أرجوکم ساعدونی، فإذا کانت هناک آیة أو دعاء أو أی شیء له أثر المعجزة لیخرجنی من هذا النفق المظلم و هذه الأفکار الشیطانیة لأعود إلى سابق عهدی الذی کنت أنعم فیه بالاعتقاد الراسخ و الاطمئنان و الراحة النفسیة. لأن بقائی على هذه الحالة وتزاحم مثل هذه الأسئلة فی ذهنی لا یمکن معه الرجوع إلى حالتی الأولى، و لا بد من معجزة تنقذنی، و قد طلبت من الله أن یخرجنی من هذه الحالة دون جدوى.
الشک و التردد العقائدی من الأمراض النفسیة، و یعرض الفرد و المجتمع إلى الوقوع فی الخطر. و علیه فلا بد من علاجه بدقة. و من الطبیعی أن بعض التشکیک و التردد ناتج عن النضج العقلی و الفکری و فی مثل هذه الحالة یکون العلاج أسهل، و لم تکن الحالة مخیفة و لا خطرة. و المسألة المهمة الجدیرة بالذکر أن الإحساس بالقلق و الخوف من وجود حالة الشک دلیل على سلامة الروح و صفاء النفس. بل ورد فی بعض الروایات أن مثل هذا الإحساس علامة من علامات الإیمان الخالص، أما بالنسبة إلى السؤال: ما هو الله؟ فینبغی أن نعلم أن جمیع أفراد البشر ینقدح فی أذهانهم تصور عن الله، أی الموجود القادر العالم المطلق الذی لا نهایة له.
و أما بالنسبة للسؤال: لماذا لم أکن إلهاً، و لماذا أبقى إلى الأبد أضعف و أقل علماً و قدرةً من الله فمنشأ ذلک فطری و هو الشعور بطلب الخالق و البحث عن المطلق، و میل الإنسان إلى السیر باتجاه المطلق، و هذا ما ورد فی نصوص الدین الإسلامی الحنیف، حیث ورد فی الأحادیث القدسیة أن الإنسان باستطاعته أن یتصف باوصاف الله من خلال الطاعة و العبودیة.
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى بعض المطالب:
1ـ إن الشک و التردد فی الاعتقاد على نوعین، أحدهما ابتدائی و مؤقت و یشکل أرضیة للیقین، و الثانی الشک الدائمی، و الشک الدائم یعد مرضاً من الأمراض الروحیة و النفسیة و یهدد سلامة الفرد و المجتمع و یضعهما فی معرض الخطر. و علیه فلا بد من تحری الدقة و الحذر فی معالجة هذا المرض.
و کما أن الیقین علة و سبب للاطمئنان و هدوء الروح و استقرار النفس، فإن الشک و التردد موجب للاضطراب و سلب الارتیاح و الهدوء، و یمنع من السیر فی طریق التکامل، و لذلک جعل الشک مساویاً للشرک فی الإسلام[1]. و لذلک جعل فلاسفة الإسلام مجابهة الشکوک و المشککین على رأس أولویاتهم فی أعمالهم العلمیة و الفلسفیة، فقد واجهوا هذا المرض الخطیر من خلال الفکر و العلم حتى یجنبوا المجتمع الآثار المدمرة لهذا المرض[2].
و أما الشک و التردد الابتدائی الذی یشکل أرضیة للیقین فلیس بمذموم. بل یعتبر علامة من علامات النضج العقلی و الفکری، و توضیح ذلک: کما أن الإنسان یبلغ مرحلة النضج و الرشد الجسمی الذی یکون عادة فی الخامسة عشرة من عمره فی الرجال ، فکذلک له وقت للنضوج العقلی و الفکری، و الذی یبدأ منذ سن البلوغ الجسمی تقریباً و حتى سن الأربعین. یعتقد ملا صدرا أن الخصائص المادیة و الجسمیة أول ما تظهر لدى الإنسان و تشتد شیئاً فشیئاً. و أما الخصائص الروحیة و النفسیة فتبدأ بالظهور بعد اکتمال الخصائص المادیة[3].
