بنص الکثیر من آیات القرآن و کذلک بحکم العقل لیس لله مثل و لا شبیه.[i] و ما فهمته من هذه الآیة لاینسجم مع قواعد اللغة العربیة فهو غیر صائب من هنا لایبقى مجال للتفتیش و البحث عن مثل مثل الله.
إن "المثل" فی قوله "کمثله" إنما جاءت للتأکید فقط، و هناک أمثلة أخرى فی القرآن و کلام أدباء العرب التی استعملت فیها کلمة المثل لافادة التأکید.
نعم، لما اعتبر بعض المفسرین التأکید زیادة فی الکلام و کلام الله تعالى منزه عن الزیادة، من هنا ذکروا توجیهات أخرى و تعلیلات أخرى لهذه الآیة. لکن بما أن أدوات التأکید لیست زائدة فیبدوا أن لا حاجة لهذه التوجیهات.
قبل البدء بالجواب لابد من الالتفات إلى هذه الملاحظة المهمة و هی أن القرآن الکریم نص على وجود آیات قرآنیة وصفت بانها "محکمة" واضحة و إن معناها واضح و بیّن لدى أی إنسان عارف باللغة العربیة. و تشکّل هذه الآیات الإطار العام للقرآن و تسمى "أم الکتاب". و هناک فئة أخرى من الآیات و هی "المتشابهات" و لما فیها من دقائق لفظیة و معنویة، أثیرت بعض الشبهات و التساؤلات من قبل بعض الناس حول هذه الآیات.[1] و الطریق الصحیح فی هذه الحالة هو أن نفسر الآیة و نکتشف معناها الصحیح من خلال ملاحظة الآیات الأخرى و الشواهد و القرائن الموجودة.
و الآن نتناول سؤالکم بالبحث مع الأخذ بنظر الاعتبار المقدمة المذکورة:
یجب أن نعلم أن هناک آیات محکمة و غیر قابلة للنقاش التی تنفی وجود أی مثل أو شریک لله سبحانه، و إلیک بعضها:
1ـ "وَلَمْ یَکُن لَّهُ کُفُوًا أَحَدٌ"[2]
2ـ "لَم یَکُن لَّهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ"[3]
3ـ قوله للنصارى: "وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَیْرًا لَّکُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ"[4] و غیرها.
إذن یمکن من خلال الکثیر من الآیات المحکمة أن نفهم حقیقة عدم وجود مثل لله سبحانه. أما معنى "کمثله" فی الآیة التی أشرت إلیها، فهو تساؤل أثیر من قبل الکثیر ممن تلا القرآن، و قد أجیب عنه استناداً إلى زیادة حرف الکاف.
لقد جاء فی أحد التفاسیر: إنّ الکاف فی جملة لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ للتشبیه، و تعنی المثل أیضا. لذا فإنّ هذا التکرار أصبح سببا لأن یعتبر الکثیر من المفسّرین أنّها زائدة، و أنّها جاءت للتأکید. و أمثال ذلک کثیر فی الکلمات الفصحى.[5]
و استند تفسیر آخر إلى نماذج من ابیات الشعراء العرب الذین استعملوا لفظ "کمثله" فی شعرهم، لکنهم أرادوا منه معنى "المثل" لا "مثل المثل".
فقد قال أوس بن حجر:
وقتلى کمثل جذوع النخیل یغشاهم سبل منهمر
وقال شاعر آخر:
سعد بن زید إذا أبصرت فضلهم ما إن کمثلهم فی الناس من أحد[6]
ولا شک فی أن القرآن جاء باللغة الرائجة بین العرب آنذاک.[7] کما أن الأنبیاء کلهم کانوا یأتون بالکتب بنفس لغة أقوامهم.[8] إذن من أجل فهم کلمات القرآن لابد من الالتفات إلى کلام العرب و خاصة فصحائهم. و کما رأینا إنهم یستعملون لفظ "کمثل" تعبیرا عن التأکید فقط و لم یقصدوا معنى آخر، و لم نجدهم قد استخدموا هذه الکلمة و أرادوا منها معنى "مثل المثل". فعلى هذا الأساس أفضل تفسیر لآیة "لیس کمثله شیء" هو أن نترجم الآیة و نفسرها على أساس کلام العرب و لن نستنبط شیئا منها غیر التأکید.
