بالرغم من أن كلمة "البخل" و"الخساسة" كلاهما من أصل عربي؛ ومع ذلك، فإن عدم استخدام الاموال بالطريقة الصحيحة، والمبالغة في جمع المال واکتناز الثروة، هو رذيلة يتم الکلام حولها في النصوص الأخلاقية تحت كلمة "البخل".
تعريف البخل
البخل هو أحد الرذائل الأخلاقية التي تم إدانتها على نطاق واسع في النصوص الدينية. البخل هو امساک المقتنیات عمّا لا يحق حبسها عنه؛[1] أي أن الإنسان یجمع المال والثروة، ولا يستخدمهما لمصلحته، ولا ینفقها علی الآخرين.
بعبارة أخرى، البخل هو: الامساک فی وقت یجب فیه البذل، وعدم إعطاء ما ينبغي أن يُعطى.[2] فالناس الذين لديهم مثل هذه الصفة يطلق عليهم اسم البخيل.
ذم البخل
في إحدى الآيات يعتبر القرآن الكريم أن الصفة البارزة للمتكبرین والأنانيین هي أنهم لا يحسنون إلى الآخرين حتى الی آبائهم وأقاربهم![3]
ویقول ایضا عن البخل والبخلاء: «الَّذينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهيناً».[4]
بالطبع، قد لا يأمر البخلاء بالبخل بالسنتهم، ولكنهم يروجون لهذه الرذیلة ویدعون الیها من خلال أفعالهم، فینمیل الآخرون إلى هذه الصفة المثيرة للاشمئزاز من خلال رؤية حرصهم وبخلهم. من المؤكد أن أولئك الذين يعانون من هذا المرض النفسی لن یقوموا بالاحسان حتى الی والديهم وأقاربهم.
ومن الخصائص الاخری للبخلاء هی، أنهم دائمًا ما يخفون النعم والبركات والمواهب التي منحهم الله ایاها من فضله،[5] ويظهرون أنفسهم فقراء هذا حتى لا يتوقع الآخرون منهم الاحسان والانفاق.[6] وتجدر الإشارة إلى أن البخل لا يقتصر على الشؤون المالية، بل يشمل جميع أنواع النعم، فهناك كثير من الناس لا يبخلون في الشؤون المالية، ولكنهم بخيلون في تعليم ونشر العلم والمعرفة، إلخ.
علاج البخل
لعلاج البخل مثل الأمراض الأخرى، يجب على المرء أولاً معرفة أضرار البخل وآثار وفوائد الوجود والانفاق، ثم البحث عن علاجه؛ أي أن على البخيل أن يفكر كثيراً في آثار ونتائج البخل - التي وردت في النصوص الدينية-، وكذلك فوائد الكرم و الجود التي وردت في التعاليم الدينية ویتأمل فيها. ویكثر من التفكير في الآيات والأحاديث التي جاء الکلام فیها عن خساسة البخلاء وذلّتهم والتی تبشر بالمکافاة علی الوجود والکرم.
يجب على البخيل أن يعتقد أن أمامه عالم آخر غیر هذا العالم، والذي سيسافر ویرحل إليه عاجلاً أم آجلاً، وانه يحتاج إلى ارسال بعض ما لديه بالفعل في هذا العالم الی عالم آخر وادخاره هناک حتى يتمكن من استخدم ذلک في يوم عجزه وفقره.
فعندما عرف البخيل هذه الامور اعتقد بها، فعليه أن یکره نفسه على البذل، ویخلي قلبه من حب الثروة والمال، ویبذل وینفق باستمرار؛ ویقوم بالاحسان الی الفقراء حتى یميل طبعه البشري إلى صفة البذل والاحسان. ومن أراد أن يتخلص من هذه الرذیلة الاخلاقیة، فعلیه ان لا یتعلل فی عمله عندما یرید بذل شیء من ماله، لإن الشيطان يغريه ويخوفه من الفقر وقلة المال.
إذا تجذر مرض البخل في نفس الإنسان فعليه أن يقنع نفسه بأن بذله وانفاقه سيجعله معروفاً بين الناس بالکرم، وعليه أن یتذکر المعروفين بالجود والكرم، حتى يتمكن بذلک من اقناع نفسه وبسط یده للبذل والانفاق.
بالطبع ان البذل والعطاء بهذه النية وبهذا الشکل رغم أنه ليس حقيقة السخاء والكرم ویعتبر صفة رذیلة عند اولیاء الله ولكن لا اشکال ولا ضرر فی ذلک اذا کان بدافع التشجیع والترغیب حتی ینتزع المرؤ حب المال من قلبه، وبعد ذلک یقوم بتصحیح نيته وقصده.
جدیر بالذکر أن أهم طریق لعلاج هذه الصفة هو قطع جذور هذا المرض وهو حب المال الذی یدعو الی حب الدنیا.[7]
[1]. الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق، الداودی، صفوان عدنان، ص 109، دمشق، بیروت، دارالقلم، الدار الشامیة، الطبعة الاولی، 1412ق.
[2]. النراقى، احمد، معراج السعادة، ص 406، قم، الهجرة، الطبعة السادسة، 1378ش.
[3]. «وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً». نساء، 36.
[4]. النساء، 37.
[5]. «الَّذينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ». نساء، 37.
[6]. الجعفری، یعقوب، کوثر، ج 2، ص 436، قم، الهجرة، الطبعة الاولی، 1376ش.
[7]. النراقی، محمد مهدی، جامع السعادات، ج 1، ص 446- 448، 454- 457، قم، اسماعیلیان، الطبعة السابعة، 1428ق، 1386ش؛ معراج السعادة، ص 405- 407، 410- 413.