لقد منح الله سبحانه شخص النبیّ مقام الولایة بسبب عصمته و علمه الکامل المتّصل بالوحی. و حسب عقیدة الشیعة فی عصمة أئمة أهل البیت (عصمتهم من أی خطأ و علمهم الإلهی) لا نجد بأساً فی إعطائهم الولایة بعد ما نالوه من عصمة و علم. لکن کیف تأتّى إعطاء الولایة من قبل الله للولی الفقیه الذی لم یکن معصوماً و لم یأمن الخطأ منه و لیس له علم کعلم المعصوم؟! فکیف تعطى جمیع صلاحیات الله و الرسول و المعصومین لأحد لم تتوفّر فیه هذه الشروط؛ أی لم یتصل بالوحی و لم یکن معصوماً و لم ینتخب من قبل معصوم و لا هو فی مأمن من الخطأ؟
المراد من قولنا أن ولایة الفقیه العادل الحاکم هی نفس ولایة الأنبیاء، هو الولایة السیاسیة؛ أی الحکومة و إدارة شؤون الناس التی هی من فروع من الولایة التشریعیة، أما الولایة التکوینیة أو الولایة الکبرى فهی خاصة بالمعصومین الذین منحهم الله سبحانه العلم الإلهی و موهبة العصمة.
و الشرط الأساسی و الرئیس فی ولایة الفقیه السیاسیة، هو العدالة و الفقاهة، و فی حال انتفاء أی واحد من هذین الشرطین تسلب الولایة. إذن تفویض ولایة أهل البیت السیاسیة للفقیه العادل لیست خطأ بل هی أفضل خیار اختاره الأئمة المعصومون.
إن الولایة على قسمین: ألف. الولایة التکوینیة، ب. الولایة التشریعیة. وبناء على أدلة التوحید کلتا الولایتین بالأصالة لله تعالى.
الف. الولایة التکوینیة: یشیر القرآن إلى أن لله سبحانه و تعالى الحقّ و القدرة على أن یتصرف فی أی موجود و یدبّره کیف یشاء. هذه الولایة هی نفس عملیة خلق الموجودات و هدایتهم تکویناً، و الإنسان الکامل (الحجة الإلهیة) یمارس هذه الولایة بإذن الله، و لا فرق بین أن یکون هذا الإنسان حیا بجسمه المادّی أم لا. و الإمام الحجة (عج) قد تولّى الولایة التکوینیة للکائنات و لم تحدث غیبته أیّ خلل فی ولایته التکوینیة. إذن لا تصل الولایة التکوینیة للولی الفقیه.
ب. الولایة التشریعیة: لقد أخذ معنى هذه الولایة من الآیات التی تثبت لله ولایته فی التشریع و الهدایة و الإرشاد و التوفیق و أمثال ذلک. إن هذه الولایة بمعنى الحکومة و الإدارة الظاهریة لشؤون الناس فی قضایاهم الدنیویة و الأخرویة. یعنی أن ولی الله مأمور من قبل الله أن بتسلّم زمام شؤون الناس فی دینهم و دنیاهم (سواء أدى هذا إلى خضوع الناس و انقیادهم لولایة ولی الله و إلى تحقّق الحکومة الحقّة فی الخارج أم لا). و قد جعلت هذه الولایة فی فترة غیبة الإمام المعصوم (ع) على عاتق الفقیه العادل، و فی الواقع أن ولایة الفقیه هی امتداد ولایة الأئمة الطاهرین و لولا ذلک، لما کانت ولایة الفقیه الجامع للشرائط و حکومته أمراً مشروعاً؛ إذ لا یمکن لأی حکومة أن تکسب شرعیتها من دون نصب إلهی مباشر أو غیر مباشر و هذه قضیة مهمّة لا ینبغی أن تهمل.[1]
