من المسائل المهمة لدى الإنسان و التی أثارت انتباهه منذ أن وطأت قدماه الارض، و الموضوعات الأساسیة المحوریة فی حوزة الأدیان مسألة وجود الله، و قد ساق القرآن أدلة و براهین قطعیة کثیرة على وجود الله تعالى منها: برهان الإمکان و الوجوب، برهان التمانع، برهان الصدیقین، و برهان الحرکة. و سوف یأتی برهان الصدیقین و برهان الحرکة فی الجواب التفصیلی، و أما فیما یخص برهان النظم و بعض الإشکالات الظاهریة علیه فبالإمکان الرجوع إلى السؤال 910 (الموقع: 995).
مسألة وجود الله من المسائل الهامة بالنسبة إلى الإنسان و من الموضوعات الأساسیة و المحوریة بالنسبة إلى الأدیان، و هناک نظریات متعددة و مختلفة فیما یخص إثبات وجود الله و عدمه، نشیر إلیها بحدود الممکن.
یرى بعض الفلاسفة و المتکلمین أن وجود الله أمرٌ بدیهی و لا یحتاج إلى دلیل، و إنما یرونه أمراً فطریاً، و قد تمسک الفلاسفة و المتکلمون المسلمون بما جاء فی القرآن و الروایات الصادرة عن المعصومین فی إثبات عقیدتهم.
یقول تعالى فی القرآن الکریم: «أَفِی اللَّهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ یَدْعُوکُمْ لِیَغْفِرَ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَ یُؤَخِّرَکُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»[1]؟ و یقول أمیر المؤمنین علی(ع): «للَّهُمَّ خَلَقْتَ الْقُلُوبَ عَلَى إِرَادَتِکَ وَ فَطَرْتَ الْعُقُولَ عَلَى مَعْرِفَتِکَ »[2]، و هناک آیات و روایات أخرى فی هذا الإطار، و على هذا الأساس یستنتج المفکرون المسلمون من هذه الآیات و الروایات أن وجود الله أمرٌ بدیهی، بل و أکثر بداهة من کل وجود.
و کذلک یوجد فی الغرب من المفکرین من یعتقد ببداهة وجود الله نظیر «بلانتینکا» و أن بداهة وجوده تعالى کبداهة الأمور الأخرى[3].
تعریف البرهان:
البرهان: کل ما یثبت حقانیة الأمور بشکل قطعی و یقینی، و قد اختلف اللغویون فی أصل هذه الصیغة العربیة، و لکن لیس ببعید أن یکون أصلها من الفعل «بَرِهَ یبرَه» بمعنى صار أبیضاً، و بعد ذلک استعمل فی الکلام الواضح الصریح الخالی من أی إبهام و غموض، و کذلک أطلقت على الشیء الذی لا خفاء فیه، و بمعنى الحجة و الدلیل الواضح القاطع[4].
و البرهان فی منطق القرآن مطلق الأشیاء الواضحة التی تثبت حقانیة أمرٍ ما بشکلٍ ثابت و یقینی بحیث لا یبقى أی إمکان للشک و التردد[5]. و بالنظر إلى هذا التعریف یمکن القول:
طرق إثبات وجود الله:
ذکرت ثلاثة طرق کلیة و براهین مختلفة فی باب إثبات وجود الله:
1ـ الطریق النفسی أو الفطری، أو القلبی «الوجدانی».
2ـ الطریق العلمی، شبه الفلسفی.
3ـ الطریق الفلسفی[6].
طریق النفس و القلب و الفطرة: و هو الطریق الذی یثبت فیه وجود الله من داخل نفس الإنسان، بمعنى أن فی خلقة أی إنسان و فطرته یوجد میل و إحساس بوجود الله تعالى یجذب الإنسان باتجاه الخالق سبحانه. و قد جاء التصریح بهذا الدلیل کما فی بعض الآیات و الروایات التی مرت[7].
الطریق العلمی، شبه الفلسفی:
و هو طریق معرفة الله من خلال معرفة نظام المخلوقات و هدایتها، و هذا الطریق یمکن تقسیمه إلى عدة طرق جزئیة منها طریق النظم الذی یحکم الموجودات، و المسمى برهان النظم[8]. و برهان النظم من أکثر البراهین شیوعاً فی مسألة إثبات وجود الله، و قد أکد القرآن الکریم تأکیداً شدیداً على برهان النظم[9].
و قد وردت فی القرآن الکریم أدلة و براهین کثیرة على إثبات وجود الله على مستوى الجزم و القطع منها: برهان الإمکان و الوجوب، برهان التمانع، برهان الصدیقین و برهان الحرکة، و نشیر هنا إلى برهان الصدیقین و برهان الحرکة، کما نحیل القارئ إلى الکتب المفصلة فی هذا الموضوع.
برهان الصدیقین:
قیل فی سبب تسمیة هذا البرهان ببرهان الصدیقین: لان طریقة الحکماء هی الاصدق و فی عرف الحکماء «الأصدق» الأشد إحکاماً. و فی اللغة یعنون بالاصدق الشخص الذی یکثر الصدق فی کلامه و آراؤه صادقة و یطابق فعله قوله[10].
و برهان الصدیقین من البراهین التی أشار إلیها القرآن الکریم، کما فی الآیة الشریفة: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلَائِکَةُ وَ أُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ»[11]، و أساس هذا الدلیل کما توحی الآیات القرآنیة و الروایات هو التفکر فی ذات الله الطاهرة بدلاً من التفکر فی المخلوقات، حتى نصل إلى وجوده عن هذا الطریق «یا من دل على ذاته بذاته»[12].
