من اسالیب هزیمة العدو و السیطرة علیه هو الحرب النفسیة، فان فاعلیتها و تأثیرها یفوق الحرب النظامیة المادیة بمراتب کثیرة. و لقد تعرض رسول الله (ص) فی بدء الدعوة الی أشد الهجمات النفسیة و الاعلامیة من قبل المشرکین. و کان (ص) قد ابتکر أفضل أسالیب مواجهة الحرب النفسیة مع الحفاظ علی الاصول الاخلاقیة و الانسانیة و الاسلامیة، و ذلک فی مجالین: تقویة معنویة الجیش الاسلامی و تضعیف معنویة العدو.
و مع تطور المجتمعات و تعقد صور الصراع، فقد اکتسبت الحرب النفسیة أهمیة تفوق الحرب العسکریة و صارت جزءاً من الفعالیات السیاسیة و النظامیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة للدول. فان قسماً مهماً من الفعالیات السیاسیة و النظامیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة والاعلامیة للدول الاستعماریة و الاستکباریة الیوم هو فی خدمة عملیات الحرب النفسیة مع شعوب الدول التی یستهدفونها، و الغرض الاساس من کل ذلک هو السیطرة المخفیة و غیر الملموسة علیهم. و للوصول الی هذا الهدف الاساسی تم التأکید علی أمرین مهمین و هما عبارة عن:
- القاء الیأس و الفشل
- ایجاد الرعب و الخوف
و للحرب النفسیة أسالیب و أنواع مختلفة منها: نشر الشائعات بهدف إیجاد سوء الظن و زعزعة الثقة بالمسؤولین المتصدین لشؤون الدولة، و زیادة القلق والاضطراب فی المجتمع، إغتیال شخصیة المسؤولین، تزلزل الاعتقادات، إیجاد بیئة اجتماعیة ملوثة، إحداث الفرقة بین الناس و تحریف الحقائق و التضخیم و المبالغة و التفرقة و الخداع و ...
واهم طرق مواجهة هذه الحرب - التی ثبت بالتجربة فاعلیتها فی مجتمعنا الاسلامی -هی:
1.التوکل علی الله تبارک و تعالی.
2.البصیرة فی معرفة العدو و طرق المواجهة معه.
3.الثقة بالنفس و العودة الی هویتنا الدینیة.
4.إحکام الجبهة الداخلیة و إیجاد حالة من الانسجام بین مکونات المجتمع.
5. إشاعة المحبة فی المجتمع و التکافل الاجتماعی.
6.إشاعة ثقافة الصدق و التحرز عن الکذب.
7.الاستفادة من الآلیات و الامکانیات الداخلیة فی تعزیز الاقتدار الوطنی.
8.تدریب المواطنین لیتمکنوا من التمییز بین الحقیقة و الاعلام.
9.رصد نقاط الضعف لدى العدوّ.
10.التصدی العلنی للعدو و مواجهته و الدفاع عن المقدسات.
قبل التعرض للاجابه ینبغی الفات النظر الی بعض الا مور للتعرف علی الحرب النفسیة، و ذلک لان المواجهة الصحیحة و المؤثرة مع أی ظاهرة تتوقف علی المعرفة الدقیقة بها. و بالطبع فان المعرفة الدقیقة بکل ابعاد و اشکال الحرب النفسیة، عمل تخصصی واسع النطاق لا یتسنى لنا فی هذه العجالة الالمام به، و لکنا یمکن القول بایحاز ان احد اسالیب هزیمة العدو و السیطرة علیه هو الحرب النفسیة فان فاعلیتها و تأثیرها تفوق الحرب النظامیة المادیة بمراتب، و هذا الاسلوب هو کباقی أشکال الصراع، کان شائعاً منذ القدم بین المجتمعات و الاقوام و الامم المختلفة المؤمنة و الکافرة، و کانت کل سلطة تسعی للاستفادة منه فی المواجهة مع الخصم. إذن أصل الحرب و الصراع النفسی لیس امراً مرفوضاً و مذموماً فی حد ذاته، و لکنه لو استخدم فی خدمة الظلم و استعمار الناس او استخدمت فیه اسالیب غیر اخلاقیة و غیر انسانیة فیکون مرفوضا ومذموماً من هذه الناحیة.
