یعنی انهم یرون انفسهم مذنبین بالمعنى المتعارف للذنب و یطلبون من الله غفران تلک الذنوب؛ بل القضیة تتعلق بمسالة ادق من ذلک و هی انهم (علیهم السلام) لمعرفتهم العظمى بالذات الالهیة المقدسة و معرفتهم بمدى النعم و الفضل الالهی على البشریة عامة و علیهم خاصة، من هنا یرون انفسهم مهما بذلوا من العبادة و الخشوع لله تعالى و التضحیة و الایثار و القیام بالاعمال الصالحة لم یستطیعوا أداء حقه تعالى على الوجه الاکمل، و هذا الامر یعتبرونه ذنبا یستحق الاستغفار منه.
احدى صفات الأنبیاء و الائمة(ع) عامة و الامام علی (ع) خاصة هی صفة العصمة التی هی ملکة علمیة و عملیة تعصم الانسان من الجهل و الخطأ و السهو و النسیان و المغالطة فی الفکر؛ و على هذا الاساس، المعصوم معصوم فکرا و فهما و معصوم فی العمل و السلوک.[1] من هنا کانت تلک الذوات المقدسة جدیرة بمقام الامامة العظمى.
ان الائمة الاطهار(ع) هم عصارة نظام الخلق و مظهر الهدایة الالهیة؛ و لیس عملهم و سلوکهم و کلامهم هو سلوک هدایة و استقامة فقط، بل هم بالاضافة الى ذلک میزان الاعمال حیث توزن بهم و بعملهم الضلالة و الانحراف و الایمان و الکفر؛ من هنا کانوا حجج الله على العباد و سیرتهم حجة لکل من یرید ان یسلک طریق الحق نحو الباری تعالى، و ذلک لانهم معصومون، و فی سیرة المعصومین لایوجد أدنى شائبة للضلالة و الذنب. [2] هذا اولا، و ثانیا انه قد ثبتت عصمتهم بالادلة النقلیة و العقلیة المحکمة التی لایمکن الریب و التشکیک فیها، و مع هذه الادلة المحکمة لابد من البحث عن توجیه للادعیة التی صدرت منهم بنحو ینسجم مع العصمة؛ لانه من غیر الصحیح منهجیا ان نرفض الادلة القطعیة الدالة على عصمتهم عقلا و شرعا و نتمسک بظاهر الادعیة؛ و هذا منهج علمی متفق علیه بین الفقهاء و الاصولیین من السنة و الشیعة انه لو تعارضت الادلة المحکمة مع ادلة اخرى اضعف منها دلالة فاما ان توجه الادلة الضعیفة بنحو یبین فیه ان التعارض غیر مستقر و قد یطلق الفقهاء على هذا النوع من التعارض التعارض البدوی ای غیر المستقر الذی یزول بالامعان و التدقیق، او القیام بالغاء الدلیل الضعیف، و بما ان الادعیة ثابتة الصدور عن الائمة علیهم السلام فیبقى الطریق الاول هو المحکم وهو التفتیش عن الطریق العلمی الصحیح فی بیان الانسجام بین الادلة و عدم وجود التنافی بینها.
و على هذا الاساس نقول: صحیح انه قد وردت عن ائمة اهل البیت (ع) ادعیة یطلبون فیها من الله تعالى المغفرة و التی یظهر منها ان الائمة یرون انفسهم مقصرین و مذنبین امام الله تعالى، کقول علی (ع) الا ان ذلک لایعنی انهم یرون انفسهم مذنبین بالمعنى المتعارف للذنب و یطلبون من الله غفران تلک الذنوب، بل بمعنى ان للغفلة مراتب مرتبة منها تتعلق بالمعصوم و التی نحن نعجز عن ادراکها، لانه من غیر المتوقع ان تکون حالة المعصوم فی اثناء الاکل و الشرب او الکلام او... مثل حالته و انقطاعه الى الله تعالى اثناء الصلاة، هذا المقدار من التفاوت و الغفلة یراه المعصوم غفلة و ذنبا یستحق ان یستغفر الله تعالى منه؛ و هذا انما ینطلق من معرفتهم بعظمة الذات الالهیة المقدسة و دوام العبودیة و ادب الانقطاع الذی لم یتیسر على الوجه الاکمل لمقتضى الطبیعة البشریة؛ من هنا یرون ان هذه الحالات ذنبا کما قلنا، و الا فهم معصومون من کل ذنب و مصعیة سواء کانت کبیرة ام صغیرة بل هم معصومون حتى عن اقتراف المکروهات.[3]
صحیح ان المعصومین یعیشون حالة الصراع الدائم مع ابلیس و جنوده على جمیع المستویات الاخلاقیة و المعنویة الا انهم بفضل الله تعالى محفوظون من الزلل و الانحراف و لقد اشار القران الکریم الى هذه الحقیقة بقوله " وَ إِن کَادُواْ لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِى أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ لِتَفْترَِىَ عَلَیْنَا غَیرَْهُ وَ إِذًا لاَّتخََّذُوکَ خَلِیلًا * لَوْ لَا أَن ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدتَّ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیًْا قَلِیلاً"[4]
و على هذا الاساس ان الذنب الذی یشتکی منه المعصومون و یدعون الله تعالى مغفرته لیس هو الذنب بمعنى ارتکاب المحرمات؛ بل انه منطلق من ان الانسان کلما کان مقربا من الله تعالى کان حسابه و اعماله ادق بحیث یعتبر الشیء بالنسبة الیه ذنبا فی الوقت الذی نفس هذا الشیء لا یعد ذنبا على غیره.[5] و قد روى المرحوم الاربلی ما یؤکد ذلک حیث قال:" إنهم بعد انصرافهم عن بعض الطاعات التی أمروا بها من معاشرة الخلق و تکمیلهم و هدایتهم و رجوعهم عنها إلى مقام القرب و الوصال و مناجاة ذی الجلال ربما وجدوا أنفسهم لانحطاط تلک الأحوال عن هذه المرتبة العظمى مقصرین فیتضرعون لذلک"[6]
[1] جوادی آملی، عبد الله، علی (ع) مظهر اسمای الاهی" علی مظهر الاسماء الالهیة"، ص 107 و 108 ، مرکز نشر اسراء ، الطبعة الثانیة، 1385.
[2] انظر: سؤال 1212 (سایت: 2087).
[3] الشهید دستغیب، سید عبدالحسین، 1000 سؤال ، ص 19 ، انتشارات ناس.
[4] الاسراء،73 - 74؛ و انظر: المیزان فی تفسیر القرآن، ج 13، ص 172.
[5] تفسیر المیزان، ج 6، ص 256.بتصرف یسیر.
[6] بحار الانوار، ج 25، ص 209، نقلا عن الاربلی، علی بن عیسی، کشف الغمة، ج3، ص 45، المطبعة العلمیة قم، بتصرف.