و دلیل الصدیقین فیه شیء من التعقید، و لکنه طریف و یغذی الروح و برهان الصدیقین برهان یثبت وجود الحق تعالى انطلاقا من نفس ذاته المقدسة[13]. لأن الله تعالى أطهر و أجل من أن تکون مخلوقاته مظهرة له. بل هو مفیض الوجود و مخرج الأشیاء من القوة إلى الفعل و من ظلمات العدم إلى نور الوجود فهو مقدم على أی شیء فی الوجود و الظهور، و هو برهان ذاته و برهان کل شیء[14]. و قد قرر هذا البرهان بطرق مختلفة من قبل عدد من العلماء و الفلاسفة أمثال «ابن سینا»، «شیخ الإشراق»، «ملا صدرا»، و «العلامة الطباطبائی».
و هنا نشیر إلى تقریرین:
اعتمد صدر المتألهین على بعض المقدمات مثل أصالة الوجود بساطته و وحدته التشکیکیة، و کذلک قسم الوجود إلى مستغنٍ بذاته و معتمد على غیره و من خلال ذلک أثبت أن مرتبة الوجود الإلهی هی الأکمل و الأتم فی مراتب الوجود التشکیکیة و لا توجد مرتبة تشاکلها، و هذه المرتبة الوجودیة مستغنیة بذاتها و لا وجود للحاجة و النقص فی ساحتها، فهو قائم بذاته[15]، و قد اشیر الى هذا التقدیر فی ذیل الآیة المتقدمة[16].
و أما تقریر العلامة الطباطبائی لهذا الدلیل فقد تعرض له عند تفسیره للآیة 53 من سورة فصلت حیث قال: «و المعنى أولم یکف فی تبین الحق کون ربک مشهوداً على کل شیء إذ ما من شیء إلا و هو فقیر من جمیع جهاته إلیه متعلق به و هو تعالى قائم به قاهر فوقه فهو تعالى معلوم لکل شیء و إن لم یعرفه بعض الأشیاء.»[17]، و قد أشارت بعض الآیات القرآنیة إلى هذا الدلیل کما فی سورة فصلت الآیة 53 و آل عمران الآیة 18، و البروج الآیة 20 و الحدید الآیة 3 و النور الآیة 35.
برهان الحرکة:
الملا صدرا هو أول من طبق هذا البرهان على الآیات القرآنیة المبارکة کما فی سورة الأنعام الآیات من 75 إلى 79.[18]
یقول تعالى: «وَ کَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأَى کَوْکَبًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِینَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ یَهْدِنِی رَبِّی لَأَکُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّینَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّی هَذَا أَکْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ یَا قَوْمِ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ * إِنِّی وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِیفًا وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ»[19].
وتقریر هذا البرهان عموماً على الوجه التالی: «إن حرکة الموجودات فی العالم تحتاج إلى علة فاعلة ومحرکة، و هذه الحاجة موجودة و مستمرة ما دامت الحرکة موجودة، و إذا کان فاعل الحرکة متحرکاً فإنه یحتاج إلى محرک أیضاً، واعتماداً على مقولة امتناع الدور و التسلسل لا بد من الوصول إلى فاعل محرک غیر متحرک، یطلق علیه عنوان المحرک الأول[20].
و بالتوجه إلى الآیات الشریفة المتقدمة فإن تعاقب اللیل و النهار و طلوع الشمس و غروبها دلیل على الحرکة فی عالم الوجود هذا، و هذه الحرکة تحتاج إلى فاعل لا یحتاج إلى أی محرک، و ما ذلک إلا الوجود الإلهی.
و علیه هناک عدة براهین وردت فی القرآن الکریم غیر برهان النظم کالبرهان العلمی و شبه الفلسفی، و غیره من البراهین و الأدلة[21].
أسئلة ذات صلة:
1ـ برهان التسلسل و إثبات الخالق، السؤال 4133 (الموقع: 4617)
2ـ إمکان معرفة الله، السؤال 716 (الموقع: 758)
[1] إبراهیم، 10.
[2] العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج92، ص402.
[3] محمد رضایی، محمد، فلسفة الإلهیات، ص178 و 179، منشورات مکتب التبلیغات
لإسلامیة الحوزة العلمیة فی قم، مطبعة القدس، الطبعة الأولى، 1383.
[4] مرکز علوم ومعارف القرآن، دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص502 و 503، مرکز مطبوعات ونشر مکتب التبلیغات الإسلامیة قم، الطبعة الثانیة، 1386.
[5] دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص505.
[6] مطهری، مرتضى، التوحید، ص15.
[7] فلسفة الإلهیات، ص181.
[8] فلسفة الإلهیات، ص 181؛ التوحید، ص34.
[9] البقرة: 164؛ حول موضوع برهان النظم راجع سؤال 910 (الموقع: 995).
[10] دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص534.
[11] آل عمران 18؛ دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص534.
[12] بحار الأنوار، ج84، ص339.
[13] فلسفة الإلهیات، ص239؛ دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص534.
[14] دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص534.
[15] المصدر نفسه، ص536.
[16] المصدر نفسه.
[17] المصدر نفسه، ص537، نقلاً عن المیزان، ج17، ص405.
[18] دائرة معارف القرآن الکریم،ج5، ص532.
[19] المصدر نفسه، ص531.
[20] المصدر نفسه.
[21] للاطلاع الأکثر على براهین إثبات وجود الله فی القرآن یمکن مراجعة کتاب دائرة معارف القرآن الکریم، ج5، ص517 إلى ص 548.