إن مسألة الإمامة لها أهمیة خاصة فی الاسلام و هی المرحلة الأخیرة للسیر التکاملی للانسان. إن هذا المقام قد اجتمع - فی بعض الأحیان- مع مقام النبوة؛ مثل إمامة النبی إبراهیم (ع) و الرسول الأکرم (ص) و قد إنفصل فی بعض الاحیان عن النبوة کإمامة الأئمة الأطهار (ع).
یجب القول بخصوص ضرورة وجود الإمام فی المجتمع: کما إن وجود الأنبیاء ضروری و لازم لهدایة و تکامل البشر کذلک فإن وجود الإمام ضروری لحفظ الدین و إکمال مسیرة الرسول.
إن ضرورة وجود الإنسان المعصوم و الحجة الإلّهیة فی جمیع الأزمنة موجود فی الأدلة العقلیة المتعددة للإمامة العامة، و أحد هذه الأدلة هو إن النبوة و الإمامة عبارة عن فیض معنوی من الله سبحانه و بالإستناد الى قاعدة اللطف فإن هکذا لطف یجب أن یکون دائمیاً.
بالاضافة الى ان برهان المظهر الجامع، و برهان امکان الأشرف، و برهان العلًّة الغائیة و…، هی الاخرى من الأدلة المتعمدة لاثبات ضرورة الإمامة.
إن للإمامة أهمیة خاصة فی الاسلام و قد عرّف القرآن المجید الإمامة على أنها المرحلة الأخیرة للسیر التکاملی للإنسان و إن الأنبیاء أولوا العزم هم الذین وصلوا الى هذا المقام، حیث یقول القرآن الکریم فی هذا المجال بخصوص إبراهیم (ع): "و إذا إبتلى أبراهیم ربه بکلِمات فأتمّهُنَّ قال إنی جاعلک للناس إماماً قال و من ذریتی قال لا ینالُ عهدی الظالمین".[1]
و إن الأطهار و المعصومین من ذریتک هم الوحیدون الجدیرون بهذا المنصب.
و یستفاد من هذه الآیة أن لهذا المنصب أهمیة و مکانة کبیرة لینالها النبی إبراهیم (ع) بعد نیله مقام النبوة و الرسالة فی آخر عمره الشریف و بعد مروره بإمتحانات و إبتلاءات متعددة و عسیرة.
و قد أجتمعت فی کثیر من الموارد مقام الإمامة مع مقام النبوة و إن نبیاً من أنبیاء أولی العزم و هو النبی إبراهیم (ع) قد وصل الى هذا المقام، و أوضح من ذلک ما کان مجتمعاً فی شخص الرسول الأکرم (ص) من مقام النبوة و الرسالة و الإمامة. و من الممکن أن ینفصل مقام الإمامة عن مقام الرسالة و النبوة، کما فی الأئمة الأطهار (ع) الذین کانت فی عهدتهم مسؤولیة الإمامة و وظائفها بدون أن ینزل علیهم الوحی.
الادلة العقلیة على الامامة
إن الأدلة العقلیة للإمامة فی جمیع الأزمنة هی عبارة عن:
أـ برهان اللطف:
إن النبوة و الإمامة عبارة عن فیض معنوی من قبل الله سبحانه و بالاستناد الى قاعدة اللطف فیجب وجود هذا الفیض بشکل دائم و مستمر. و إن قاعدة اللطف تقتضی أن یکون هنالک فی المجتمع الإسلامی - و بشکل دائم - إمامٌ یکون محوراً للحق و یحفظ هذا المجتمع من الإنحراف المطلق. و یمکن أن نذکر فوائد و ألطاف الإمام الغائب فی الامور التالیة:
1ـ حمایة الدین الإلهی بشکل عام و کلی[2]
2ـ تربیة النفوس التی لها الاستعداد للتکامل
3ـ بقاء المذهب
4ـ وجود مثل أعلى حی یکون قدوة للناس[3]
ب ـ برهان العلّة الغائبة:
قد ثبت فی علم الکلام أن لإفعال الله سبحانه أهدافا و غایات و بما ان الله سبحانه کمال مطلق لا وجود لأی نقص فیه، لذا فإن غایة أفعاله سبحانه تنعکس و تعود الى المخلوقات و الهدف من خلق البشر هو الانسان الکامل، و هذا یعنی ان الانسان کالشجرة و ثمرتها هو وجود الانسان الکامل.[4]
ج ـ برهان إمکان الأشرف:
تطرح فی الفلسفة قاعدة یطلق علیها إسم قاعدة إمکان الأشرف و معناها هو إن الممکن الأشرف یجب أن یکون فی مراتب الوجود أقدم من الممکن الأخس…[5]
إن أشرف المخلوقات فی عالم الوجود هو الإنسان و من المحال أن تصل کمالات الوجود و الحیاة و العلم و القدرة و الجمال و… الى أفراد البشر قبل أن تصل هذه الکمالات الى الانسان الکامل و الذی هو حجّة الله على الأرض.