و من الأدلة على ذلک هو أن الکثیر من الشباب تبدأ لدیهم الشکوک و التردد فی مرحلة البلوغ الجسمی، و قبل ذلک لا یکون لهم اهتمام و شأن إلا بالجانب المادی. و هذا یعنی أن العقل یبدأ فعالیته و نشاطه فی هذه المرحلة، و قبل ذلک لا یکون له اهتمام بها أو أنه لا یدرک عمق المسائل الماورائیة و الفکریة، إن زمن البلوغ یمثل بدایة لحرکة تکامل العقل. و لذلک یحاول الوصول إلى عمق الاعتقادات و حقیقتها و إدراکها. و علیه سیواجه بشکل قهری الکثیر من التساؤلات و الإشکالات. و هذا لا یعنی أن مثل هذه الشکوک أو التساؤلات لیست مرضاً و لا تحتاج إلى علاج، بل المراد أن هذا النوع لا ینبغی التخوف منه، و یجب تحری الدقة و الحذر فی التعامل معه و معالجته من دون قلق و اضطراب.
و على أی حال فمثل هذا الشک لا یکون مذموماً، بل یحتاج إلى معالجة بحکمةٍ و تأنٍ لیکون أرضیةً صالحةً لحصول الیقین. و أفضل السبل فی المسألة الاتصال بالمربین المختصین، من ذوی الحرص و کذلک علماء الدین.
و المسألة الجدیرة بالذکر أن الإحساس بالقلق من ظهور حالة الشک و التردد دلیل على سلامة الروح و صفاء النفس، بل ورد فی بعض الروایات أن هذا الإحساس دلیل على الإیمان الخالص. «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِیِّ (ص) فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَکْتُ! فَقَالَ لَهُ: أَتَاکَ الْخَبِیثُ فَقَالَ لَکَ مَنْ خَلَقَکَ؟ فَقُلْتَ: اللَّهُ. فَقَالَ لَکَ: اللَّهُ مَنْ خَلَقَهُ؟، فَقَالَ: إِی وَ الَّذِی بَعَثَکَ بِالْحَقِّ لَکَانَ کَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : ذَاکَ وَ اللَّهِ مَحْضُ الْإِیمَانِ»[4].
2ـ و أما بالنسبة إلى السؤال القائل: ما هو الله؟ فلا بد أن نعلم أن جمیع الناس ینقدح فی أذهانهم تصور عن الله تعالى أی الموجود المطلق من جمیع الجهات کالعلم و القدرة، و الذی لا نهایة له.
للاطلاع الأکثر یراجع الجواب 1055 (الموقع: 1218) الموضوع معرفة الله.
3ـ علینا أن نعلم أن منشأ السؤال القائل: لماذا لم أکن إلهاً، و لماذا أبقى إلى الأبد أضعف و أقل علماً و أدنى منزلةً من الله؟ هو النزوع إلى المطلق المرکوز فی فطرة الإنسان، و هذا یدل على الاختلاف الکبیر بین الإنسان و سائر المخلوقات، فإنه یتمتع باستعدادات و قابلیات لا حدود لها.
و قد تنبه الإسلام إلى هذه الفطرة الإنسانیة النازعة إلى المطلق و ذلک من خلال ما یلی:
أولاً: بیان الطرق الخاطئة و الاشتباه فی المسیر باتجاه الحقیقة المطلقة، و قد ورد فی کلام الأئمة(ع) أن أول مانع فی طریق التکامل هو الکبر و الغرور مقابل الحق تعالى[5].
ثانیاً: بیان و إیضاح الطریق الصحیح الذی یوصل إلى المطلق، و کما ورد فی الأحادیث القدسیة أن الإنسان یتصف بالأوصاف الإلهیة عن طریق العبودیة[6]، و بعبارة أخرى إن قیمة الإنسان بقدر اتصاله بالله بحیث لا یملئ فضاء وجوده غیر الله «ألا بذکر الله تطمئن القلوب»[7]، و لذلک یقول سید العارفین علی(ع) فی مناجاته: «إِلَهِی کَفَى بِی عِزّاً أَنْ أَکُونَ لَکَ عَبْداً وَ کَفَى بِی فَخْراً أَنْ تَکُونَ لِی رَبّاً أَنْتَ کَمَا أُحِبُّ فَاجْعَلْنِی کَمَا تُحِب»[8].