من جانب آخر نجد آیة مشابهة لهذه الآیة فی مقطع آخر من القرآن و هی قوله تعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"[9] یعنی إذا آمن الکفار بما آمنتم به فقد سلکوا درب الهدایة. لا یخفى أن معنى الآیة هو الإیمان بنفس ما آمن المؤمنون به لا بمثله! إذن من خلال عبارة "بمثل ما آمنتم" فی هذه الآیة، نکتشف بکل سهولة أن آیة "لیس کمثله شیء" تشبه هذه الآیة و لفظ "المثل" فی هذه الموارد لا یملک معنى مستقلاً بل إنما یدل على التأکید.
کلام بعض المفسرین هنا قابل للنقاش، إذ قد اعتبروا التأکید زیادة فی الکلام و لا ینبغی لکلام الخالق أن یشوبه أی نقص وزیادة. و لعل هذا المعنى هو الذی اضطرهم إلى أن یفسروا هذه الآیة بتفسیر لا ینسجم مع کلام العرب و الشواهد الموجودة. فقالوا:
"لقد قیل إن معنى الآیة أنه على فرض المحال لو کان لله مثل، لما کان لهذا المثل مثل أبداً... و التفسیر الآخر هو أن نجعل المثل بمعنى الصفة و نقدّر مضافا لهذه الصفة لیصبح المعنى هکذا: لیس لصاحب صفة الله مثل و نحن نعلم أن صاحب صفة الله هو الله سبحانه، إذن لیس مثل الله شیء![10] و جاء فی تفسیر آخر: یقال أحیانا: لا یفرّ مثلک من صروف الدهر؛ یعنی من کان مثلک شجاع عاقل فطن مدبر لا یفرّ من صروف الدهر. (من کان مثلک ینبغی أن یکون کذا و کذا.) فمعنى هذه الآیة هکذا: مثل الله بهذه الأوصاف التی ذکرت من علم واسع و قدرة عظیمة لا تزول و... لیس له مثل."[11].
لکن یبدوا أننا لسنا بحاجة إلى هذه التفاسیر التی لا تلصق بالفؤاد، و ما جاء فی الآیة إنما هو تعبیر تأکیدی متداول بین العرب. و لیس التأکید زیادة فی الکلام لنفر منه و نتشبث بتوجیهات من هنا و هناک، إذ لو اعتبرنا التأکید زائدا فی الکلام، قد نستطیع أن نوجّه هذه الآیة و لکن سوف نواجه مشاکل أکبر، لأنه سوف یجب أن نعتبر جمیع الکلمات التأکیدیة فی القرآن من قبیل "إن و إنما و لام التأکید و ضمائر الفصل و غیرها"زائدة و قد استخدمها القرآن. و هذا ما لا یقبل به مفسّر.
و الدلیل الأوضح الذی یدل على أن التأکید الموجود فی الآیة لیس بمعنى إثبات المثل لله و نفی مثل المثل عنه أبداً، هو أن أعراب الجاهلیة الذین کانوا یحاولون بشتى الوسائل أن یشکلوا على القرآن و النبی (ص)، لم یطرحوا هذه المسألة أبداً، لأنهم کانوا یعلمون أن هذا التعبیر إنما یأتی بمعنى التأکید فقط.
[1] آل عمران، 7، "و الذی أنزل علیک الکتاب منه آیات محکمات هن ام الکتاب و أخر متشابهات...".
[2] التوحید، 4.
[3] الإسراء، 111؛ الفرقان، 2.
[4] النساء، 171.
[5] مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج15، 480، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب، قم 1421هـ.
[6] الطبرسی، مجمع البیان، ج 9، ص 37، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ه ش.
[7] الشعراء، 195؛ یوسف، 2؛ الرعد، 37؛ طه، 113 و ...
[8] ابراهیم، 4، "و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه...".
[9] البقرة، 137.
[10] الطبرسی، مجمع البیان، ج 9، ص 38.
[11] مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج15، 481