إذن تنتقل الولایة الإلهیة التشریعیة فی زمن غیبة الإمام المعصوم إلى فقیه عادل؛ أی إلى أشبه الناس و أقربهم للإمام المعصوم. لکن یجب على الفقیه أن یکون على أعلى درجات العدالة. و هذه العدالة و إن لم تصل درجة العصمة، لکنها البدیل فی الدرجات النازلة. کذلک یجب للحاکم الإسلامی أن یکون فقیها (مجتهداً عارفاً بالإسلام) و هذا العلم و إن لم یبلغ درجة علم المعصومین أبداً، لکنه البدیل عن العلم الإلهی فی الدرجات النازلة. و لهذا قال الإمام الراحل (ره): لقد أعطی فرع من ولایة الإمام التشریعیة (الولایة السیاسیة) لنائبه العام و ذلک بسبب غیبة الإمام و عدم حضوره، و إن ولایة الفقیه السیاسیة هی امتداد ولایة الأنبیاء و الأولیاء و لا تختلف عن ولایتهم.[2]
لقد تبین من خلال ما ذکرناه سابقاً أن ولایة الفقیه فی الواقع هی ولایة "الفقاهة" و "العدالة"؛ بمعنى أن شخص الفقیه لا ولایة له، بل الولایة لشخصیته الفقیهة و العادلة و قد فوّضت هذه الولایة من قبل الإمام المعصوم بشکل النیابة العامة.[3] و فی حال انتفاء أحد الشروط الرئیسة المذکورة، تنتفی الولایة.[4]
إذن کما ذکرتم، لا ینال عهد الله الظالمین[5]. بناء على هذا الأساس، الشرط الرئیس للحاکم الإسلامی فی زمن الغیبة ـ الذی انتفى فیه شرط العصمة ـ هو العدالة. أما أن فی الحکومة الإسلامیة قد یخطئ مسؤول أو موظف أو یرتکب جریمة لا سامح الله، فلا علاقة لهذا بولی الفقیه. خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار متابعات الولی الفقیه لتلک المخالفات و معالجتها. کما هو الأمر فی حکومة النبی الأعظم و فی زمن حکومة أمیر المؤمنین (ع) کان بعض المسؤولین و الولاة یرتکبون الخطایا و حتى الجرائم أیضا! و لکنهم علیهم السلام یعالجون المشکلة بمنا ینسجم مع الشریعة الاسلامیة.
هنا ینبغی أن نشیر إلى هذه القضیة و هی أن التهم التی توجه و الاخبار غیر الموثقة التی تثار و التی یستبعد الإنسان صحتها إنما هی من التهم التی تصاغ بأغراض سیاسیة یراد منها تشویه سمعة الحکومة الاسلامیة و العاملین فیها، فلاینبغی التصدیق بها و الاحتراز من إشاعة هذه الأخبار التی تفتقد لادنى عناصر الوثوق والدلیل الساند لها، و هذا ما یقتضیه الاحتیاط حیث قال أمیر المؤمنین (ع): "اخوک دینُک فَاحْتَطْ لِدینک".[6]
[1] نقلا عن سؤال 2868 (الموقع: 5199).
[2] راجع: الإمام الخمینی، صحیفه امام، ج 19، ص403، موسسة تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی، الطبعة الرابعة، طهران، 1386.
[3] . النیابة العامة تعنی أن فی الروایات قد ذکرت مواصفات و شروط خاصة للنائب إلا أنها لم تعین شخصا معینا. راجع: الجوادی الأملی، عبدالله، ولایة الفقیه، ص 178 ـ 184، مرکز نشر إسراء، الطبعة الأولى، قم، 1378 ؛ واعظی، احمد، حکومت اسلامی، ص 148 ـ 164، مرکز مدیریة الحوزه العلمیه قم، الطبعة الثانیة، قم، 1381 ؛ معرفة، محمد هادی، ولایة فقیه، ص122 ـ 129، انتشارات التمهید، الطبعة الثانیة، قم، 1377.
[4] . الإمام الخمینی، صحیفه الامام، ج 11، ص306 ؛ ج10، ص 352.
[5] اقتباس من قوله تعالى " لا ینال عهدی الظالمین".
[6] . الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 27، ص 167، موسسه آل البیت، قم، 1409ق.