إن اختیار الکهوف و الجبال للسکنى من قبل نسل آدم (ع)، أمر یؤیده القرآن الکریم، و أما فیما یخص الإنسان السابق لآدم (ع) فهناک الکثیر من الشواهد التی تدل على سکنى الإنسان للکهوف و الغیران، و هذا أمرٌ غیر قابل للإنکار، و یجب النظر فی الآثار و الکتابات الموجودة فی جدران الکهوف للتعرف من خلالها على العصر الذی ترجع إلیه هذه الآثار.
و على أی حال فالمشخص أن تاریخ خلق آدم لم یکن لیرجع إلى حقب تاریخیة بعیدة جداً.
من أجل الحصول على الجواب التفصیلی لابد من التوجه إلى النقاط التالیة:
1. هناک شواهد کثیرة تشیر إلى وجود إنسان ینتمی إلى عصور سابقة لعصر آدم أبی البشر (ع).
یقول المرحوم العلامة الطباطبائی: یمکن أن یشم من الآیة 3 فی سورة البقرة أنه یوجد إنسان قبل خلق آدم (ع) و على هذا الأساس یوجه سؤال الملائکة فی قولهم: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِیهَا مَنْ یُفْسِدُ فِیهَا وَ یَسْفِکُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ» لما کان یرتکز فی أذهانهم من تاریخ الإنسان قبل آدم (ع).[1] و قد نقل الصدوق فی کتاب التوحید قول الإمام الصادق (ع) حیث قال: «لعلک ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، و ترى أن الله لم یخلق بشراً غیرکم، بلى و الله لقد خلق الله ألف ألف عالم، و ألف ألف آدم، أنت فی آخر تلک العوالم و أولئک الآدمیین».[2]
2. یمکن إثبات وجود أجیال من جنس الإنسان الحالی کانوا یسکنون الکهوف، و ذلک من خلال النقوش و الکتابة التی عُثِر علیها فی جدران الکهوف و الغیران.[3] و لکن هل أن هذه القرائن تدل على أن إنسان الکهوف ینتمی إلى هذا الجنس الحاضر من البشر، أم أنه ینتمی إلى أجیال سابقة، هذا ما یحتاج إلى إثبات.[4]
و لکن ظاهر بعض الآیات یدل على أن الإنسان الحاضر ینتهی نسبة إلى آدم (ع) و زوجته حواء.[5] یقول الله تعالى مثلاً: «یَا بَنِی آَدَمَ لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطَانُ کَمَا أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ».[6]
و نحن نعلم أن القرآن کتاب لجمیع البشر و أن خطابه موجه إلى جمیع الناس و یقول فی آیة أخرى: «یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً کَثیراً وَ نِساءً».[7]
و على هذا الأساس إذا وجدت بعض الآثار التی تدل على وجود الإنسان قبل ملایین السنین فلابد من القول أن هذه الآثار لا تتعلق بالأجیال التی تحدّر منها الإنسان الحالی، لأن الظاهر أن قصة خلق آدم (ع) لا تصل إلى 7000 سنة ماضیة.[8]
و أما إذا کانت الآثار تدل على أنها تتعلق بما بعد هذا التاریخ فلا یبعد القول أنها ذات صلة بالأجیال المتقدمة للإنسان الحاضر و أن أبناء آدم الأوائل کانوا یسکنون الکهوف أیضاً.
و من الطبیعی أنه لا یمکن أن یقاس وضع المساکن فی قدیم الزمان بما هو علیه فی عصرنا الحاضر، و هذا الأمر یقودنا إلى القول أن المساکن فی العهد القدیم کانت بسیطة و ذات إمکانات متواضعة، حتى أن الأجیال الأولى للإنسان کانت تأوی إلى الشقوق و الکهوف الموجودة فی الجبال لحمایة أنفسها من قسوة الطبیعة و بطش الحیوانات المفترسة، و هذا أمر طبیعی فی عدم توفر الإمکانات اللازمة لبناء المساکن المتطورة، و قد أشار القرآن الکریم إلى ذلک بالقول: «وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَکْنَاناً».[9]
و الأکنان جمع کن: و یعنی ما یحفظ و یغطی و یستر، و لذلک أطلق على الشقوق و الکهوف و الغیران اسم الأکنان، و نلاحظ هنا أن السکنى فی الکهوف و تشققات الجبال ذکرت باعتبارها نعمة لا ینبغی إغفالها.[10] کما أن السکنى فی مثل هذه الکهوف امتدت إلى زمن طویل حتى فی العهد الصناعی، و أنها تعد من علامات التطور و التقدم، کما ورد فی القرآن الکریم فی معرض الحدیث عن أقوام کانوا ینحتون الجبال منازل و کانوا یعیشون فی نعمة فارهین.[11] و علیه فوجود الإنسان المتحدر من نسل آدم فی الکهوف لیس أمراً مستبعداً و لا یوجد أی أشکال فی ذلک.
[1] ترجمة المیزان، ج 4، ص 223.
[2] المصدر نفسه، ص 231.
[3] البعض یعتقد أن: من الامور المسلمة ان سکنة الغیران هم من نسل آدم (ع)، دائرة المعارفة الجدیدة، ج 4، ص 331.
[4] ترجمة المیزان، ج 4، ص 223.
[5] ترجمة المیزان، طبعة جماعة المدرسین، ج 4، ص 223.
[6] الأعراف، 27.
[7] النساء،1.
[8] للاطلاع الأکثر، انظر: موضوع: عمر النوع البشری فی منظور القرآن الکریم، سؤال 701 (الموقع: ).
[9] النحل، 81.
[10] انظر: تفسیر الأمثل، ج 11، ص 346.
[11] انظر: الشعراء، 149.