یعتقد شیخ الإشراق أن عالم الخیال أو المثال هو مرتبة من الوجود هو مجرد عن المادة، لکن لیس بمعزل عن آثارها؛ أی مرتبة تکون بین المحسوس و المعقول أو بین المجرد و المادی. و لهذا تراه متصفا ببعض من أوصاف کلا العالمین المجرد و المادی.
و یعتقد الملاصدرا أن عالم الخیال هو جوهر مجرد عن البدن و عن هذا العالم، لکنه لیس تجرداً عقلیاً، بل هو موجود فی عالم الإدراک الجزئی، و هو عبارة عن نشأة جوهریة غیر قائمة بالمادة و لا أی مظهر آخر، بل هو عالم عینی مستقل ، و وجوده العینی هو عین الشعور و الإدراک و الصور الخیالیة التی لا تحتاج فی بقائها و حضورها إلى مادة جسمانیة، بل إنما هی کمرآة خاصة تهیئ النفس لتصویر الصور فی العالم الإدراکی الخاص و تهیئ أرضیة إیجاد هذا التصویر للنفس.
و أما الشیخ الرئیس ابن سینا، فقد أنکر وجود عالم الخیال (المثال). هو یعتقد باستحالة تحقق الصورة و الشکل و المقدار بلا وجود مادة.
عالم الخیال غیر قوة الخیال التی هی مرتبة من الحس و الإدراک الحسی. فلا یختلف أحد فی تعریف قوة الخیال، لکن فی تعریف عالم الخیال هناک اختلاف بین المشائیین و الإشراقیین. یعنی مضافاً إلى الصور الخیالیة و قوة الخیال التی هی واحدة من القوى الباطنیة و قد أقر بوجودها الجمیع، قد تحدثت الفلاسفة عن شیء آخر أسموه عالم المثال أو الخیال.
بهذه المقدمة نتناول عالم الخیال من خلال رؤیة شیخ الإشراق و ابن سینا و ملاصدرا:
عالم الخیال فی رؤیة شیخ الإشراق:
یعتقد شیخ الإشراق (شهاب الدین السهروردی) أن فی نظام الوجود، بالإضافة إلى عوالم العقول و النفوس و الأجسام التی یعتقد بها المشائیون أیضا، هناک عالم آخر یسمى بعالم المثال أو عالم الخیال أو المثل (الصور) المعلٌقة.
یقول: إن عالم الخیال أو المثال هو مرتبة من الوجود و هو مجرد عن المادة، لکن لیس بمعزل عن آثارها؛ أی مرتبة تکون بین المحسوس و المعقول أو بین المجرد و المادی. و لهذا تراه متصفا ببعض من أوصاف کلا العالمین المجرد و المادی. فالموجود البرزخی أو المثالی فی الوقت الذی یتصف بالکم و الکیف و کذلک الوضع و الأعراض الأخرى، ولکن فی نفسه تراه مجرداً عن المادة. [1]
یعتقد شیخ الإشراق أنه لا یمکن العبور و المرور من عالم المحسوس إلى عالم المعقول بلا وسیط. إذن لا بد من أن یکون بین هذین العالمین عالم له نصیب من خواص المحسوسات و المعقولات معاٌ. و قد سمى هذا العالم الوسطانی بعالم "المثال" أو "الخیال" و فی مراتب الإدراک ینطبق هذا العالم على الإدراک الخیالی الواقع بین الإدراک الحسی و الإدراک العقلی. إذن شیخ الإشراق السهروردی یعتبر الصور الخیالیة صوراً قائمة بذاتها و لا یعتبرها من نوع الصور المنطبعة التی تحتاج إلى مکان و محل، بل یرى هذه الصور فی عالم خارج عن النفس. فیعتقد أن الصور الخیالیة لا هی فی عالم الذهن و لا فی عالم العین، بل فی عالم المثال أو الخیال المنفصل.[2]
بعبارة أخرى الصور الخیالیة موجودة و محققة لکن لا فی العالم العینی و لا فی عالم الذهن. کما أنه لیس لها وجود فی عالم العقول، إذ لا سبیل للبعد و الکم و الکیف إلى هذا العالم. إذن یجب أن نقول إن محل الصور الخیالیة فی موطن و عالم آخر و هو عالم المثال أو الخیال المنفصل.
