إن الاسلام، دین التوفیق بین الظاهر و الباطن، و بین الأمور المادیة و المعنویة، ففی نفس الوقت الذی یعتبر اللهَ مرسل الریاح و السحاب، و أنه عز وجل موجد القوانین الطبیعیة لنزول المطر، و لکنه أیضاً یجعل إیمان الناس و تقواهم السبب فی نزول المطر [1].
فدبّر الله تعالى شؤون هذا الکون على أساس نظام و حکمة خاصة، و جعل لکل ظاهرة و واقعة، علة و سبباً، بحیث لا یمکن الحصول على أی غایة إلا عن طریق عللها و أسبابها.
فیجب بدایة على الإنسان أن ینطلق و یتحرّک و یسعى، ثم یطلب من الله أن یجعل حرکته و سعیه فی المسار الصحیح، حتى یصل إلى الحقیقة و المطلوب الواقعی. هذا هو معنى الطلب و الاستعانة بالله تعالى فی جمیع الأمور.
فاستجابة الدعاء متوقفة على سعی الانسان فی توفیر الاسباب و علل الغایة التی یطلبها، و استمداده من الله تعالى لمزید من النصرة و العون حتى یثمر جهده و سعیه فی ما یطلبه. فالذی یدعو الله فی أمر معین، علیه أن یوظّف کل إرادته و جهده من أجل تحقق ذلک الأمر، و بما أن تحقّق الأمور لا یقتصر على إرادتنا و عزمنا، بل هو نتیجة لمقدمات کثیرة أخرى، فنسأل من الله أن یوفر لنا المقدمات التی هی خارجة عن متناول یدنا من أجل تحقیق غایتنا.
و قد وفّقت الروایات خیر توفیق بین عمل الانسان و إرادته و دعائه، و دعتنا أن نسأل الله فی تحقیق مقاصدنا من جهة و نسعى فی توفیر المقدمات من جهة أخرى.
یقول الإمام الصادق (ع): "أبى الله أن یجری الأشیاء إلا بأسباب"[2]، و یعرّف الإمام فی روایات أخرى من لا یستجاب دعاؤه، و من جملتهم، الذین لا یهتمّون بجهدهم و سعیهم، و یتواکلون على الله فی کل شیء، یأتی شخص إلى الإمام و یسأله (ع) عن رجل قال: لاقعدن فی بیتی و لأصلین و لأصومن و لاعبدن ربی فأما رزقی فسیأتینی، فقال أبوعبدالله (ع): "ذا أحد الثلاثة الذین لا یستجاب لهم"[3].
إذن؛ للدعاء دور هام فی حل مشاکلنا إلا أن ذلک لا یعنی ترک السعی و نفی إرادة الانسان فی سبیل تحقق مطالبه.
لمزید الاطلاع انظر الابحاث التالیة:
1ـ سؤال 896 (الموقع: 982)، شروط استجابة الدعاء.
2ـ سؤال 2145 (الموقع: 2269)، شروط و سُبُل استجابة الدعاء.
3ـ سؤال 2594 (الموقع: 2873)، علاقة الدعاء و السعی فی الزواج.
[1] الاعراف، 96.
[2] الکافی، ج1، ص183. اقتباس من السؤال 2900(الموقع:3109). طبعاً هذه الإباء غالبی، بمعنى أنه فی أغلب الأمور الله یأبى عن تحقق الاشیاء بغیر الاسباب، و لکن قد تحصل الأشیاء من دون أن تسیر على هذه الطبیعة کما فی خلقة عیسى (ع) من دون أب، و ذلک حتى لا تتمسک الناس فی تحقیق مطالبها، بالامور المادیة فقط و تنسى دور الله تعالى.
[3] الکافی، ج5، ص77.