الحرب النفسیة فی الاسلام:
لقد تعرض الرسول الاکرم (ص) فی بدء البعثة الی أشد الهجمات النفسیة و الاعلامیة للمشرکین. و کان (ص) قد ابتکر افضل اسالیب مواجهة الحرب النفسیة فی مجالی تقویة معنویة الجیش الاسلامی و تضعیف معنویات الجیوش المعادیة. و بالطبع فانه لم تکن فی هذه الاسالیب المبتکرة مخالفة للاصول الاخلاقیة و الانسانیة و الاسلامیة.
نماذج من الحرب النفسیة فی صدر الاسلام:[1]
1.ان النبی الاکرم (ص) و نظراً لکونه یعلم بان للرومان سطوة على نفسیه المسلمین، فقد کان یرسل مجامیع من جیش الاسلام الی الحدود الرومانیة للقیام بعملیات تعرضیة، و بهذا کان یکشف عن ضعف الروم و یقوی معنویات المسلمین.
2.فی لیلة فتح مکة امر النبی الاسلام الجیش الاسلامی باشعال نیران کثیرة فی المرتفعات و ذلک لکی یوحی للعدو بکثرة عدد المسلمین و بذلک تضعف معنویاته.[2]
3.کان للمسلمین حینما یواجهون قوة العدو شعاراتهم المرعبة و الخاصة بهم، و التی یتمیز بها المسلم عن غیره و تؤدی أیضاً الی تضعیف معنویة الاعداء، و تلک الشعارات من قبیل (أمت، أمت)، (أحد، أحد) و شعار (الله أکبر).[3]
4.فی غزوة الخندق أرسل النبی (ص) شخصاً الی الیهود لیقوم بصرفهم عن الاستمرار فی الحرب مع المسلمین [4].
5. محاولة تحیید القوی الاخری، و اضعاف ثقة العدو فی کسب المعرکة، و تخویف العدو و الضغط النفسی علیه، یعد من الاسالیب التکتیکیة لنبی الاسلام (ص) و اصحابه فی مجال الحرب النفسیة فی صدر الاسلام.
و قد استخدم أعداء الاسلام أیضاً سلاح الحرب النفسیة فی موارد و مواقف مختلفة فی مواجهة الاسلام .ففی معرکة أحد قام المشرکون –و من أجل إضعاف معنویات الجیش الاسلامی – بنشر شائعة مفادها ان النبی (ص) قد قتل[5]. و قد اشار القرآن الکریم الى استخدام المنافقین لخدعة الحرب النفسیة فی قوله تعالى: "واذا لقوا (المنافقون ) الذین آمنوا قالوا آمنا و اذا خلوا الی شیاطینهم قالوا انا معکم انما نحن مستهزئون [6]".
و فی الحرب العالمیة الاولی إستخدم الاعلام کسلاح فی الحرب النفسیة. فکان هؤلاء – لتبریر أعمالهم القبیحة –یعمدون الی التأثیر علی الرأی العام للشعوب و یخدعونهم، و قد اکتسب هذا الامر أهمیة کبری فی الحرب العالمیة الثانیة بحیث کان طرفا النزاع یتسابقان فی استخدام هذا السلاح، و بذلک فقد اکتسبت الحرب النفسیة فی بعض الموارد أهمیة أکبر من الحرب النظامیة و أصبحت جزءاً من التحرک السیاسی و النظامی و الاقتصادی و الاجتماعی للدول. فان قسماً مهماً من النشاطات السیاسیة و النظامیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة و الاعلامیة للدول الیوم تصب فی خدمة عملیات الحرب النفسیة مع شعوب الدول المستهدفة.
و تتم هذه النشاطات تحت غطاء من الاجهزة الامنیة علی مستوی البلد و العالم و لها أسالیب متنوعة، و الهدف الاساسی منها تحریف العقائد و إضعاف معنویات العدو و التقلیل من اقتدار الحکومة المخالفة أو تغییر قراراتها، و بالتالی السیطرة الخفیة علیها. و للوصول الی هذا الهدف الاساسی تمّ التأکید علی أمرین مهمین .هما عبارة عن:
ا- إلقاء الیأس و الفشل: فی الظروف التی یکون فیها الانسان عازماً علی تحقیق أمر ما، إذا لم ینجح فی سعیه لأی سبب من الاسباب، و تکرر هذا الامر فان ذلک سیؤدی الی إصابة هذا الشخص بأزمة روحیة و نفسیة تقوده الی الحیرة و الضیاع. و فی مثل ذلک یتم السعی لالقاء الیأس و الفشل فی اوساطهم عن طریق المبالغة فی الترکیز علی السلبیات، لکی ینصرف عن الاستمرار فی تحقیق هدفه و یفقد الثقة بنفسه.
