إذا كان المقصود من بيان الحولين الكاملين، ذكر حكم وجوبي، فيرد الإشكال أن مجموع أشهر الحمل التسعة مضافا إلى 24شهرا للرضاعة يصبح 33 شهرا لا 30 شهرا الذي ذكره القرآن. فهذا المقدار المذكور للرضاعة ليس واجبا، بل هو للوالدات اللاتي أردن أن يتمن الرضاعة. إذن يجوز فطم الطفل مع مراعاة الشروط المذكورة في تكملة الآية. إذن المرأة التي ولدت في الشهر التاسع، تستطيع أن ترضع ولدها لمدة 21 شهرا (الحد الأدنى من الرضاعة الجائزة) فيصبح مجموع الحمل و الرضاعة 30 شهرا و هو ما أشارت إليه الآية 15 من سورة الأحقاف. و على فرض وجوب الرضاعة سنتين، ليس من الضروري أن تكون مدة الحمل تسعة أشهر بلا زيادة أو نقصان، إذ أن مدة الرضاعة تختلف باختلاف النساء. إذن المرأة التي تلد في الشهر السادس من الحمل و ترضع ولدها سنتين تكون مصداقا آخر لهذه الآية الشريفة. من خلال وضع الآية 233 من سورة البقرة و الآية 14 من سورة لقمان التَين ذكرا الرضاعة لمدة حولين، إلى جانب الآية 15 من سورة الأحقاف التي جعلت مجموع مدة الحمل و الرضاعة 30 شهرا، و بعد طرح الحولين (24 شهرا) من 30 شهرا، تصبح النتيجة ستة أشهر و هو الحد الأدنى من مدة الحمل. فلو كان رضع الطفل لمدة سنتين واجبا و كان زمن الحمل تسعة أشهر فقط، لحصل الاختلاف في الآيات.
1ـ (وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْن)[1] فهل تجب رضاعة الطفل سنتين؟
لا تدل الآية الكريمة على الوجوب؛ إذ تقول في التكملة (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَة) يعني جعل إتمام الرضاعة باختيار المرأة، فيتضح أن إتمام الرضاعة ليس واجبا. كما أنها تقول: (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما و تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) إذن من الواضح أن بيان هذا المقدار ليس من باب الوجوب.[2] فيحق للوالدات أن يرضعن أولادهن حولين كاملين إن أردن أداء حق الرضاعة بشكل كامل. إن فطم الولد قبل السنتين أمر جائز، و لكن لا يكفي إرادة الوالدين و حسب، بل يجب أن يستشيروا في هذا الأمر لكي تراعى مصلحة الطفل و حقوقه و كذلك حقوق الوالدين أيضا. يستحب أن ترضع المرأة ولدها حتى انتهاء المدة المعينة لذلك، أي حولين كاملين، فإذا أرادت الفصال، فالحد الأدنى من المقدار الجائز 21 شهرا.[3]
2ـ هل أن جميع الأطفال سواء في هذا الحكم؟ يعتقد بعض المفسرين كابن عباس أن هذا المقدار (حولين) غير ثابت لكل مولود، بل خاص بالولد الذي ولد لستة أشهر.[4] دليل ابن عباس هو الآية 15 من سورة الأحقاف و قوله (ثلاثون شهرا)، حيث تقول هذه الآية أن مدة الحمل و الفصال 30 شهرا، إذن ما نقص من مدة الحمل نضيفه على مدة الرضاعة لتتمّ مدة الحمل و الفصال، و كلما ازدادت مدة الحمل ننقص من مدة الرضاعة.[5]
3ـ كم هو أدنى مدة الحمل؟ ينقل الشيخ المفيد (ره) في كتاب الإرشاد أن في زمن خلافة عمر جاءوا إليه بامرأة ولدت بعد زواجها بستة أشهر، فهم برجمها فقال له أمير المؤمنين (ع) إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك إن الله عز اسمه يقول (وَ حَمْلُهُ و فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) و يقول تعالى: (وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فإذا تمت المرأة الرضاعة سنتين و كان حمله و فصاله ثلاثين شهرا كان الحمل منها ستة أشهر فخلى عمر سبيل المرأة و ثبت الحكم بذلك يعمل به الصحابة و التابعون و من أخذ عنه إلى يومنا هذا.[6]
و قد روى العلامة الطباطبائي في تفسيره هذه الرواية عن الدر المنثور،[7] و قد استنتج من مقارنة الآية 15 من سورة الأحقاف مع الآية 233 من سورة البقرة و الآية 14 من سورة لقمان أن الحد الأدنى من الحمل ستة أشهر. إذن بكسر السنتين عن ثلاثين شهرا، يبدو أن الحد الأدنى من الحمل ستة أشهر، و أقصى حد الرضاعة فقهيا، أربعة و عشرون شهرا. فإذا بقي الطفل في رحم أمه سبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر، أدنى حد رضاعه بعد الولادة يصبح ثلاثة و عشرين أو اثنين و عشرين أو واحدا و عشرين شهرا. و قال الشيخ الطوسي و أمين الإسلام الطبرسي بعد نقل قول ابن عباس: و على هذا يدل ما رواه علماؤنا في هذا الباب لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد و عشرين شهرا فهو جور على الصبي.[8]
4ـ الحد الأدنى من زمن الرضاعة على أسا الروايات:
على أساس روايتين في كتاب وسائل الشيعة، الحد الأدنى من الرضاعة 21 شهرا و لا يجوز أقل منه.
