ألف. إن خالقیة الله سبحانه اقتضت أن یخلق الاشیاء.
ب. إن نظام الخلق نظامٌ حکیم و هادف.
ج. إن العلة الغائیة و الهدف النهائی لخلق الکائنات و إیجاد الموجودات هو الإنسان، لأن کل شیء خلق لأجله، و إنه أحسن المخلوقین کما أنه ربه أحسن الخالقین.
هـ . و أیاً کان الهدف من خلق الإنسان فالنتیجة و المحصلة تکون لصالحه و لیس لصالح الخالق فإنه غنی مطلق.
د. إن غایة الغایات و الهدف الأساسی من خلق الإنسان بلوغه مرتبة الکمال و السعادة الواقعیة و ارتقاؤه إلى مقام الإنسانیة الشامخ و سلوکه الطریق إلى عالم الملکوت، و کل ذلک فی سیاق المعرفة و العبودیة الواعیة لله سبحانه، و لا یتیسر إلا بذلک.
إن کون الله فیاضاً دون انقطاع من المسائل الثابتة عن طریق کل اسم من أسمائه و صفة من صفاته سواء المتعلقة منها بالذات و التی هی عین ذاته بمقتضى بساطة الواجب تعالى کالعلم و القدرة، و القیومیة، و المالکیة و الحاکمیة، أو تلک المتعلقة بأفعاله و التی عرفت بصفات الفعل مثل الربوبیة و الرازقیة و الخالقیة و إرادة الله و رحمته و کل صفاته الثبوتیة، و من بین هذه الصفات صفة الخالقیة فهو لا ینفک سبحانه عن الخلق المستمر المتجدد: «کل یوم هو فی شأن».[1] و الأمر الآخر الجدیر بالالتفات و التوجه هو أن الله حکیم و الحکیم لا یصدر منه عمل عبثی و غیر هادف، و إن نظام الخلق نظامٌ هادف أشید على أساس الأهداف العالیة لذات الباری تعالى و لا وجود لأی خلل أو انحراف أو اعوجاج فی هذا المجال، و إن ذرات العالم کلها تنطق بلسان صریح و إن لم یکن لها لسان:
لا وجود لأی اختلاف فی دائرة أی نقطة
و أنا أرى أن هذه المسألة مسلمةٌ لا خلاف فیها.
و بحسب منطق الآیات القرآنیة، فإن خالق الموجودات و الأشیاء لم یخلقها باطلاً و لا لعباً، و إنما محور الخلق الأساسی هو الحق و إن الهدفیة من صفات هذا النظام الأحسن و حتى فی أصغر أجزائه، فإنها لا تخلو من الغایة و المقاصد العالیة، و لا توجد ذرة فی الکون معطلة و لیس لها دور أو عمل تؤدیه فی سیاق هذا النظام المتکامل الموحد: (لا یوجد شیء فی هذا النسیج من دون عمل).
و من اللازم ألا تغیب عن أذهاننا فکرة کون الهدف النهائی و العلة الغائیة من خلق الکائنات هو الإنسان، و بعبارة أکثر شفافیة و وضوحاً إن الله خلق العالم لیخلق آدم (ع) و ذلک لأنه أحسن المخلوقین کما أنه خالقه أحسن الخالقین، و لم یخرج فی عالم الخلق مخلوق مثله، فقد جاء فی الحدیث القدسی: «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لأجلی».[2]
و بعد هذه المقدمات ندخل فی صلب الموضوع و البحث الأساسی لنقول: أیاً کان الهدف من خلق الإنسان فإنه یعود إلیه و لیس إلى الخالق الغنی المطلق، و إن الممکنات و من جملتها الإنسان فی حاجة دائمة إلیه: «یا أیها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغنی الحمید».[3] کان موسى یقول لبنی إسرائیل: «و قال موسى إن تکفروا أنتم و من فی الأرض جمیعاً فإن الله غنی حمید».[4] و یقول الإمام علی (ع) فی خطبته لهمام: «أما بعد، فإن الله سبحانه و تعالى خلق الخلق حین خلقهم غنیاً عن طاعتهم، آمناً من معصیتهم، لأنه لا تضره معصیة من عصاه، و لا تنفعه طاعة من أطاعه».[5]
و أما فیما یخص خلق الإنسان فی القرآن الکریم فقد وردت خطابات مختلفة کل واحدٍ منها یشیر إلى بعدٍ من أبعاد هدف الخلقة، من جملتها: «و ما خلقت الجن و الإنس إلا لیعبدون».[6] و نقرأ فی مکان آخر: «الذی خلق الموت و الحیاة لیبلوکم أیکم أحسن عملا».[7] «و لا یزالون مختلفین إلا من رحم ربک و لذلک خلقهم».[8] و الملاحظ أن جمیع هذه الخطوط تنتهی إلى نقطةٍ واحدة و هی تربیة الإنسان و هدایته و تکامله، و من هنا صار معلوماً أن الهدف من خلق الإنسان و غایة الغایات فی ذلک هو الوصول إلى الکمال و السعادة و الوصول إلى ذروة الکرامة و القیمة الإنسانیة، و هذا ما لا یتیسر إلا بوجود المعرفة و العبودیة الخالصة الواعیة لصفات الذات الأحدیة المقدسة «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة»[9] و کل من یبلغ هذا المقام یتسلط على کل ما سوى الله.
فی روایة عن الإمام الصادق (ع): «إن الله عز و جل ما خلق العباد إلا لیعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه».[10]
[1] «کل یوم هو فی شأن»، الرحمن، 29.
[2] «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لأجلی»، المنهج القوی، ج 5، ص 516؛ علم الیقین، ج 1، ص 381.
[3] فاطر، 15.
[4] إبراهیم، 8.
[5] نهج البلاغة، فیض، ص 11 خطبة همام.
[6] الذاریات، 56.
[7] الملک، 2.
[8] هود، 118و 119.
[9] مصباح الشریعة فی حقیقة العبودیة.
[10] علل الشرائع، الصدوق، نقلاً عن المیزان، ج 18، ص 423.