ب- خلق حالة الرعب و الخوف عنده، و هذا من أهم الوسائل و اکثرها تأثیراً فی الهزیمة النفسیة لافراد المجتمع. و یتم هذا العمل أیضاً عن طریق استخدام وسائل الاتصالات العالمیة، و المحاصرة الاقتصادیة و المقاطعة السیاسیة.
و الیوم یقوم أعداء الاسلام و الثورة و باسالیب غیر انسانیة و بالاستعانة بالامکانیات الاعلامیة الضخمة و وسائل الارتباط بحرب نفسیة مستمرة ضد بلدنا، و یسعون عن طریق الترکیز علی موارد الاختلاف بین المذاهب الاسلامیة کالسنة و الشیعة و بین القومیات المختلفة کالترکیة و الفارسیة و البلوشیة و الکردیة و... لتفریق وحدة الصف الواحد عن بعضه البعض. و اهم وسیلة یستخدمها هؤلاء فی حربهم النفسیة هی (الاعلام) عن طریق الصحف و الکتب و المحاضرات و وسائل الارتباط الجمعی –الداخلیة و الخارجیة – و یهدف إعلام العدو فی هذه الحرب الی تغییر قناعات الناس و تصوراتهم نحوه.
أنواع الحروب النفسیة:
تستخدم الدول الاستعماریة أسالیب مختلفة فی حربها النفسیة ضدنا، و اهمها ما یلی:
الشائعات: الشائعة هی دعوی معینة تهدف الی إثارة فکر المخاطبین و تشیع فی الاوساط على الرغم من کذبها و عدم استنادها الى واقع یؤیدها.
و أهداف خلق الشائعة عبارة عن:
- زعزعة الثقة بالنظام و المسؤولین ،مما یؤدی الی عواقب خطیرة.
- نشر القلق و الاضطراب فی اوساط المجتمع.
- إغتیال الشخصیة، و الاساءة الی قداسة القیم و المسؤلین و النظام.
- خلق محیط إجتماعی موبوء.
- احداث الفرقة بین الناس لتشتیت الصف و هدم الوحدة التی هی سر إنتصار الشعوب.
2.تحریف الحقائق: و تحریف الحقائق هو أیضاً من الاسالیب التی یسعی فیها العدو الی صرف الرأی العام عن الحقائق و الواقعیات من أجل أن تظهر بنحو مقلوب. و بعبارة اخری: یؤدی ذلک الی أن یفهم الناس الامور و الوقائع بشکل معکوس و بالطریقة التی یریدها العدو. علما أن أغلب الاسالیب الاخری تستخدم لتحقیق نفس الغایة.
3. التضخیم والمبالغة: وهذا أسلوب بسیط و لکنه فاعل و مؤثر فی الوقت ذاته، ففی الحرب النفسیة یستخدم بطریقتین؛ فان العدو یضخم نقاط الضعف و المشاکل الموجودة فی الطرف المقابل و یبرزها بشکل اکبر من حجمها و یؤکد علیها من أجل أن یزید قلق الناس، و الآخر: انه یقوم بتسویق ایجابیاته و الترکیز علیها و المبالغة لجذب الافراد الیه. و هاتان الحرکتان تؤدیان- جنباً الی جنب - الی نتیجة أفضل.
4. التفرقة: و حیث ان الوحدة والاتحاد هی السبب الرئیسی فی نجاح کل الامم و الانظمة، فان التفرقة أیضاً –علی العکس من ذلک – هی العامل الاساسی للفشل و الذل لکل الامم. و هذا الاسلوب هو تقریباً نتیجة لکل الأسالیب التی یستخدمها العدو فی الحرب النفسیة. و فی الحقیقة فان العدو یسعی فی حربه النفسیة الی إیجاد الفرقة بین الشعب و الحکام، لیتمکن عن هذا الطریق من الوصول الی مصالحه[7].