أ. قال الإمام الصادق (ع): الْفَرْضُ فِي الرَّضَاعِ أَحَدٌ و عِشْرُونَ شَهْراً فَمَا نَقَصَ عَنْ أَحَدٍ و عِشْرِينَ شَهْراً فَقَدْ نَقَصَ الْمُرْضِعُ و إِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ فَحَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ.[9]
ب. و قال (ع): الرَّضَاعُ واحِدٌ و عِشْرُونَ شَهْراً فَمَا نَقَصَ فَهُوَ جَوْرٌ عَلَى الصَّبِيِّ.[10]
5ـ اشتراك الأطفال في حكم الرضاع: يعتقد بعض المفسرين أن السنتين ثابتة لجميع الأطفال و لكن اختصاص حكم حق الرضاع سنتين بالأطفال الذين ولدوا لستة أشهر، لا ينسجم مع ظاهر الآية. إن ظاهر قوله (الوالدات یرضعن اولادهن حولین کاملین ...) دال على إثبات حق الرضاعة لحولين كاملين بعد الولادة و لا دخل لمقدار تغذي الطفل في رحم أمه في هذا النصاب، إذن من حق جميع الأطفال أن يرضعن من حليب أمهاتهم حولين كاملين و كذلك من حق الأم أن ترضع طفلها حولين كاملين.[11]
6ـ إجمال البحث: إن كملة "يرضعن" خبرية يفهم منها معنى الأمر و واضح أن هذا الأمر من باب الاستحباب. كلمة "والدات" تشمل جميع الوالدات مع اختلاف حملهن من ستة أشهر إلى تسعة أشهر. كلمة "أولادهن" تشمل جميع الأولاد مع اختلاف زمن مكثهم في رحم أمهاتهم من ستة أشهر إلى تسعة أشهر. فبناء على ما ذكر، الآية الشريفة قد شملت جميع الأولاد في مقام بيانها لحكم الرضاع؛ أي يحق للجميع أن يرضعوا حولين كاملين، لا فقط الأطفال الذي ولدوا في الشهر السادس. فإذا ولد طفل في الشهر السادس يرضع سنتين، و إذا ولد في الشهر التاسع كما هو الغالب، فداخل في عموم الآية، و عليه فلابد أن يرضع حولين، و لكن هذا الحكم استحبابي. فإذا اكتفى بالحد الأدنى من الرضاعة تصدق عليه الآية 15 من سورة الأحقاف؛ يعني الحد الأدنى من زمن الرضاعة مع حمل تسعة أشهر و هو مجموع علاقة الطفل بالأم 30 شهرا، و إن رضع حولين كاملين، فقد عمل بالاستحباب المذكور في الآية 233 من سورة البقرة و لا تعارض فيها مع الآية 15 من سورة الأحقاف، إذ لا يجب رضاعه سنتين و يمكن أن تحمل الآية على الحد الأدنى من مدة الرضاعة. فلو كان قد قال: يجب الرضاعة حولين و يقول بعده: حمله و فصاله ثلاثون شهرا، عند ذلك يكون تناقض واضح. إذن أحد مصاديق الأشهر الثلاثين هو الطفل الذي ولد في الشهر السادس و يرضع حولين كاملين.
(أقل مدة الحمل + أقصى مدة الرضاعة)= (6+24)=30 و الآخر هو الطفل الذي ولد في الشهر التاسع و يرضع 21 شهرا. (أقل مدة الرضاعة + الحمل المتعارف)= (9+21)= 30.
[1] بقره، 233.
[2] الفخر الرازي، تفسیر الکبیر، ج6، ص 118، الطبعة الثانية، دارالکتب العلمیة، طهران.
[3] الشهيد الثاني، شرح اللمعة، کتاب النکاح، باب الرضاع.
[4] علي فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القران، ج 2، ص 171، الطبعة الأولى، سازمان اوقاف و خیریه، انتشارات اسوه، 1426ه.ق 1384 ه.ش ؛ محمد بن حسن الطوسي، التبیان فی تفسیر القران، ج 3، ص 373، الطبعة الأولى، مؤسسة النشر الإسلامي (جماعة المدرسين).
[5] التفسير الكبير، الفخر الرازی، ج 6، ص 118.
[6]. الإرشاد، ج1، ص206.
[7] الدر المنثور، ج 6، ص40، نقلا عن المیزان.
[8] مجمع البیان، ج 2، ص 586، 587؛ التبیان، ج 3، ص 373.
[9] محمد بن الحسن، الحر العاملی، و سائل الشیعة، ج 21،ح 27564، ص 454، الطبعة 3، مؤسسة آل البيت (ع) لإحيات التراث، بیروت - لبنان، 1429ه.ق.
[10] و سائل الشيعة، ج 21، ص 455، ح27567.
[11] الجوادي الآملي، عبدالله، تسنیم، ج 11، ص 374، الطبعة الأولى، انتشارات إسراء، قم، اسفند 1385ه.ش.