د ـ برهان المظهر الجامع:
الهویة المطلقة لله سبحانه فی مقام الظهور تغلب علیها أحکام الوحدة و لا یوجد مجال للأسماء التفصیلیة فی الوحدة الذاتیة. و من جانب آخر إن المظاهر التفصیلیة و التی تظهر فی العالم الخارجی تکون فیها أحکام الکثرة غالبة على أحکام الوحدة. و من هنا یقتضی الأمر الإلهی صورة إعتدالیة لا یکون فیها للوحدة الذاتیة أو ألکثرة الامکانیة غلبة لبعضها على الآخر، لکی یکون مظهراً للحق من جانب الأسماء التفصیلیة و الوحدة الحقیقیة و صورة الإعتدال هذه هی الإنسان الکامل.[6]
قد أشار العلامّة الحلی (ره) فی توضیح کلام الخواجة نصیر الدین الطوسی الى بعض ضروریات وجود الإمام، حیث یقول:
1ـ وجود النبی ضروری، لکی تتقوى المعرفة العقلیة بواسطة البیان النقلی، فبالرغم من ان الانسان له القابلیة على إدراک کثیر من أصول و فروع الدین عقلیاً، لکن فی بعض الأحیان تبقى فی أعماقه بعض الوساوس و الشکوک تشکل حاجزاً و مانعاً للإعتماد علیها إو للعمل بها. لکن عندما تُؤیَد هذه الأحکام العقلیة بأدلة و بیان أولیاء الله فسوف یزول أی شک أو تردد و بذلک یقدم الانسان بثقة و إیمان باتجاه نتاجاته العقلیة.
2ـ توجد أمور کثیرة لا یستطیع العقل تشخیص حسنها و قبحها فیجب الإلتجاء الى أولیاء الله لکی یتبین الجید منها و السیئ.
3ـ توجد أشیاء کثیرة مفیدة و أخرى مضرة و لا یستطیع الانسان بالاستناد الى إدراکه العقلی المحض أن یشخص فائدة أو ضرر جمیعها، و فی هذه المرحلة یشعر الانسان بالحاجة الى شخص یبین له فائدة الأشیاء أو ضررها و هذا الامر لا یقدر علیه سوى الأولیاء الالهیین الذین هم على إرتباط وثیق بمصدر الوحی الالهی.
4ـ إن الانسان موجود إجتماعی و لا یستقر المجتمع و لا یصل الى کماله المنشود بدون وجود قوانین تحفظ حقوق جمیع أفراده و توجه هذا المجتمع فی المسار الصحیح، و تشخیص هذه القوانین بشکل صحیح و تطبیقها لا یتم إلا عن طریق القادة العارفین الطاهرین المعصومین.
5ـ إن البشر یختلفون فی درجة إستیعاب العلوم و المعارف و إکتساب الفضائل و الوصول الى الکمالات، حیث إن البعض من هؤلاء له القدرة و القابلیة للحرکة فی هذا المسیر و البعض الآخر یعجز عن هذا الأمر، و القادة اللهیون یعملون على تقویة المجموعة الأوٌلى و مساعدة المجموعة الثانیة لکی یصل الجمیع الى کماله الممکن.
6ـ بالنظر الى إختلاف مراتب أخلاق البشر فإن الطریق الوحید لتربیة و صقل هذه الفضائل هم القادة الأطهار المعصومون.
