إذا کان المراد ما أفادته آیات التطهیر و هو الطهارة المطلقة الشاملة فإن آیة التطهیر مختصة برسول الله(ص) و الإمام علی(ع) و فاطمة(س) و الإمام الحسن(ع) و الإمام الحسین(ع) و لا تشمل أزواج النبی(ص) و أما فیما یتعلّق بالبراءة من تهمة الإفک - علی فرض نزول الآیة فیها- فلا یعنی ذلک الطهارة المطلقة و عدم الخطأ و الاشتباه فی میدان السیاسة و الاجتماع فإن القرآن الکریم هدّد بعض أزواج النبی بالطلاق بسبب عصیانهنّ له و إفشاءهن بعض أسراره.
للإجابة عن هذا السؤال من اللازم إیضاح بعض النقاط.
1ـ معنى کون أزواج النبی أمهات المؤمنین: أن الباری تعالی خاطب المؤمنین فی الآیة 6 من سورة الأحزاب بقوله: «النَّبِیُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» و هذه الآیة بصدد بیان حرمة أزواج النبی، حیث یقول فی الآیة الأخرى: «وَ مَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لَا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا»[1] و لیس للآیة دلالة وراء ذلک[2].
2ـ إعلان طهارة أزواج النبی فی القرآن: إذا کان المراد فی السؤال الطهارة المطلقة الشاملة الواردة کما فی آیة التطهیر، فلا بد من القول أن آیة التطهیر تتعلق بالنبی الأکرم(ص) و الإمام علی(ع) و فاطمة(س) و الإمام الحسن(ع) و الإمام الحسین(ع) و لا تشمل أزواج النبی(ص).
و للاطلاع یراجع الموضوع: آیة التطهیر، السؤال 1504 (الموقع: 1557).
و أما قضیة الإفک و تبرئة أزواج النبی من تهمة مخالفة العفة فالقصة کالتالی: إن إحدى زوجات النبی(ص) کانت تصاحبه فی إحدى الغزوات «و طبقاً لروایة أهل السنة فإن البعض یقول هی عائشة و البعض الآخر یقول هی ماریة القبطیة»[3]. و لسبب ما تأخرت عن القافلة حال رجوعها إلى المدینة، و حین علم المنافقون استغلوا الحدث لتشویه سمعة النبی(ص) من خلال إلصاق التهمة بإحدى زوجاته. و لکن الله نفى هذه التهمة و ردّها دفاعاً عن نبیه، حیث أکد طهارة زوجة النبی(ص) من هذه التهمة[4]، و قد صرحت الآیة بعفة و طهارة زوجة النبی مما یخالف العفة، و هذا الدفاع عن طهارة زوجات النبی هو دفاع عن کرامة النبی و النبوة، لأن مثل هذه التهمة الشائنة تخلّ بأمر الرسالة. و لکن هذه الشهادة القرآنیة لا تعنی الطهارة المطلقة و العصمة کما هی الحال بالنسبة إلى المعصومین عن الخطأ و الذنب و النسیان و الاشتباه. فبعض نساء النبی ارتکبن الأخطاء و أفشین أسراره ثم طلبن التوبة، کما فی قوله تعالى: «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَ إِنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمَلَائِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَکُنَّ أَنْ یُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَیْرًا مِنْکُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَیِّبَاتٍ وَ أَبْکَارًا»[5].
و بروایة السنة و الشیعة إن المرأتین هما حفصة و عائشة[6]، و هذه الآیات تصرح بمخالفة هاتین المرأتین و یوجه لهما التهدید بالطلاق، فعندما یصدر هذا الخطأ الفاحش منهن فی زمن رسول الله(ص) ألا یمکن أن یصدر منهن خطأٌ بعد وفاته؟ و هل أن مخالفتهن للإمامة و الولایة أشدّ من مخالفتهنّ للنبی(ص)، مع أن جمیع المذاهب الإسلامیة تقول بخلافة الإمام علی(ع) بعد مقتل عثمان و أنه الخلیفة الرابع الذی تجب طاعته، فمن المسلم أن الخروج على الإمام و مخالفته تساوی الخروج على النبی(ص) و مخالفته إضافة إلى أن القرآن دعا نساء النبی إلى أن یقرن فی بیوتهن و یلتزمن التقوى[7]، فالخروج لحرب ولی المسلمین ألا یخالف آیة «و قرن فی بیوتکن»؟.
یمکنکم مراجعة أحداث حرب الجمل فی السؤال رقم 1168 (الموقع: 1174).
[1] الأحزاب، 53.
[2] صرحت الکثیر من تفاسیر أهل السنة بأن المراد من "أم المؤمنین" زوج النبی حرمة الزواج بها، و احترامها الشدید.
انظر: الجصاص، أحمد بن علی، أحکام القرآن، ج 5، ص 225، دار الإحیاء، بیروت، 1405؛ البیضاوی، عبد الله بن عمر، أنوار التنزیل و أسرار التأویل، ج 4، ص 225، دار إحیاء التراث، بیروت، 1405؛ الأندلسی، أبو حیان، البحر المحیط فی التفسیر، ج 8، ص 454، دار الفکر، بیروت، 1404.
[3] تفسیر القمی، ج 2، ص 99.
[4] النور، 11.
[5] التحریم، 4 و 5.
[6] الطباطبائی، محمد حسین، ترجمة المیزان، ج 19، ص 555، جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة بقم، قم، 1374 ش؛ فتح القدیر، ج 5، ص 298؛ أنوار التنزیل، ج 5، ص 224؛ البحر المحیط فی التفسیر، ج 10، ص 210.
[7] الأحزاب، 33.