کل عمل یعزّز العلاقة مع الأقرباء و الأرحام یسمى صلة الرحم. و بلغ اهتمام الاسلام بصلة الرحم إلى حد الذی نهی فیه عن قطع الرحم حتى لو کان کافراً، إلا أن یکون کافرا معاندا یخطط لمحاربة الاسلام فعندئذ لا یجیز الاسلام التواصل معه و رعایة صلة الرحم مع. و من هنا نزلت سورة تبت فی حق أبی لهب و زوجته ورتب النبی الاکرم (ص) الاثر علیها فقطع صلته بهما.
الصلة تعنی الاتصال و الارتباط، و المراد من الرحم هم الأقرباء. و کل عمل یعزّز العلاقة مع الأقرباء و الأرحام یسمى صلة الرحم.
و قد أولی الإسلام صلة الرحم اهتماماً بالغاً. فقد روی عن الإمام الصادق (ع) أن رجلاً جاء إلیه و قال: یکون لی القرابة على غیر أمری أ لهم علی حق؟ قال (ع): نعم حق الرحم لا یقطعه شیء و إذا کانوا على أمرک کان لهم حقان: حق الرحم، حق الإسلام[1].
و قال (ع) فی روایات أخرى: لا تقطع رحمک وأن قطعتک. و قال علی (ع) أیضا: صلوا أرحامکم وأن قطعوکم[2].
و لکن هنا سؤال یطرح نفسه و هو: هل الإسلام یؤکد أیضاً على التواصل مع الرحم الکافر و المشرک المعاند و المحارب للإسلام؟
فمثلاً هل کان النبی (ص) یلتزم بهذه السنة مع ابی لهب عمه و الذی کان ـ للأسف ـ مشرکاً و مصرّاً على شرکه، و قد اضطهد النبی و المسلمین و ارتکب بحقهم عداءًًًًً و جرائم لا یمکن انکارها، أم لا؟
الجواب هو لا، و الدلیل على ذلک:
1ـ قال الله عز و جل: «ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکینَ وَ لَوْ کانُوا أُولی قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحیمِ»[3].
و من الواضح أن الاستغفار و الدعاء یدخل فی مراتب صلة الرحم.
فالروایات حدّدت أقل مراتب صلة الرحم، مثل السلام علیهم[4] أو سقیهم بشربة ماء[5] بمعنى أن بأحد هذه الأمور تتحقق صلة الرحم. و جاء ایضا فی الروایات أن القاصر عن الاتصال بأرحامه فیصلهم بالدعاء لهم بالخیر و الاستغفار عنهم. بینما یستفاد من الآیة المبارکة أنه لا ینبغی للنبی أن یستغفر للمشرکین مثل أبی لهب بعد أن تبیّن له (ص) عنادهم و یأس من هدایتهم.
2ـ قال تعالى: «وَ ما کانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهیمَ ِلأَبیهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیّاهُ فَلَمّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوُّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهیمَ َلأَوّاهٌ حَلیمٌ»[6].
تشیر الآیة إلى أن إبراهیم (ع) استغفر لعمه و أدى أحد موارد صلة الرحم، و لکن بعد أن تبین له أن عمه عدو لله تبرأ منه و قاطعه.
بدأ أبو لهب عداوته مع النبی (ص) فی السنة الثالثة بعد المبعث عند ما انطلق النبی بدعوته فی عشیرته الأقربین، و حینها لم یتبرأ النبی من عمه. و لکن بعد أن ظهرت عداوة أبی لهب و اشتدّت فی المراحل اللاحقة و أخذ یحارب النبی و رسالته، و بعد نزول سورة تبت فی ذم أبی لهب و زوجته قاطعه النبی (ص).
3ـ ورد عن الإمام السجاد (ع) صلوات على النبی (ص) یقول (ع) فیها: و کاشف فی الدعاء الیک حامّتَهُ* وحارب فی رضاک أسْرَتَهُ* وقطع فی احیاء دینک رِحَمَهُ* وأقصى الادْنینَ على جُحودهم * وقَرَّبَ الاقصین على استجابتهم لک* و والی فیک الابعدین* وعادی فیک الاقربین[7].
یقول المرحوم السید علی خان فی شرح الصحیفة: قاطع رحمه قطعاً و عقها و شقّ عصى ألفتها و ترک برها... ما فعله رسول الله (ص) مع قومه و عشیرته و أسرته من قریش و بنی المطلب و بنی هاشم، الذین کذبوه و حاربوه لیطفئوا نور الله... فحاربهم و قاتلهم و قتل منهم الجم الغفیر فی بدر و أحد و أسر منهم من أسر لم تأخذه بهم رأفة و لا عطفته علیهم رحم، غضبا لله و طلبا لمرضاته[8].
و من دون شک، کان أبو لهب أحد هؤلاء الناس. فإذن، نستنتج أن المسلم لا علاقة و صلة بینه و بین الکافر و المشرک المعاند حتى و لو کان من الأرحام.
[1] ریشهری / محمد مهدی / میزان الحکمة / ج 4 / ص 83.
[2] الوسائل / ج 11 / ص 175.
[3] التوبه 113 / ر.ک. / طباطبائی / محمد حسین / المیزان / ج 9 و 10 / ص 282 / منشورات ذوی القربی / بیجا / بیتا.
[4] قال رسول الله (ص): صلوا أرحامکم فی الدنیا ولو با السلام / بحار الانوار / ج 71 / ص 104.
[5] الامام الصادق علیه السلام: صل رحمک ولو بشربة من ماء / بحار الانوار / ج 74 / ص 117.
[6] التوبه 114 / «قَدْ کانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فی إِبْراهیمَ وَ الَّذینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْکُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ کَفَرْنا بِکُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْراهیمَ ِلأَبیهِ َلأَسْتَغْفِرَنَّ لَکَ وَ ما أَمْلِکُ لَکَ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْءٍ رَبَّنا عَلَیْکَ تَوَکَّلْنا وَ إِلَیْکَ أَنَبْنا وَ إِلَیْکَ الْمَصیرُ» ممتحنه 4 .
[7] الصحیفة السجادیة علیه السلام / ص 48 / ترجمة مهندس یاسر عرب / الطبعة الأولى 1380 / انتشارات گلی .
[8] الحسینی المدنی الشیرازی / السید علی خان / ریاض السالکین / ج 1 / ص 465 و 466 / الطبعة 6 / جماعة المدرسین.