النوم هو رد فعل و استجابة طبیعیة لجسم الإنسان على ما یتحمله من تعب و عناء، و نعلم اطلاقاً مما صرح به القرآن بأن الصالحین الذین یدخلون الجنة سوف لا یواجهون أی تعب، و لهذا ورد فی الروایات أن أهل الجنة لا یواجهون العوارض المرتبطة بالعالم المادی کالموت و النوم و الألم و الفقر و غیرها.
لقد عرّف الله النوم فی القرآن بأنه نعمة لإزالة التعب و الحزن عن النفس و هو خیر علاج لهذه العوارض و ان الحیاة و بدونه تصبح الحیاة عسیرة.[1]
یعتبر النوم فی عالم المادة وسیلة لرفع التعب و الخوف و الحزن فقط، و على هذا الأساس یجب أن یستفاد منه بمقدار الحاجة إلیه فقط، و إلا فالفترة التی یقضیها الإنسان فی النوم تعدّ من الوقت الضائع.
یحاول المؤمنون أن یقللوا من نومهم و یزیدوا من العبادة و ما هو فی حکم العبادة. و کذلک یحاول أهل الدنیا أن یتمتعوا بأقصى قدر ممکن فی حیاتهم، و خاصة عندما تتوفر لهم فرصة مناسبة کإمکان صفقة تجاریة مربحة، أو زیارة صدیق أو مشاهدة فیلم محبب لدیهم ، فیحاولون مهما استطاعوا أن یؤخّروا نومهم و یتمتعوا بالفرص المتاحة أکثر تمتع.
إذن قیمة النوم هی فیما إذا أزال النوم تعباً أو خوفاً أو حزناً و هناک من الناس الناس من یلجأ إلى النوم بسبب البطالة و الفراغ و هذا بطبیعة الحال نوع من أنواع الحزن أیضا.
أمّا فی جنة الخلد فلا تعب[2] و لا خوف و لا حزن[3] و أنواع النعم المتوفرة هناک لا تبقی مجالا للبطالة و الفراغ هناک لیضطر الناس أن یلجأوا إلى النوم من شدة فراغهم. فما هو التفسیر الوجیه لفرضیة إمکان النوم فی الجنة؟
لقد جاء فی روایة عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ یَحْیَوْنَ فَلَا یَمُوتُونَ أَبَداً وَ یَسْتَیْقِظُونَ فَلَا یَنَامُونَ أَبَداً وَ یَسْتَغْنُونَ فَلَا یَفْتَقِرُونَ أَبَداً وَ یَفْرَحُونَ فَلَا یَحْزَنُونَ أَبَداً وَ یَضْحَکُونَ فَلَا یَبْکُونَ أَبَداً وَ یُکْرَمُونَ فَلَا یُهَانُونَ أَبَدا... [4]
هنا قد یطرح هذا السؤال و هو ألا یؤکد القرآن کثیراً على أنه یوجد فی الجنة کل ما نشاء ونشتهی؟[5] فإذا أراد أحد من أهل الجنة أن ینام لفترة، و إن لم یکن له دلیل مقنع، فهل سوف تخضع الأسباب له و قتئذ؟!
للجواب على هذا السؤال، التفتوا إلى مثال:
لو أذن لک صاحب بستان مزدهر بأنواع الفواکه و الأثمار أن تأکل ما شئت من مختلف ثمار بستانه، أفلا یکون عجیبا عند ذلک إن استأذنته أن تأکل من الفواکه الفاسدة و العفنة التی قد سقطت على الأرض منذ فترة؟!
من الطبیعی أنه إن سمح أحد بأکل الفواکه السالمة، فهو یسمح بأکل الفواکه التی لا قیمة لها أیضاً، لکن هل طلب المؤمن و الانسان العاقل هذا الطلب ؟!
فعلى هذا الأساس نجیب و نقول: نعم، استنادا إلى الآیات التی تحکی عن تلبیة جمیع رغبات الإنسان هناک، فإذا طالب أحد بالنوم فی الجنة، تنفذ مطالبته، لکننا على ثقة أنه مع وجود النعم الجزیلة و المدهشة فی الجنة[6] سوف لا یطالب أحد ذلک و بالتالی سوف لا یکون للنوم أثر و لا خبر.
إن سؤال 5864 من هذا الموقع، سؤال مشابه لسؤالکم وتحت عنوان "إمکان الاختراع فی الجنة" فبإمکانک إن شئت أن تطالعه.
[1] النبأ، 9؛ الفرقان، 47؛ آل عمران، 154؛ الأنفال، 11؛ الروم، 23 و ...
[2] الحجر، 48؛ فاطر، 35، "لا یمسنا فیها نصب و لا یمسنا فیها لغوب".
[3] فاطر، 34؛ الأعراف، 49.
[4] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 8، ص 220، ح215، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه
.
[5] النحل، 31؛ الفرقان، 16؛ الزمر، 34؛ الشوری، 22؛ ق، 35؛ فصلت، 31؛ الزخرف، 71 و ...
[6] فی هذا الخصوص لا یخلو مطالعة جواب 3690 (الموقع: 4011) من فائدة.