7ـ إن أولیاء الله لهم المعرفة الکاملة بالثواب و العقاب و الأجر و الجزاء مقابل الطاعة أو المعصیة و عندما یُطلعون الآخرین على هذه الأمور یکون للناس دوافع قویة لانجاز التکالیف والواجبات.[7]
بالنظر الى إن الإمامة لیست سوى إمتداد لخط النبوة فإن أغلب المسائل التی بینت و أثبتت ضرورة بعثت الأنبیاء هی نفسها تفید فی إثبات ضرورة وجود الإمام المعصوم، و بتعبیر آخر فإن الله سبحانه عندما خلق البشر لیسلکوا طریق سعادتهم و یصلوا الى کمالهم المنشود، کما إن هذه الحالة تستوجب إرسال رُسل یرتبطون بالوحی الالهی و یتصفون بالعصمة لهدایة هؤلاء البشر فیستوجب فی هذه الحالة لإدامة هذا الطریق بعد رحیل الأنبیاء من الحیاة الدنیا تنصیب نوّاب و خلفاء معصومین لکی یساعدوا المجتمع البشری للوصول الى الهدف المنشود، و من المؤکد إن هذا الهدف لا یتحقق بدون هؤلاء الاوصیاء و النواب للنبی، بالإضافة الى:
أولاً: من المؤکد إن العقول البشریة وحدها لیست کافیة لمعرفة و تشخیص جمیع العوامل و الأسباب التی تؤدی الى الرَقیّ و الکمال و فی بعض الأحیان لا تستطیع أن تشخص عشر هذه الأسباب و العوامل.
ثانیاً: إن شرع و تعالیم الأنبیاء من الممکن إن یطالها ید التحریف بعد رحلتهم من عالم الدنیا و لمنع هذا التحریف یستوجب وجود حماة و حراس إلهیین معصومین لکی یحرسوا و یحموا هذا الدین من أی تحریف. صحیح ان الله سبحانه تکفّل بحفظ القرآن من أی تحریف: "إنا نحن نزلنا الذکر و إنا له لحافظون"،[8] و لکن حفظ الدین یجب أن یتم عن طریق العلل و الأسباب و هذه العلل و الأسباب هم الأئمة المعصومون (ع).
ثالثاً: إقامة الحکومة الالهیة و تطبیق العدالة و القسط و إیصال الانسان الى الهدف المنشود له لا یتم إلا عن طریق الانسان المعصوم، بالإضافة الى ان التاریخ یشهد على ان الحکومات الوضعیة کانت دوماً تحاول أن تأمن المصالح المادیة لبعض الأفراد أو لبعض المجموعات الخاصة و تصب کل جهدها فی هذا المجال، و کما جرّبنا لمرات عناوین و شعارات عدیدة مثل الدیمقراطیة و حکم الشعب و حقوق الأنسان و أمثال هذه الشعارات و تبیّن لنا انها شعارات زائفة تکمن وراءها أهداف شیطانیة للقوى الإستکباریة تستخدمها للوصول الى مقاصدها و اهدافها و فرض هذه المقاصد و الأهداف على الناس بشکل غامض.
رابعاً :بقاء و إستمرار تعالیم الدین فی المجتمعات یحتاج الى وجود أئمة خبراء و عارفین بکل جزئیات و تفاصیل الدین، لکی لا یبقى أدنى شک ممکن لأی شخص، فی أی وقت.
مما تقدم آنفاً ذکره یتضح بشکل جلی ضرورة و فلسفة وجود الأئمة المعصومین.[9]
[1] البقرة ، 124 .
[2] شریف العلماء ، کشف القناع، ص 148 .
[3] لاحظ : موضوع الأسس الکلامیة للمهدویة ، سؤال 220 .
[4] لاحظ : موضوع الأسس الفلسفیة للمهدویة ، سؤال 221 .
[5] الطباطبائی، نهایة الحکمة ، ص 319 ، 320 .
[6] لاحظ : تمهید القواعد، ص 72، جوادی آملی، عبد الله، تحریر تمهید القواعد، ص 548 ـ 555.
[7] لاحظ: شرح التجرید، ص 271 (بقلیل من التلخیص والإقتباس)، نقلاً من رسالة القرآن، ج 9، ص 38 ـ 37.
[8] الحجر، 9 .
[9] للإطلاع أکثر لاحظ : المواضیع.
1. إثبات إمامة الإمام علی (ع) من القرآن السؤال، رقم 1441 (الموقع: ۱۸۱۶).
2. أدلة الاعتقاد بالإمامة والأئمة، السؤال 1362 (الموقع: ).
3. الأدلة العقلیة لوجود إمام الزمان (عج) على قید الحیاة. السؤال 1462 (الموقع: ۲۲۱۶).