[1] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 129، الطبع الرابع، دار الکتب الإسلامیة، تهران، 1365 هـ ش، "عَنْ سُفْیَانَ بْنِ عُیَیْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) وَ هُوَ یَقُولُ کُلُّ قَلْبٍ فِیهِ شَکٌّ أَوْ شِرْکٌ فَهُوَ سَاقِطٌ".
[2]حسن زاده آملی، حسن، معرفة النفس، ج 1، ص 5 - 12، مرکز المنشورات العلمیة و الثقافیة، 1362 هـ.ش.
[3]و أول ما تحدث فی نفس الآدمی البهیمیة فتغلب علیه الشهوة و الشره فی الصبی ثم تخلق فیه السبعیة فتغلب علیه المعاداة و المناقشة ثم تخلق فیه الشیطانیة فیغلب علیه المکر و الخدیعة أولا إذ تدعوه البهیمیة و الغضبیة إلى أن یستعمل کیاسته فی طلب الدنیا و قضاء الشهوة و الغضب ثم تظهر فیه صفات الکبر و العجب و الافتخار و طلب العلو ثم بعد ذلک یخلق فیه العقل الذی به یظهر نور الإیمان و هو من حزب الله تعالى و جنود الملائکة و تلک الصفات من جنود الشیطان و جند العقل یکمل عند الأربعین و یبدو أصله عند البلوغ و أما سائر جنود الشیاطین یکون قد سبق إلى القلب قبل البلوغ و استولى علیه و ألفته النفس و استرسل فی الشهوات متابعا لها إلى أن یرد نور العقل فیقوم القتال و التطارد فی معرکة القلب فإن ضعف العقل استولى علیه الشیطان و سخره و صار فی العاقبة جنود الشیطان مستقرة کما سبقت إلى النزول فی البدایة فیحشر الإنسان حینئذ مع إبلیس و جنوده أجمعین و إن قوی العقل بنور العلم و الإیمان صارت القوى مسخرة و انخرطت فی سلک الملائکة محشورة إلیها. الاسفار الاربعة،ج9، ص93.
[4]الکلینی، الکافی، ج 2، ص 425.
[5] " الکلینی،الکافی، ج 2، ص 122، عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ سَمِعْتُهُ یَقُولُ إِنَّ فِی السَّمَاءِ مَلَکَیْنِ مُوَکَّلَیْنِ بِالْعِبَادِ فَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَاهُ وَ مَنْ تَکَبَّرَ وَضَعَاهُ". المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 13، ص 429، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق، أَنَّ لُقْمَانَ الْحَکِیم قال: ...یَا بُنَیَّ وَیْلٌ لِمَنْ تَجَبَّرَ وَ تَکَبَّرَ کَیْفَ یَتَعَظَّمُ مَنْ خُلِقَ مِنْ طِینٍ وَ إِلَى طِینٍ یَعُودُ ثُمَّ لَا یَدْرِی إِلَى مَا یَصِیرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَدْ فَازَ أَوْ إِلَى النَّارِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِیناً وَ خَابَ وَ یُرْوَى کَیْفَ یَتَجَبَّرُ مَنْ قَدْ جَرَى فِی مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَیْنِ.
[6] النوری، مستدرکالوسائل، ج 11، ص 259، مؤسسة آل البیت، قم، 1408 هـ ق.
الدَّیْلَمِیُّ فِی إِرْشَادِ الْقُلُوبِ، رُوِیَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى یَقُولُ فِی بَعْضِ کُتُبِهِ یَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَیٌّ لَا أَمُوتُ أَطِعْنِی فِیمَا أَمَرْتُکَ حَتَّى أَجْعَلَکَ حَیّاً لَا تَمُوتُ یَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّیْءِ کُنْ فَیَکُونُ أَطِعْنِی فِیمَا أَمَرْتُکَ أَجْعَلْکَ تَقُولُ لِلشَّیْءِ کُنْ فَیَکُونُ .
[7]الرعد، 28.
[8] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 74، ص 402.