یعتقد شیخ الإشراق أن علة عالم الخیال عقول متکافئة سماها بالعقول العرضیة. ففی عالم المثال تتمثل الصور الجوهریة و تتمظهر بأشکال مختلفة، إذ لا یخدش اختلاف الأشکال و الهیئات فی عالم الخیال أو المثال، فی الوحدة الشخصیة لفعلیة الجوهر. مثلا إذا قام جماعة من الناس بالبحث و النقاش حول شخصیة تاریخیة، فمن الطبیعی أن لا تکون تصوراتهم عن هذه الشخصیة متحدة متساویة. لکن من المسلم أن کل هؤلاء یتحدثون حول شخصیة تاریخیة معینة و لا تخدش تصوراتهم المتنوعة فی الوحدة الشخصیة لهذه الشخصیة التاریخیة. إذن الصور المختلفة و الأشکال المتنوعة للشیء الواحد لا تنافی وحدته الجوهریة و یمکن للشیء الواحد أن یتمثل بصور مختلفة. [3]
عالم الخیال فی رؤیة ملاصدرا
یرى الملا صدرا ان الخیال یختلف عن الحس المشترک؛ لان الخیال حارس للصور و اما الحس المشترک فهو قوة قبول الصور.
یقول ملاصدرا: الخیال عندنا جوهر مجرد عن البدن و عن هذا العالم کله و لکن لیس مجرداً عقلیاً بل هو موجود فی عالم إدراکی جزئی و نشأة جوهریة قائمة لا فی مادة و لا فی مظهر آخر کما ظن القائلون بعالم المثال لأن ذلک العالم عالم مستقل عینی وجوده العینی عین الشعور و الإدراک و الصور الخیالیة غیر محتاجة فی وجودها و بقائها إلى حضور مادة جسمانیة و لا هی موجودة فی آلة دماغیة و إنما هی کالمرآة مخصصة معدة للنفس على تصویر تلک الصور فی عالمها الخاص الإدراک.[4]
إذن هناک عالم غیر عالم الطبیعة و الحرکة و یرجع ملا صدرا کل أحوال العقاب و الثواب و البعث و البرزخ إلیه.
یعتقد الملاصدرا الخیال المنفصل على وجه هو نفس عالم المثال و هو فی مقابل الخیال المتصل (فی رأی شیخ الإشراق).[5]
عالم الخیال فی رأی ابن سینا (المشائیین):
من بین حکماء الإسلام، قد أنکر المشائیون و خاصة الشیخ الرئیس وجود عالم الخیال (المثال). فهو یعتقد باستحالة تحقق الصورة و الشکل و المقدار بلا وجود مادة.
یقول الشیخ الرئیس فی إلهیات النجاة: الصورة الجسمیة بما هی صور جسمیة لا تختلف، فلا یجوز أن یکون بعضها قائما فی المادة، و بعضها غیر قائم فیها. فانه من المحال أن تکون طبیعة لا اختلاف فیها ماهیة، یعرض لها اختلاف فی نفس وجودها، لان وجود تلک الطبیعة واحد.
و أیضا فإن وجود ذلک الواحد، لا یخلو إما أن یکون قائما فی مادة، أو غیر قائم فی مادة، أو بعضه قائما فیها، و بعضه غیر قائم. و محال أن یکون بعضه قائما فیها و بعضه لیس، لان الاعتبار إنما تناول ذلک الوجود من حیث هو واحد غیر مختلف. فبقى أن یکون ذلک الواحد، أما کله غیر قائم فیها، أو کله قائم فیها. و لکن لیس کله غیر قائم فیها، فبقى أن یکون کله قائما فیها.[6]
[1] . ابراهیمی دنیانی،غلامحسین، شعاع اندیشه و شهود در فلسفه سهروردی،ص 363، انتشارات حکمت، طهران، الطبعة الخامسة،1379شمسی.
[2] . قطبالدین شیرازی، محمود بن مسعود کازرونی، شرح حکمة الاشراق سهروردی، به اهتمام عبدالله نورانی و مهدی محقق، ص450، انجمن آثار و مفاخر فرهنگی، طهران، الطبعة الاولى،1383هجری شمسی.
[3] . شعاع اندیشه و شهود در فلسفه سهروردی، ص 364.
[4] . ملاصدرا، الحاشیة علی الالهیات، ص138.
[5] . سجادی، سید جعفر،فرهنگ اصطلاحات فلسفی ملاصدرا، ص 232و 233، وزارت فرهانگ و ارشاد اسلامی، 1379؛ ملاصدرا، مبدأ و معاد، ترجمه محمد حسینی اردکانی، طبع طهران، ص 474 تا 476.
. ابن سینا، النجاة من الغرق فی بحر الضلالات، الجزء الحادی عشر (الإلهیات)، المقالة الأولى، الفصل الخامس، ص 501. [6]