طرق مواجهة الحرب النفسیة:
إن مهمة الحرب النفسیة هی السعی لخلق جو ذهنی وفکری وثقافی و إیدیولوجی؛ و مواجهتها تتطلب نباهة الذهن و تفعیل العمل الجاد علی مختلف الاصعدة و منها استخدام وسائل الاتصال المناسبة. فیجب علینا أن نواجه العدو بنفس أسالیبه مع الالتزام بالثوابت و القیم و الثقافة و الاخلاق الاسلامیة، و بذلک نفشل مؤامراته العلنیة و السریة.
و اهم طرق مواجهة هذه الحرب و التی ثبتت فاعلیتها بالتجربة،هی:
1.التوکل علی الله تبارک و تعالی و الثقة بمعونته فی مواجهة أعداء الاسلام.
2.البصیرة فی التمییز بین العدو والصدیق، و الاطلاع علی الاشکال المختلفة للحرب النفسیة و طرق مواجهتها[8] .
3.الثقة بالنفس و العودة الی الهویة الدینیة: فان الأمة اذا آمنت بقدراتها و إمکانیاتها و امتیازاتها و فضائلها فانها سوف لن تشعر بالحقارة فی قبال الاجانب و سوف لن تؤثر فیها الحرب النفسیة کثیراً.
4.السیطرة علی الجبهة الداخلیة و التنسیق فیما بینها: یجب علی القادة و المسؤولین فی کل مجتمع أن یراقبوا باستمرار إفراط و تفریط القوی الموالیة و یوجدوا حالة التوازن والاعتدال عندهم، لان التشرذم و الاختلاف یساهم فی نجاح العدو فی حربه النفسیة.
5.خلق حالة المحبة و التکافل: من خلال سعة الصدر و استیعاب الرؤى و السلائق المتنوعة، و الحیلولة دون الفرقة و تشرذم القوی الموالیة، فان ذلک یؤدی الی إشاعة عدم الثقة و یعین العدو علی تحقیق أهدافه.
6.إشاعة ثقافة الصدق و الاحتراز عن الکذب: فانه اذا فقدت الامة ثقتها بمسؤولیها و قادتها، و ظهرت عدم مصداقیتهم، فان العدو یکون قد حصل مراده من استعمال الحرب النفسیة.
7.الاستفادة من الآلیات و الامکانیات الذاتیة فی تعزیز الاقتدار الوطنی.
8.تدریب المواطنین لکی یتمکنوا من التمییز بین الحقیقة و الاعلام. و لذا یجب التنبه، ومنع انتشار الشائعات و اتساع دائرتها و إفشال مخططات العدو، و الامتناع من التحدث بکل ما یشاع فی الاماکن المختلفة.
9.التعرف علی نقاط ضعف العدو: فان العدو یسعی دوماً الی إخفاء نقاط ضعفه و بذلک یوحی الی ذهن المخاطبین باقتداره الکاذب، و یهدف بذلک الی إشاعة الیأس عن المواجهة فی الطرف المقابل، فمع اتضاح نقاط ضعفه یکون العدو قد جرد من هذا السلاح.
10.التحرک العلنی و مواجهة العدو والدفاع عن المقدسات: إن التهاون فی الدفاع عن المقدسات و الهروب عن مقابلة العدو یؤدی الی تضعیف معنویة الأمة و إثارة الشکوک فی أصالة المقدسات. و لذلک یجب التحرک بقوة و شجاعة تامة من أجل تثبیت القیم و الاحتفاظ بها حیّة نابضة فی قلب الامة.
.فی الختام ینبغی أن نذکر بان الثبات و المقاومة فی مواجهة الحرب النفسیة للعدو یقع علی کاهل الجمیع فان الکل بیقظتهم و حذرهم یفشلون الهجمات الاعلامیة للعدو.
[1] خلاصة من حوار، اردیبهشت ، 1386 ش. ، العدد : 56 ، نقلاً عن موقع الحوزة ( حوزة نت ).
[2] المقریزی، إمتاع الاسماع، 1: 358، دار الکتب العلمیة،بیروت ، الطبعة الاولی، 1999 / 1420
[3] إمتاع الاسماع ،9: 276.
[4] نفس المصدر ، 1: 240، تاریخ الطبری، 2: 578 ، دار التراث، بیروت، الطبعة الثانیة 1378 /1967
[5] ابن الاثیر ، الکامل فی التاریخ، 7 : 157.
[6] البقرة :14.
[7] خلاصة من حوار، اردیبهشت ،1386، العدد 56 ، نقلاً عن موقع الحوزة (حوزة نت).
[8] لاحظ : حیل الحرب النفسیة.